إن الإسلام هو الدين الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم لينظم علاقة الإنسان بنفسه وبغيره وبخالقه، وهو طراز معين من العيش يختلف عن كل أنظمة العيش التي عرفتها البشرية من حيث العقيدة السليمة والتكاملية التشريعية وخاصية الانتشار والتوسع بطريقة مقنعة وجذابة، دون أي ظلم أو طمع في ثروات الغير، بل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
وللإسلام استحقاقات تتلازم مع وجوده وانتشاره، وتطلعات تلازم أهله وتلزمهم، ويجب أن يسعوا دوما لإيجادها في واقع الحياة، كما أن لأعدائه تطلعات ظهرت منذ اليوم الأول الذي وجد فيه الإسلام في مكة، وهي مستمرة إلى يومنا هذا وبأشكال مختلفة، وسيبقى الإسلام متصارعا مع أعدائه نظرا لاختلاف تطلعات الفريقين حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وينتصر الحق على الباطل، ويتغلب العدل على الجور، ويدخل الإسلام إلى كل بيت مدر ووبر، ويبلغ ملك أمة الإسلام مشارق الأرض ومغاربها بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الشرك.
ويمكن تلخيص استحقاقات الإسلام بالنقاط الآتية:
- تأسيس العقيدة الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة وعلاقتها بما قبلها وما بعدها.
- تطبيق النظام المنبثق عن العقيدة بشكل شامل وكامل في الداخل.
- حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع عن طريق الجهاد في سبيل الله.
وأما تطلعات المسلمين فهي:
- إدخال الناس في دين الله أفواجا دون إكراه.
- بسط سلطان الإسلام على العالم كله.
- تحقيق مرضاة الله عز وجل.
ولكن تطلعات أعداء الإسلام والمسلمين شيء مختلف تماما، ومناقض بشكل كامل لتطلعات المسلمين. يقول سبحانه تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، ويقول عز من قائل: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾، ويقول عز وجل: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾.
وقد تجسدت تلكم التطلعات قديما منذ فجر الإسلام بشكل صارخ، واستمرت عبر عصور المسلمين المتعاقبة، ولم تهدأ حتى تمكن الكفار من هدم دولة الخلافة العثمانية قبل نحو قرن من الزمان، وتجددت بشكل سافر وصريح بعد أن بدأ المسلمون يعملون جادين في مشروع إنهاض أمتهم واستعادة مجدهم، بإقامة دولة خلافتهم الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
وهذه نماذج من الماضي ومن الحاضر تؤكد على أن تطلعات أعداء الإسلام مسكونة بالخوف منه، ومحكومة بطبعهم الخبيث في محاربته، وسخطهم الشديد من ظهوره.
أما قديما فقد حاولوا بكل السبل منع النبي ﷺ من تبليغ رسالة الإسلام، ووقفوا سدا منيعا في وجهه كي لا تلتحم دعوته مع أي منعة في مكة أو في محيطها، أو حتى في أي من أقاليم الجزيرة العربية. وحاولوا من قبل تقديم العروض المغرية له حتى يتخلى عن دعوته، كما جاء في سيرة ابن هشام عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيداً، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله ﷺ جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد، فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه، ورأوا أصحاب رسول الله ﷺ يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله ﷺ فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضاً. قال: فقال رسول الله ﷺ "قل يا أبا الوليد أسمع" قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً، سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً، ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه، لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الأطباء، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله ﷺ يستمع منه، قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم. قال: "فاستمع مني" قال: أفعل. قال: "بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ ٱلرَّحِيمِ * كِتَـابٌ فُصِّلَتْ آيَـاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾" ثم مضى رسول الله ﷺ فيها، وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك". فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني، واجعلوها لي، خلُّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وأما حديثا فتصريحات أساطين الكفر في أمريكا وروسيا، وأفعالهم في مناطقهم وبلاد المسلمين ضد كل محاولة لإقامة الدين، ظاهرة لا تخطئها العين، وأهمها قول قائد قوات حلف الناتو في آسيا وأوروبا ويسلي كلارك عندما كشف عن السر الخفي للحرب على الإسلام التي أعلنها بوش على أفغانستان عام 2001م: "من يظن أننا خرجنا إلى أفغانستان انتقاما لأحداث 11 أيلول فليصحح خطأه. بل خرجنا لقضية أخطر هي الإسلام. ولا نريد أن يبقى الإسلام مشروعا حرا يقرر فيه المسلمون ما هو الإسلام بل نحن من نقرر لهم ما هو الإسلام...".
وهناك نموذج آخر حصل في غفلة من المسلمين مؤخرا، حيث أعلن ماكرون عن حل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واستبدل به مؤسسة جديدة تدعى منتدى الإسلام الفرنسي. وفي المؤتمر الذي عقد بعد ذلك، تفاخر ماكرون بإنجازاته خلال السنوات الأخيرة ضد الإسلام وذكر منها 28,000 عملية مداهمة لمنازل المسلمين، وإغلاق 906 مؤسسة دينية (مساجد + جمعيات) بشكل نهائي أو مؤقت، ومصادرة 52 مليون يورو من أموال المسلمين، وارتفاع نسب البلاغات من غير المسلمين ضد المسلمين، وإنهاء تدريس اللغة العربية والقضاء على التعليم المنزلي أو التعليم خارج إطار الدولة والاكتفاء بتعليم اللغات الأجنبية تحت رقابة الدولة! وذكر أشياء كثيرة أخرى مؤسفة تعتبر بمثابة مذبحة ومحاكم تفتيش حديثة!
وختاما، فإن الإسلام بين استحقاقاته وتطلعات أعدائه يشق طريقه بقوة نحو إقامة دولته الموعودة من الله عز وجل، والمبشر بها من رسول الله ﷺ، رغم أنف الحاقدين والماكرين، ورغم غفلة الغافلين عن استحقاقاته وتطلعات أعدائه. وما هو إلا أن يأذن الله بنصرة العاملين لإعزاز هذا الدين، بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة قريبا بإذن الله، والتي ستكون زلزالا معمرا، خلافا لطبيعة الزلازل المدمرة، وستكون دولة كبرى بل الدولة الأولى والوحيدة في العالم، لتقود البشرية نحو الخير والعدل والمحبة، بعد أن مُلئت الدنيا جورا وظلما في ظل الأنظمة الوضعية الرأسمالية والاشتراكية وغيرها. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
رأيك في الموضوع