قام رئيس حكومة كيان يهود بنيامين نتنياهو بزيارة خاطفة للعاصمة الأردنية عمّان في 24/01/2023 أجرى فيها مُحادثات مُكثّفة مع ملك الأردن عبد الله الثاني، وشارك فيها رؤساء الأجهزة الأمنية للنظام الأردني وكيان يهود.
وشدّد الملك الأردني في الاجتماع على ما أسماه باحترام الوضع التاريخي والقانوني القائم مُنذ ما قبل عام 1967، وأكّد على أنّ دائرة الأوقاف الأردنية هي المسؤولة الوحيدة عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، وزعم أنّ حكومة كيان يهود لا تملك أي صلاحية بالتدخل في المسجد، وطالب أيضاً بوقف أعمال العنف في الأراضي المحتلة من أجل فتح أفق سياسي جديد لإعادة عملية السلام مُشدّداً على ضرورة وقف إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام والالتزام بحل الدولتين.
وهذه التصريحات هي مُجرّد كلام عام واستهلاكي تنشره وسائل الإعلام الأردنية، وهي تكرار مُمل للمعزوفة الإعلامية التي تطرب لها وسائل الإعلام العربية الرسمية التافهة.
أمّا نتنياهو فلم يصدر عنه أي تصريح واضح يُوافق تصريحات الملك عبد الله، وكل ما نُقل عنه بشكلٍ غير مباشر وباختصار أنّه يتعهّد بالحفاظ على الوضع القانوني القائم للمسجد الأقصى، وفي كلامه هذا غموض كبير وإمكانيات قابلة للتأويل لكلمة الوضع القانوني، ويؤكد ذلك تصرفات يهود الاستفزازية المتواصلة التي ألغت أي معنى ذي قيمة للوصاية الأردنية على المسجد الأقصى.
وما لم تذكره وسائل الإعلام الأردنية عمّا جرى في الزيارة ذكرته وسائل الإعلام العبرية بصراحة فقد قالت بأنّ اللقاء بين الطرفين نوقشت فيه القضايا الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية، ولم يتطرق لأي شيء آخر، والوقائع على الأرض تثبت عكس ادعاءات وسائل الإعلام الأردنية التابعة للحكومة، فاستفزازات يهود لم تتوقف لا قبل الزيارة ولا بعدها، والاعتقالات والاغتيالات والاعتداءات واقتحامات المسجد الأقصى وتوسيع الاستيطان وإلغاء جميع حقوق أهل فلسطين على أراضيهم كل ذلك ممّا تقوم بها قوات الاحتلال في حالة تزايد، وحتى إهانة السفير الأردني لدى كيان يهود غسان المجالي الذي يُمثّل التطبيع الدبلوماسي في أعلى صوره لم تعتذر حكومة الاحتلال عنها، بل إنّ ما يسمى بوزير التراث فيها ميكي زوهر صرّح بعد زيارة نتنياهو لعمّان قائلاً: "على الملك (عبد الله) أنْ يفهم أنْ لا وصاية له على (إسرائيل)، وأنّ المسجد الأقصى هو أقدس بُقعة لليهود، وعلى الملك أنْ يعتاد على أنّنا عُدْنا إلى (إسرائيل)".
وما دلّ على أنّ ما جرى في الاجتماع بين عبد الله ونتنياهو لا علاقة له بالمسجد الأقصى ولا بالوصاية الأردنية، وإنّما له علاقة بتقوية التعاون الأمني والاستراتيجي بين الدولتين تصريح لمصدر أدلاه للإذاعة العبرية شارك في اللقاء قال فيه: "إنّ الاجتماع تمّ بأجواء طيّبة، وكان من أفضل اللقاءات، وعكس علاقات جيدة تستند لمعرفة طويلة بين الرجلين".
وقد سبق هذا اللقاء قيام وزير حرب يهود يؤاف غالانت بزيارة سرية تمهيدية قبل أسبوعين لعمّان سبقت زيارة نتنياهو الأخيرة، وكان محورها توثيق التعاون الأمني بين الجانبين، وذلك وفقاً لما كشفه موقع وانيت العبري.
إنّ هدف زيارة نتنياهو المركزي الوحيد إذاً هو إزالة المعيقات التي تقف في طريق مشاريع ثنائية جديدة بين الدولتين، وتسريع التعاون في الناحية الاقتصادية، ولا قيمة للتصريحات التي أطلقها الملك عن الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، فالموضوع هو تعميق التعاون الأمني والاقتصادي والاستراتيجي بين الدولتين، وليس تكريس الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، ولا البحث عن أفق سلام، ولا الالتزام بحل الدولتين كما زعم الملك.
فتعزيز العلاقات بين نظام الأردن وكيان يهود بهذا المستوى هو تآمر جديد على قضية فلسطين، وتآمر على المسلمين وعلى أهل الأردن وأهل فلسطين، وهو توظيف الدولة الأردنية والجيش الأردني لحماية كيان يهود أمنياً، وتسخير لمقومات الأردن لخدمة متطلبات يهود الأمنية والاقتصادية غير المتناهية على حساب الأردنيين والفلسطينيين والمسلمين، فالملك ونظامه في واد والأمّة الإسلامية قاطبة في واد آخر، وما دام هذا النظام الخائن جاثماً على صدور أهل الأردن فلن ينال هذا الشعب الأبي أي حق من حقوقه، وستزداد أوضاعه سوءاً في كل المجالات.
فالمطلوب من أهل الأردن خلع هذا النظام العميل من جذوره، وذلك تمهيداً لفتح المجال أمام قوى الأمّة الفاعلة لتحرير كل فلسطين من احتلال دولة يهود.
رأيك في الموضوع