قبل وبعد انطلاق مونديال قطر 2022، ادعى المدعون أن هذا الاجتماع الهائل للمشجعين والسواح من شتى بلاد العالم بما فيها الفرق بلاعبيها وطواقمها الفنية والإدارية، لهو فرصة عظيمة لعرض الإسلام على غير المسلمين منهم.
إن الدولة القطرية صرفت 220 ملياراً من الدولارات في هذا اللهو المنظم، وأوضحت التقارير أن العائد المتوقع هو فقط 9 مليار دولار، فهكذا تهدر أموال الأمة، عندما يبعد الإسلام عن الحكم. ولم تكتف قطر بذلك بل التزمت بمعايير السياحة العالمية، والمعلوم أن الكفار غير ملتزمين بدين بل هم أهل لكل أنواع الفجور. وأين ذلك؟ في بلد إسلامي حكمه الصحابة الكرام ورفعت فيه راية الحق! وكم كان الوضع مخالفا لفطرة الإسلام عندما استاء صبي مسلم في قطر من الوضع قائلا، "اللي يجي هنا يدخل جهنم سبّاحي"، وما كان تعليقه هذا إلا تعبيرا عن إيمان الأمة العميق الذي يمنع الفجور، بل يعمل على نشر الطاعة والتقوى، فلا زنا ولا شذوذ أكرمكم الله ولا تعري ولا خمور ولا اختلاط، ولا غيرها من المنكرات.
هذه الكيفية التي ادعى فيها المدعون بأنها تساعد على نشر الإسلام بسماع غير المسلمين للأذان والقرآن وللدعاة، هو قول هراء، بل هو سلب على فهمهم للإسلام الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، لأن الذي أمرنا به الإسلام والكيفية الصحيحة هو أن نجعلهم يعيشون في كنف الإسلام وعدله وطهره ونقائه حتى يكون العيش طيبا لا خبيثا كما يحدث في قطر، ففكرة أن يكون الفجور إلى جانب الطاعة، والمسجد بجوار الكنيسة، والباطل مجاورا للحق بل مسنودا بالقانون، هي فكرة غربية، فكرة كفر، وليست فكرة إسلامية. بل هي التي يدعو لها الغرب الكافر، وتتبجح بها أنظمة الحكم في بلاد المسلمين من تركيا شمالا ومرورا بلبنان ووصولا إلى قطر وغيرها.
إن إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام فرض غاب عن أمتنا سنين طوالا، وله كيفية شرعية لا يجوز تعديها، فقد قال الله عز وحل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ وقال ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
إن فرضية حمل الإسلام رسالة إلى العالم قام بها رسول الله ﷺ ومعه الصحابة الكرام على سبيل الوجوب. فقد منح الله عز وجل هذه الأمة فضلا عظيما بأن جعلها شاهدة على الأمم، وحتى تقوم بهذه المهمة جعلها الله أمة عدلا خيارا، حتى يتسنى لنا الشهادة على الناس، فالشاهد لا بد أن يكون عدلا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. وكان من خيرية هذه الأمة أن بعض الأنبياء السابقين لم يكن لهم شهود أنهم أبلغوا أقوامهم بدعوة الإسلام فتشهد أمتنا، أمة محمد ﷺ، لهم أنهم بلغوا الرسالة، لأننا جزمنا بالقرآن وبأن الأنبياء أبلغوا رسالات ربهم، وبعد هذه الشهادة تستحق هذه الأمم التي كذبت العذاب والعقاب. وهذا منتهى العدل، فلا بد من بينة لتثبيت العقوبة، يقول سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾. إن الرسول عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم، وبعده فإن مهمة تبليغ الرسالة مستمرة فنحن داخلون في قوله تعالى، ﴿حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ فالامر واجب أن يستمر بعد انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، ولنتفكر في قول ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد جيوش الفرس، عندما سأل من أنتم وما الذي أتى بكم؟، فرد قائلا: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
فنحن أمة مبعوثة من الله عز وجل لنشر الإسلام، فمن استجاب فهو خير له، ومن لم يستجب فهو خزي له ونحن شهود عليه معتمدون من الله عز وجل، ولكن، لقد جعل الشرع القيام بهذه المهمة أمرا منضبطا ودقيقا لا تجوز مخالفته، وذلك أننا مأمورون أن نفتح هذه البلاد وأن نحكم أهلها بعدل الإسلام حتى يروا الإسلام وشعائره وعدله وخيره فيدخل الناس في دين الله أفواجا.
نعم لقد كان رسول الله يحزن لموت الكفار إذا لم يدخلوا في الإسلام، بل قال جل في علاه عن همّ المصطفى عليه السلام في سورة الكهف: ﴿فلعلك باخع نفسك على اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا﴾. يكاد رسولنا عليه الصلاة والسلام أن يقتل نفسه من شدة الهم على الذين لم يؤمنوا، هذه النفسية والعقلية يجب أن تكون نفسيتنا وعقليتنا، فالآن يوجد في العالم 6 مليار كافر يجب أن ندعوهم إلى الإسلام بشكل لافت، ويجب أن تكون قضيتنا في الحياة هذه القضية، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾، ومن الطبيعي أن تقوم الدول المبدئية بنشر مبدئها، فهذا الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون عندما تولى الحكم قال "رسالتي نشر الرأسمالية والديمقراطية في العالم"، وجورج بوش الابن عندما بدأ حرب احتلال أفغانستان، قال "إنهم يريدون تغيير طريقتنا في العيش"، إذن فهم لهم رسالة ولكنها في الباطل، أما عملنا إلى العالم فهو فرض ولكنه غائب!
وسبب الغياب هو أن كل الأنظمة الحالية في بلاد المسلمين ليست قضيتها نشر الإسلام بل نشر الرأسمالية والعلمانية، ولننظر إلى هذا الحدث قبل سنوات عدة؛ مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر عندما قامت المذيعات في القناة بارتداء الزي الشرعي تم فصله من إدارة القناة، وما زالت القناة تنشر العلمانية وتطبع مع كيان يهود وتبث سموم الغرب بإعلامها الزائف من قطر تعطي الطاقة المحركة لكيان يهود لضرب المسلمين، ومن قاعدة السيلية ضربت العراق وغيرها، وهذا ينسحب إلى كل بلاد المسلمين حيث توالي الأنظمة الكافر المستعمر ولا تحمل الإسلام إلى العالم. ومن ذلك ما قاله ملك السعودية الأسبق عبد الله "إن رسالة آل سعود هي تحقيق الرفاه للشعب السعودي"!!
إن هذا الفرض غاب لغياب الدولة التي تطبقه وتحمله، والقاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فهذه الأنظمة ليست رسالتها الإسلام، وإنما الدولة التي رسالتها حمل الإسلام بعد تطبيقه ليست هي دولة أميرية ولا ملكية ولا ديمقراطية جمهورية ولا ديكتاتورية عسكرية، بل دولة هدمها الكافر المستعمر بعد تأسيس الرسول عليه الصلاة والسلام لها مع الصحابة الكرام، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»، وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن تنديلي – ولاية السودان
رأيك في الموضوع