يتبارى حكام المسلمين اليوم ومنذ أن ولي أسلافهم مناصب الحكم في بلاد المسلمين، عقب هدم دولة الخلافة العثمانية قبل أكثر من مائة عام، يتبارون في سباق محموم يفضي بهم جميعا إلى سخط الله، فوق كونهم لا يحكمون بما أنزل الله، وهم بذلك كافرون أو ظالمون أو فاسقون أو جميع ما ذكر من صفات الذين يجعلون كتاب الله وراءهم ظهريا. والدليل على ذلك قول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
ولقد تميز حكام آل سعود عن أقرانهم من الحكام بأنهم الأكثر مسارعة في سخط الله، وخصوصا بعد أن أصبح محمد بن سلمان هو الشخص المتنفذ من بين أفراد هذه العائلة الحاكمة في حكم بلاد الحرمين الشريفين. ويكفي للدلالة على ذلك أنه سارع إلى إحداث تغييرات جوهرية في حكم العائلة السعودية على الصعيدين العائلي والشعبي.
أما على صعيد العائلة الحاكمة فقد حجز عدداً كبيرا من أمرائها في فندق كارلتون قبل عامين أو ثلاثة وجردهم من مناصبهم وصادر بعض أموالهم، ثم توعدهم بالمزيد من العقوبات إن هم تمردوا على أوامره. وأما على الصعيد الشعبي فقد قام باعتقال عدد من العلماء الذين ظهرت عليهم صراحة أو دلالة مواقف مناهضة لإجراءاته في إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستحداث هيئة مقامها تسمى "هيئة الترفيه" ضمن برنامجه المعروف "المملكة 2030"، والذي يهدف من خلاله إلى تغريب أهل الحجاز، وإشاعة الفاحشة فيهم، وفك ارتباطهم بجذورهم الإسلامية العميقة. بل إنه قد قام بإجراءات ظاهرة كمنح تأشيرات سياحية لمن يطلق عليهم فنانين وفنانات، وتسهيل إقامة الحفلات الماجنة لهم، وفتح بعض الشواطئ على البحر الأحمر للاستجمام على الطريقة الغربية، وإنشاء المنتجعات السياحية والطبية في طول البلاد وعرضها، وكان آخرها مشروع المنتجع الطبي المزمع إنشاؤه على جزء من جبل أحد، ذلك الجبل الذي دارت رحى معركة أحد على ترابه، وقال فيه النبي ﷺ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»! هذا فضلا عن تعاقد بعض نوادي المملكة مع لاعبي كرة قدم مشهورين بمبالغ خيالية، وعزمها على إقامة حدث رياضي كبير يفوق في تكلفته ضعفي تكلفة مونديال قطر!
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيقف المسلمون في بلاد نجد والحجاز مكتوفي الأيدي إزاء هذا المد الجارف لما تبقى من قيم الإسلام لديهم، وإضعاف انتمائهم للدين والتاريخ، وتغريب الجيل الصاعد، وأن تصبح مملكة آل سعود كالعراق وتونس ومصر وتركيا وغيرها من بلاد المسلمين؟!
والجواب على ذلك يكمن في أن شعب الجزيرة العربية هو جزء من الأمة الإسلامية، ولم يستطع الكفار أن يسلخوهم أو أن يسلخوا غيرهم من الشعوب الإسلامية عن دينها وتراثها ومعتقداتها، وقد باءت محاولاتهم كافة بالفشل الذريع في هذا المجال. فالله سبحانه وتعالى قد حفظ الإسلام كتابا وسنة وتاريخا وفقها وفكرا من أن يطاله الاندثار أو يلحقه العفاء، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. وما تمر به الأمة الإسلامية اليوم هو كبوة جواد ستنهض بعدها أقوى من ذي قبل، وستحاسب القريب والبعيد ممن أساءوا لها ولدينها وتراثها، وستقتص ممن قتل أبناءها وشردهم واعتدى على أعراضهم ومقدساتهم بعد أن يقف العملاق الإسلامي على قدميه في خلافة المسلمين الراشدة الثانية على منهاج النبوة قريبا بإذن الله. ولنا فيما يجري في فلسطين والمسجد الأقصى مثال ونموذج، فبالرغم من مرور مائة عام على احتلاله، وبالرغم من الاقتحامات المتكررة والحفريات التي تسعى لهدمه من أساسه، فإن مكانته في نفوس المسلمين لا زالت كبيرة، وكل حدث يحصل فيه يهيجهم في كل مكان، بل أصبح الميزان الذي تقاس به حرارة الأمة الإسلامية. وهذا يجعلهم يحرصون على المحافظة على وضعه الذي يسمونه "تاريخيا"، ويحذرون يهود من أي تصعيد تكون فيه نهايتهم.
وهناك نقطة أخرى ينبغي التركيز عليها وزيادة الوعي على تفاصيلها ومؤشراتها، وهي أن الأمة الإسلامية قد انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وهي الآن تصارع أنظمة الحكم المجرمة في بلادها من أجل الإطاحة بهم، وإقامة الخلافة على أنقاض عروشهم، وتلك مرحلة جديدة تشعر الحكام بالخوف الدائم، بعد أن استفرغوا وسعهم في شل كل حركة سياسية فاعلة على أساس الإسلام، وقاموا بكل ما يمكن القيام به لمنع نهضة المسلمين أو تأخيرها، واستعانوا بكل شيطان مريد من شياطين الإنس من الباحثين والمفكرين والمستشرقين والمستغربين، وجندوا جيوشا جرارة من الحركات القومية والوطنية وبعض الحركات الإسلامية والجمعيات النسوية وأنفقوا عليها المليارات، وفتحوا لها أبواب الإعلام على مصاريعها، وتدخلوا في تعديل المناهج المدرسية والجامعية، ونزعوا منها كل ما يمكن أن يمثل سلطان الأمة وتراثها وجهادها وتاريخها المجيد وماضيها العتيد ومستقبلها المشرق الموعود، إلا أن ذلك كله لم ينفعهم في تحقيق مآربهم، وصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾. قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: "فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوباً مقهوراً محروباً مسلوباً. وأما الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها، نعوذ بالله من غضبه".
وأمة الإسلام اليوم تقرع أبواب الخلافة الراشدة بقوة، وما إن يأذن الله بفتحها، حتى يتهاوى حكام الجبر وعلى رأسهم حكام آل سعود، ويندحر أسيادهم الكفار عن بلاد المسلمين إلى غير رجعة، وستلاحق جيوش المسلمين فلولَهم، وستُفتح روما وباقي عواصم الكفر على وقع التكبيرات وتحت ضربات الجيوش الإسلامية، ولن يبقى على الأرض مدينة ولا قرية إلا وسيدخلها الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، مصداقا لوعد رسولنا الكريم ﷺ، فيما رواه تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ؛ عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»، وكان تميم الداري يقول: "قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية" ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع