قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. قال ابن كثير رحمه الله: "يعني: الذين هم في حد والشرع في حد، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية". وقال الماوردي رحمه الله: "فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من حارب الله ورسوله، الثاني: من خالف الله ورسوله، الثالث: من عادى الله ورسوله. وقد شملت هذه الأوجه الثلاثة جميع أصناف المحادين من الكافرين والمستكبرين والعصاة المخالفين الظاهرين والخفيين. وهذا بيان قرآني أزلي عامل في عباد الله في كل زمان ومكان، مهما أوتوا من قوة، ومهما بطشوا وأشروا وبطروا، ومهما علا شأنهم في الأرض ولو كان علوا كبيرا، فإن الله القوي العزيز سيذلهم ويجعل أمرهم إلى تباب وخراب ويباب. ولكن ذلك منوط بإرسال الرسل إليهم، وإنذارهم المتكرر، حتى إذا استيأس الرسل من صلاحهم، وتمرد المحادون على أوامر الله وإنذارات الرسل، عندئذ ينزل الله قضاءه المبرم، وبأسه الذي لا يرد عن القوم الكافرين المحادين والمخالفين، فيجعلهم الأسفلين. وذلك في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾".
ولقد مضى زمن الرسل وخُتموا برسالة النبي محمد ﷺ، ومات رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، واستخلفنا في حمل رسالته من بعده، لنقوم مقام الرسل في التبليغ والإنذار، وفي حمل الدعوة إلى العالم أجمع عن طريق الجهاد في سبيل الله، فمن آمن سلم، ومن عاند وأصر على أن يحادّ الله ورسوله قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله، الجنة أو الظفر والنصر. ونحن نرى اليوم أن العالم بأسره قد حادّ الله ورسوله، وصار في حد والشرع في حد، وبلغت المشاقّة لله ولرسوله وللمؤمنين حداً غير مسبوق، وأجمعوا أو أوشكوا على معاداة الإسلام وأهله، وأجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم، بالعساكر والقوانين الوضعية، وصدروا إلينا الفساد بأنواعه، وأشاعوا فينا الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، ولوثوا أجواءنا بالأفكار الفاسدة والأخلاق السيئة، وما بقيت ناحية من نواحي المسلمين إلا ونالها حظ وافر من الردى والردية والأذى والأذية، والحال يغني عن أي مقال!
إن الله قد فرض على أتباع محمد ﷺ أن يتصدوا لهذا الفساد والإفساد في الأرض، وجعل مسؤولية إزالته ملقاة على عاتقهم وحدهم دون باقي الأمم، في قوله عز وجل: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾. وجعل الشرط الأول من شروط هذا التصدي هو التبرؤ من أولئك المحادين لله ورسوله، ونزع المودة لهم من قلوب المؤمنين، وذلك تهيئة لما هو آت بعد ذلك من المقارعة والمصادمة والمقاتلة، وذلك في قوله عز وجل: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
- ولم يسجل التاريخ أبدا أن ابناً قد قتل أباه وبُشّر بالجنة وهو على الأرض يمشي إلا في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم: "ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته".
- ولم يسجل التاريخ أبدا أن أباً يهمُّ بقتل ابنه في معركة المواجهة بين الحق والباطل كما سجل لأفضل الناس إيمانا، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما همّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن.
- ولم يسجل التاريخ أبدا أن أخاً يقتل أخاه لما رآه في صفوف المحادين لله ورسوله كما سجل لمصعب بن عمير رضي الله عنه، عندما قتل أخاه عبيد بن عمير في معركة بدر.
- وقد قتل عمر قريباً له يومئذ أيضا، وقتل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، عتبة وشيبة والوليد بن عتبة أبناء العمومة.
قال ابن كثير رحمه الله: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله ﷺ المسلمين في أسارى بدر فأشار الصديق بأن يفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله أن يهديهم. وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول الله، هل تمكني من فلان - قريب لعمر - فأقتله، وتمكن عليا من عقيل، وتمكن فلانا من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين؟
هكذا هي الموالاة في الله والمعاداة في الله، وهكذا هم حزب الله وأهل الله وخاصته، وهكذا يجب أن يكون في المسلمين اليوم قوم يوالون في الله ويعادون في الله، ويؤمنون بالله حق الإيمان، فلا يكون في قلوبهم مثقال ذرة من موالاة للذين يحادون الله ورسوله، ولو كانوا أقرب المقربين. قال ابن كثير: "وفي قوله: ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم، وهؤلاء هم حزب الله، أي: عباد الله وأهل كرامته، وفيه تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا والآخرة، في مقابلة ما أخبر عن أولئك المحادين بأنهم حزب الشيطان، ثم قال: ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾".
ولا شك أن حكامنا اليوم وأتباعهم وأشياعهم هم من حزب الشيطان، لأنهم يوالون وكلاء الشيطان في الأرض، أمريكا ودول الغرب، وروسيا والصين ودول الشرق، ويوادونهم أيما مودة! وأخشى أن يلحق بهم كل من سكت عنهم ورضي بهم حكاما يحكمون المسلمين بغير ما أنزل الله. وقد استحق حزب الله وأتباعهم ما وعدهم ربهم من غلبة وفلاح بنقاء سريرتهم، وحسن إيمانهم، وقوة التزامهم بالشرع، وفي الوقت نفسه يوالون في الله ويعادون في الله، ولا يوادون من حاد الله ورسوله، وفيهم قال رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ وَلَا لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَداً وَلَا نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾». قال سفيان: "يرون أنها نزلت فيمن يخالط السلطان"، وفي ذلك رسالة إلى المسلمين جميعا وخصوصا العلماء الذين يخالطون السلاطين، أن يهبوا من فورهم لمفارقتهم، والعمل مع العاملين لتصويب أوضاع المسلمين الشاذة بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، كي تتحقق المفاصلة بين أتباع حزب الله وأتباع حزب الشيطان قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع