لا شك أنه في هذه الأوقات العصيبة التي ابتليت فيها الأمة بحكام لئام، ثم بعلماء آثروا أنفسهم - إلا من رحم الله تعالى - فاختاروا السكوت عن بيان الحكم الشرعي في عمالة الحكام، وخضوعهم لأجندة الدول الاستعمارية، وتنفيذهم لأنظمة الكفر؛ من ديمقراطية وعلمانية وفصل الدين عن الدولة، وسكوتهم عن تعدد الجيوش والحركات المسلحة بقيادات مختلفة، فرقت الأمة وارتهنت إلى من يدفع فاتورة السلاح، ثم سكوتهم عن بيان الحكم الشرعي في حرمة الاقتتال بين المسلمين، بل ومنهم من رأى أن في هذا الاقتتال جهادا يجب أن يستمر، والنبي ﷺ يقول: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» رواه البخاري ومسلم، وقوله ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه ابن ماجه.
بالرغم من أن الأمة تتألم وتعاني من الاقتتال والإخراج المتعمد من البيوت، والاعتداءات على الأموال والأعراض، يحدث هذا كله دون حماية للأسواق والأموال والأعراض، فكلا الطرفين ترك الأسواق تنهب، والأعراض تنتهك... فأصبح حال الأمة كما قالها أهلنا الكرام في الشام "ما لنا غيرك يا الله".
في ظل هذا الواقع تحتاج الأمة إلى أبنائها المخلصين الذين رضعوا من ثديها الطاهر الحلال؛ الذين لم يقتاتوا من السفارات الأجنبية، ولم يغنموا من موائد الحكام اللئام، ولم يطعموا من رشاوى المنظمات المحلية ولا الدولية...
نعم الأمة تحتاج إلى قيادة رشيدة تقودها بالإسلام وتبين لها الحلول والمعالجات الناجعة لهذه المشاكل التي تمر بها اليوم. تحتاج إلى قيادة رشيدة تقف أمام الناس وتقول الحق، وتنكر المنكر، وتكشف الحقائق، وتفضح العملاء المتآمرين، وأصحاب الهوى والأغراض والمنتفعين. ثم تتحمل في سبيل ذلك التبعات العظام، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.
إن واقع الأمة المرير اليوم دافع ومحفز قوي لأهل الحق العاملين للتغيير على أساس الإسلام، أن يتصدروا المشهد، ويواسوا الأمة في مصابها، ويبشروها بفرج الله تعالى القريب وروحه وريحانه.
تحتاج الأمة اليوم إلى قيادة صادقة مخلصة تقدم الإسلام نظاماً للحياة، يغطيها بمعالجاته الشافية الكافية، لكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها...
يجب أن تدرك الأمة وتعي أن سبب أزماتها هو بُعدها عن تطبيق أحكام الإسلام، وأن سبب البلايا والمصائب التي ألمت بها هو تطبيق أنظمة الكافرين المستعمرين، وترويج بضاعتهم الكاسدة الفاسدة؛ من ديمقراطية وعلمانية وفصل الدين عن الدولة وحريات، وتحكّم منظمات الفقر والهدم مثل منظمة الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين وما شابهها.
لقد آن للأمة أن تعلم يقينا أنها طالما ظلت رهينة للعملاء، أياً كان لباسهم (عسكرياً أم مدنياً) فهي لن تكون بعافية، لأن الأصل ليس اللباس ولكن التطبيق والتنفيذ.
- فهل ما ينفذ اليوم هو حكم الله وشرعه القويم أم أنها أنظمة الكافرين المستعمرين؟!
- وهل الظلم والخراب والفوضى بسبب الأشخاص فقط، أم بسبب الأنظمة والقوانين والدساتير التي ترعاها وتشرف عليها الدول الاستعمارية ومنظماتها؟!
- وهل يختلف الظلم باختلاف لباس الظالم، أم أن الظُلمَ لا يتأثر بلباس الشخص وإنما بالنظام الذي يطبقه على الناس؟!
ولتعلم الأمة أن الظلم لا يرفعه إلا العدل، فهل هناك عدل في غير أحكام الله وشرعه الحكيم؟! قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ حتما فإن كل حكم غير حكم الله جاهلية.
أيها الرجال والنساء المخلصون من أمة الإسلام: لا يخفى على أحد أن الدول الاستعمارية أفسدت حياتنا نحن المسلمين بتدخلها في شؤوننا؛ مباشرة أو بواسطة عملائها السياسيين؛ سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، فقد نشرت هذه الدول الفوضى والفقر، وخربت بلادنا، وصنعت الفتن القبلية والعنصرية، وتاجرت بدماء أبنائنا بصفقات السلاح المشبوهة مع عملائها، ودعمت الحركات المسلحة، وأهم من ذلك كله حرصت على منع تطبيق الإسلام برعايتها الدساتير والقوانين والاتفاقيات التي تمنع صراحة تطبيقه في الدولة والمجتمع.
لقد انفضحت اليوم كل هذه الجهات وانكشفت الحقائق، فهل من عمل سياسي راقٍ وعظيم ومنظم، ينتظم الأمة فتلفظ مشاريع المستعمرين ومنظماتهم الدولية وتقبل على إقامة شرع الله سبحانه وتعالى بإقامة الدولة التي تخلف النبي ﷺ في إقامة الدين وسياسة الدنيا، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، كما قال ﷺ: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»؟ رواه أبو داود. فلقد صدقت النبوة، واختلف الحال اختلافا كثيراً، فهل سنعض على إقامة الخلافة بالنواجذ؟!
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع