"عند المقارنة بين خطر الذكاء الاصطناعي وبين الأسلحة النووية نجد أن هذه التقنيات الجديدة وعلى عكس التقنيات النووية لن تكون خبيئة مختبرات الحكومات ولكنها ستكون في متناول الجميع" (الجزيرة - ميدان - 15/5/2023)، هكذا عبر جيفري هينتون الذي يلقب "أبو الذكاء الاصطناعي" خلال حديثه لصحيفة نيويورك تايمز عن مدى تخوفه من إطلاق العنان للتطوير السريع للذكاء الاصطناعي، وهو ما أكد عليه جمع من العلماء من خلال دعمهم بياناً نُشر على صفحة الويب الخاصة بمركز "أمان الذكاء الاصطناعي"، قائلين: "ينبغي أن يكون الحد من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي أولوية عالمية، إلى جانب المخاطر المجتمعية الأخرى كالأوبئة والحروب النووية" (بي بي سي 2/6/2023).
يظهر بوضوح ودون أدنى شك أن هناك إجماعاً دوليّاً وخصوصاً بين الوسط العلمي مفاده وجود خطر حقيقي للذكاء الاصطناعي يهدد الوجود البشري ومستقبله، وهذا الاستشعار بالخطر دفعهم إلى أن يوجهوا دعوة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتحرك العاجل، فقال غوتيريش إنّ العلماء والخبراء دعوا للتحرّك في هذا الجانب وأعلنوا أنّ الذّكاء الاصطناعي تهديد وجودي للبشرية لا يقل عن الحرب النووية"، وهنا تبرز أهمية الناحية السياسية والمبدئية في التدخل لتحديد سياسات الدول وتوجيهها في ضبط العلم ضمن إطار لا يسبب ضرراً للبشرية، وهذا مربط الفرس في هذه القضية، وبالوقوف عليه يتبين مدى حجم الخطر وقرب حصوله...
إن خطر الذكاء الاصطناعي ليس قائما بذاته بل هو مرتبط بهيمنة النظام الرأسمالي والشركات الرأسمالية الكبرى التي تدير الدول وتدعم أوساطها السياسية لوضع سياسات الدولة بما يخدم تلك الشركات وتحقيق أرباحها المقدسة وبما لا يعيق منتجاتها التكنولوجية والمادية بمختلف أنواعها وأشكالها، وهو ما يعني إطلاق العنان لتلك الشركات التي لا تقيم وزنا سوى للربح والتنافس في السيطرة على العالم وأسواقه للانطلاق بكل طاقتها وقدرتها، وهذا هو الخطر بعينه. ومن سوء حظ البشرية أن تأتي هذه القفزة في الذكاء الاصطناعي في ظل هيمنة النظام الرأسمالي المتوحش الذي قد يتخذ بعض الإجراءات بخصوص الذكاء الاصطناعي ضمن حد يساعده في إدارة شؤون البشر وليس رعايتهم أو ربما لا يفعل ذلك...
إن المبدأ الوحيد القادر على توظيف كل شيء في خدمة الإنسان هو الإسلام فقط القائم على رعاية الشؤون وليس الربح، والذي يجعل مقياسه في العلم وتطويره هو خدمة الإنسان ورعايته وتسهيل سبل عيشه وحمايته ومنع ما يلحق الضرر به. وبناءً على تلك النظرة الربانية للإنسان وطريقة عيشه تستقر الحياة وتسودها الطمأنينة وتحفظ الخصوصية ويبقى للإنسان دوره المهم... وبناءً على ذلك التوجه يُوَجه العلماء ويقدم لهم الدعم المادي والمعنوي لخدمة بني جلدتهم، وبناءً على ذلك يتم وضع القيود والحدود على الشركات والمصانع وطبيعة المنتجات والبرامج وطرحها في الأسواق وآلية الوصول لها والاستفادة منها. والذي يحرم البشرية من هذا المبدأ العظيم الذي ساد العالم ثلاثة عشر قرناً هو غياب الدولة التي تطبقه وتحمله للعالم الذي ضاق ذرعاً بالرأسمالية وأنظمتها والليبرالية ومفاهيمها الشاذة، وهذا كائن عما قريب بإذن الله؛ دولة خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة رحمة للعالمين.
من مقالة نشرها موقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع