"إن العلاقات العربية الصينية تشهد تطورات في مجالات عدة ونسعى لتعزيز البناء... ونلتزم بإيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة والشائكة ونعمل على الحفاظ على السلم والأمان في المنطقة... وندعم منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وإقامة دولة مستقلة على أساس حل الدولتين... لا يمكن استمرار الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني ولا المساومة على الحقوق المشروعة... وقد تزايدت دعوات الدول العربية من أجل تحقيق السلام والعدالة في العالم وهذه القمة الصينية العربية حدث مفصلي في تاريخ علاقتنا"، هذه بعض العبارات التي تحدث بها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال القمة العربية الصينية الأولى التي عقدت في الرياض.
وقد اعتبر البعض هذه القمة بأنها نوع من التمرد على الهيمنة الأمريكية وسياسة القطب الواحد ومحاولة للولوج السياسي الصيني للشرق الأوسط والتأثير في ملفاته ومنها قضية فلسطين التي كان لها نصيب كبير من البيان الختامي والتصريحات خلال القمة، ولكن من ينظر إلى هذه القمة ضمن المعطيات والحقائق السياسية الصحيحة يجد أنها ليس لها وزن سياسي حقيقي يؤهلها للتأثير في الشرق الأوسط أو في حل قضية فلسطين.
فهي إلى الآن عاجزة عن التخلص من العقدة الإقليمية ولم تكن لها تجربة في قيادة العالم ولم تكن دولة أولى في يوم من الأيام وعلاقاتها مع الأنظمة العربية علاقات اقتصادية بحتة وليس لها عملاء أو حلفاء، ولذلك فإن قوة الصين الاقتصادية والبشرية لا تتناسب مع عقليتها وإمكانياتها السياسية ولا تمكنها من لعب دور بارز في المنطقة، وأكثر ما قد تحصل عليه ضمن تلك المعطيات مكاسب وعقود اقتصادية وهذا ما تقوم عليه السياسة الصينية في العقود الأخيرة مع الدول العربية، "حيث ارتفع التبادل التجاري بين الطرفين من 36.7 مليار دولار في 2004 - عند تدشين منتدى التعاون الصيني العربي - إلى 330 مليار دولار في 2021 وفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وبلغت الاستثمارات الصينية في الدول العربية 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021 وهذه الأرقام تجعل من الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية مجتمعة متفوقة على الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي" (وكالة الأناضول 6/12/2022)، وقد تحدث الرئيس الصيني في القمة عن أهمية الاستثمار والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والانضمام له والتعاون التجاري وغيرها من القضايا ذات البعد الاقتصادي.
إن الرئيس الصيني لم يأت للقمة لحل قضايا الشرق الأوسط ومنها قضية فلسطين ولا لإنصاف الشعوب العربية وأهل فلسطين ولا لرفع مستوى المعيشة وتقليل نسبة الفقر ولا لتطوير البنية التحتية، وإنما جاء لعقد اتفاقيات تؤمن مصالح الصين على المدى القريب والبعيد فهو يدرك أهمية الشرق الأوسط المتموضع في قلب العالم القديم، والمتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا، والغني بموارد الطاقة من نفط وغاز والتي لا غنى للتاجر الصيني عنها لتحريك عجلة اقتصاده الضخم والهيمنة على التجارة العالمية، أما الملفات السياسية التي تمسك بها أمريكا فهو يعلم أنه أعجز من أن يحاول التأثير فيها وهو يعلم أن النظام السعودي الذي دعا للقمة هو أحد الأنظمة العميلة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه القمة جاءت بضوء أخضر أمريكي وضمن المسموح به لدول المنطقة مع الصين وليست نوعاً من التمرد على الهيمنة الأمريكية.
والتصريحات الصينية السياسية بخصوص قضايا المنطقة وخاصة قضية فلسطين تظهر أن الصين لا تمتلك رؤية منفردة للمنطقة والقضية، بل هي تروج للمشروع الأمريكي مشروع الدولتين من خلال التأكيد عليه والتمسك به وبالقرارات الدولية ذات الصلة، وذلك رغم أن كل سياسي يرى أن ذلك المشروع أصبح من الماضي وأن ما فرض من وقائع على الأرض جعل من مشروع الدولتين حطام يصعب جمع أجزائه، ولكن طالما أمريكا ما زالت تطالب به فالصين وغيرها سوف يطالبون به وكذلك حكام العرب سيبقون متمسكين بهذا المشروع الخياني طالما أمريكا متمسكة به!
إن قضية فلسطين التي عجزت الولايات المتحدة ومن قبلها بريطانيا على حلها وهما في أوج قوتهما لن تحلها دولة عاجزة عن حل قضية جزء من تاريخها وحاضرها ومستقبلها - قضية تايون - وتسمح للولايات المتحدة أن تتلاعب بها وتبتزها وتقف مكتوفة الأيدي وأمريكا تحيطها بالقواعد العسكرية والتحالفات مع كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا والفلبين والهند... والأساطيل الحربية على تخوم بحر الصين الجنوبي والشرقي، وتقف كالمغشي عليه واليابان التي غَزتها واحتلت أجزاء منها ترفع ميزانية الدفاع إلى 315 مليار دولار لفترة السنوات الخمس القادمة لتصبح صاحبة خامس أكبر إنفاق على الدفاع في العالم، وإن بقيت الصين على هذه الحالة من الخنوع والخوف من المواجهة حرصاً على المصالح الاقتصادية فإنها قد تُضرب في عقر دارها لا أن تحل قضايا غيرها!
إن الجهة الوحيدة القادرة على حل قضايا المسلمين ومنها قضية الشرق الأوسط هي دولة مبدئية تحكم بالإسلام - دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة - تنهي نفوذ الاستعمار وتنظر للمسلمين ومشاكلهم ومآسيهم وللعالم أجمع وقضاياه المتنوعة من وجهة نظر الإسلام، وهذا يوجب على الأمة أن تدرك الواجب المترتب عليها وأنها قادرة على قيادة البشرية وإنقاذها مما هي فيه من ضياع وكفر وضلال إن هي تحركت بوعي وإخلاص خلف قيادة مخلصة وواعية تمتلك المشروع السياسي والرؤية الواضحة، وعلى الجيوش أن تدرك دورها المحوري في نهضة الأمة وأنها هي القادرة على إعطاء النصرة لقيام الدولة وتطبيق الإسلام، وأنها هي فقط القادرة على حل قضية فلسطين بالتحرك العسكري لتحرير الأرض المباركة واقتلاع كيان يهود من جذوره وإنقاذ أهل فلسطين قبل أن يفتك بهم كيان يهود الذي يتربص ويمكر بهم للاستيلاء على ما تبقى من الأرض وتهجيرهم منها.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع