يدرك أي سياسي أهمية الحاضنة الشعبية في تثبيت أي نظام سياسي أو زعزعته أو حتى إسقاطه واستبدال نظام جديد به، موافق لتطلعات شعب ما. وهذا ما كان واضحاً جلياً في ثورات الربيع العربي فقد تحركت الشعوب مطالبة بإسقاط أنظمة الجور والظلم بعد أن طفح الكيل.
إلا أن الأنظمة العميلة وسيدتهم أمريكا لم يقفوا متفرجين مكتوفي الأيدي أمام حركة الشعوب بل عملوا جاهدين على الالتفاف على مطالب الشعوب وتقزيم مطلب إسقاط النظام وحصره بإسقاط رأس النظام، فقد تغير عدد من الحكام مع بقاء النظام، وقد حرص الغرب وأدواته في كل بلد إسلامي على المحافظة على النظام العلماني فلم يتغير شيء وتم إفشال عموم الثورات.
أما ثورة الشام فإن الأمر كان فيها مختلفاً عن باقي الثورات فقد كان لدرجة الوعي العالية لدى ثوار الشام دور مهم في عرقلة أي مساع للغرب للالتفاف على الثورة وحرفها وإنهائها بسهولة، وها نحن نقترب من إنهاء العام الثاني عشر من عمر الثورة، وما زالت جموع الثائرين تثبت أنها شوكة في حلق النظام العالمي، فقد سقطت من أعين الناس كل أدوات أمريكا التي سخرتها للقضاء على الثورة وإعادتها لحضن النظام المجرم، وعلى رأسها نظام المصالحات والوصاية التركي كقيادة سياسية أوردت ثورتنا المهالك.
كما سقطت القيادات المصنعة التي حاولت أمريكا فرضها بأساليب متعددة على ثورة الشام؛ فسقط الائتلاف العلماني وحكومته، وخاصة بعد مواقفه المخزية والسافرة في تأييد التحركات التركية لمصالحة نظام أسد حتى وصل الأمر بالمتظاهرين يوم الجمعة 13/1/2023 إلى طرد رئيس الائتلاف سالم المسلط من إحدى المظاهرات في مدينة إعزاز واتهامه بالتشبيح للنظام.
وسقط المجلس الإسلامي السوري وشخصياته المرتبطة بالنظام التركي وخاصة بعد ترحم بعض شخصياته على الشبيحة منيرة القبيسي التي كانت من أشد مؤيدي النظام.
وسقط قادة المنظومة الفصائلية المرتبطون بالنظام التركي بعد أن باتوا يأتمرون بأمره، يجمدون الجبهات ويساهمون في زيادة معاناة الناس في الشمال السوري بشقيه من خلال أمنيّاتهم ومعتقلاتهم ومن خلال ما يفرضونه من ضرائب وأتاوات. وهم في ذلك يسيرون في تطبيق مخطط المصالحات الخبيث وفق توجيه معلمهم التركي عن طريق التضييق على الناس لزرع اليأس في نفوسهم.
أما محاولات البعض احتواء حراك الحاضنة بعد الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا ورؤساء أجهزة مخابراتهم، ومحاولتهم حرف الحراك الثوري وتقزيم مطالبه، فهي مكشوفة أيضا للثائرين الصادقين من أهل الشام، خاصة وأن تاريخ من يحاول ذلك مكشوف وهو يشهد على سوء نواياه.
إن حراك الأمة الأخير في المناطق المحررة يبشر بخير عميم، فقد بدأت حاضنة الثورة تتحسس خطر مشروع المصالحات الخبيث وهي تسعى جاهدة لإفشاله، ولكن إفشاله يحتاج إلى جهود جميع أبنائها المخلصين الواعين من أجل استعادة قرار الثورة المسلوب منها ليكون قرارنا بأيدينا لا بأيدي المتآمرين والمتاجرين.
ولقد رأينا قوة التحركات الشعبية الأخيرة الأمر الذي دفع أمريكا للتصريح ضد خطوات التطبيع بين النظامين التركي والسوري لأنها اعتبرت أن الوقت للحل السياسي الذي تخطط له لم يحن بعدُ، ما دفع وزير الخارجية التركي إلى تأجيل اجتماعه مع نظيره السوري إلى أجل غير مسمى.
لكن الواجب أن لا نكتفي بردات الفعل المشاعرية، بل علينا حسن تنظيم الحراك الشعبي الحالي وتوحيده على ثوابت وأهداف ثورية واضحة، خلف قيادة سياسية واعية صادقة.
وهذا الأمر هو الكفيل باستمرار الحراك وتوسعه وخروجه من حالة الاحتواء من طرف أدوات النظام التركي، عندها فقط تتحقق أهدافه في إفشال مخطط المصالحة.
وعندها تستعيد الثورة قرارها وتستلم زمام المبادرة، وتكون الركن الذي يأوي إليه أهل القوة من أبنائها، وعند ذلك تسير الجموع من جديد بعد تصحيح المسار، لإسقاط نظام الإجرام في دمشق وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
رأيك في الموضوع