بعد أن خاض بعض الثوار تجربة التوحد في غرفة عمليات واحدة وأدت إلى ما أدت إليه من تحرير مدينة إدلب وريفها بشكل شبه كامل، يقف الآن الثوار أمام تحديات عدة؛ أهمها تماسك هذا التوحد والاستمرار في العمل العسكري بما يحقق الهدف من هذه الثورة وهو إسقاط النظام، وهذا ما لا يروق للغرب وخاصة أمريكا، وهي التي تسعى عبر مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا ومشاوراته الأخيرة التي ستفضي إلى جنيف3 والذي من المقرر أن يخرج بصيغة توافقية لحل سياسي بين النظام والمعارضة، تسعى أمريكا من خلاله لبلورة حلها السياسي ومن ثم فرضه على أهل الشام، وأيضا هناك دانيال روبنشتاين مبعوث أوباما الخاص إلى سوريا الذي يقوم باتصالاته مع المعارضة لأخذ مواقف ترضي أمريكا فيما يتعلق بسوريا، وكذلك يأتي مؤتمر القاهرة للمعارضة وأيضا مؤتمر الرياض في هذا السياق الذي من المتوقع أن ينتج جسما سياسيا جديدا يمثل الثورة كسابقه الائتلاف ولكن بوجوه جديدة وبتمثيل أوسع بحيث يشمل بعض الفصائل المقاتلة في سوريا، وهذا يجعل الثوار أمام تحدٍّ كبير، حيث إن الغرب يعرف تماما أن أهل الشام بعمومهم لن يقبلوا غير الإسلام وقد لفظوا بضاعة الغرب التي يروج لها الائتلاف، فهو يسعى لنزع تصريحات من قادة الفصائل التي تتلقى دعما من دول الإقليم أو دول الغرب مباشرة. وهذا التحدي هو الإفصاح عن المشروع السياسي الذي يريدون ولا يمكن الاكتفاء بالقول بأن الهدف هو إسقاط النظام، بل لا بد من توضيح ما بعد إسقاط النظام.
في الحقيقة هذا التحدي هو ما يعبر عن مدى صدق قادة الفصائل مع أمتهم التي خرجوا يدافعون عنها وهو يضعهم أمام مسؤولية عظيمة؛ إذ إنه بيدهم مصير أمتهم وأي تصريح بهذا الخصوص يحدد مكان اصطفافهم في المعركة.
أما الحفاظ على ما تم تشكيله من غرف عمليات توحد العمل العسكري فهي أساسا لا تفي بغرض الوحدة المنشود، حيث إن توحيد العمل العسكري وقوة التنسيق بين هذه الفصائل أثبت حجم القوة العسكرية التي يمتلكها الثوار وأنه بمقدورهم ليس فقط إضعاف النظام أو ضربه هنا أو هناك بل أثبت أنه بمقدورهم إسقاط هذا النظام بكل أركانه ورموزه، لكن هذا التوحد لا يعطي أبدا عوامل الحفاظ عليه، وذلك لغياب الرؤية السياسية والمشروع السياسي، بل ربما لتناقض هذا المشروع إن وجد، وهذا يعتبر نقطة ضعف في أي تجمع عسكري، حيث إن من يرتبط بمشروع غربي سيشكل ورقة ضغط على هذا التجمع في حال كان هناك عمل ما لا يرضى عنه الداعم، مما يجعل هذا التوحد رهينة لإرادة أصحاب المشروع الغربي وسيكونون عقبة أمام أي تحرك مخلص مستقل.
أما التحدي الأكبر الذي تواجهه ثورة الشام فهو المال السياسي الذي يؤدي إلى رهن القرار السياسي وحتى العسكري بإرادة الداعم، وهذا ما ذكّر به حزب التحرير / ولاية سوريا مرارا في بياناته مؤكدا أن أي ارتباط بدول الإقليم كتركيا والسعودية وقطر وغيرها هو ارتباط بالغرب وخاصة أمريكا، وأن ما يقدمونه لبعض الثوار ما هو إلا لتسييرهم وفق المخطط الأمريكي الذي يقضي بإجهاض الثورة عبر حل سياسي يفضي إلى حكومة مشتركة بين النظام والمعارضة العلمانية ومحاربة الإرهاب أي محاربة كل رافض للسياسة الأمريكية وبالتالي هو محاربة المخلصين في ثورة الشام.
وإن الارتباط بالدعم وعدم وجود مشروع سياسي يجمع الفصائل يجعلها عرضة للاقتتال الداخلي الذي تلجأ إليه أمريكا في حال لم تنجح خططها في فرض الحل السياسي، وخاصة أن هذا الاقتتال قد وُجدت مبرراته، حيث تنظيم الدولة الذي يقف ضد الثوار ويصفهم بالمرتدين مما يجعل المواجهة معه أمرا واقعا ومسوغا من قبل الفصائل، وإن خطر الاقتتال ليس محصورا فيما يسببه من سفك لدماء المسلمين فحسب بل إنه في المقابل يضعف من قوة الثوار التي يجب أن تتجه لإسقاط النظام، كما أنه يفقدها الحاضنة الشعبية، وهذا ما يُسهل على أمريكا فرض حلها الذي سيظهر على أنه الحل الذي لا بد منه، أو أنه الشر الذي لا بد منه.
أمام هذه التحديات الحالية والمقبلة على ثورة الشام لا بد أن يدرك الثوار جميعا أن أس الداء وأصل البلاء هو غياب المشروع السياسي الذي يجعل أي توحد متينا راسخا، وغيابه يؤدي إلى الارتماء في أحضان الداعمين والارتباط بقرارتهم والقبول بحلولهم المسمومة، ويشكل أرضية خصبة لأي اقتتال بين الفصائل، فكان لا بد من وجود المشروع السياسي المستنبط من الكتاب والسنة والذي لا يكتفي برسم المستقبل لهذه الأمة بل إنه أيضا يرسم الطريق المستقيم للوصول إلى هذا الهدف اتباعا للنبي محمد r، كما أنه سيكون عقبة كأداء أمام أي خطة أو حل أمريكي يُراد فرضه على ثورة الشام، وهذا المشروع يقدمه حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، ونؤكد بأنه بغير ذلك ستكون الفصائل أداة بيد داعمها وممولها يحركها كيف يشاء وفي ذلك الشقاء كل الشقاء، وباتباع طريق النبي محمد r العز والتمكين ورضا رب العالمين.
رأيك في الموضوع