يعلم كل من له عقل ويراقب الأحداث عن كثب، يعلم يقيناً أن أمريكا دولة استعمارية تقاتل وتصارع لتحقيق مصالحها في العالم، ولن تستطيع أي دولة استعمارية تحقيق سياستها بجدارة إلا إذا وجدت من يساعدها من أبناء البلد فيحقق أجندتها ويرعى مصالحها فيكون عميلاً لهذه الدولة أو تلك، خاصة عند تولي سدة الحكم، وأخطر هؤلاء العملاء هم الذين يتسترون بمؤسسات الحكم الرسمية التي تجد التوقير ويعطي الناس لها الولاء والتقدير، مثل الجيوش في بلاد العالم.
لقد دأبت أمريكا في صراعها مع الاستعمار القديم إلى التغلغل في بلاد المسلمين عبر الانقلابات العسكرية وكسب ولاء بعض الجنرالات الذين إما تم تدريبهم في الخارج أو صنعتهم السفارات الأمريكية في البلد المعين عبر الإثراء والإغراء.
تعلم الدول الغربية الاستعمارية أن بلاد المسلمين لن ينفع فيها أن يُترك للناس حق اختيار من يحكمهم أو النظام الذي يحكمون به في حياتهم وإلا لاختاروا الإسلام، فكان لا بد من صناعة حكام فجار قساة طغاة يتحكمون في الناس بصرامة القانون وقوة الجندي فينفذون سياسات الاستعمار بالحديد والنار، فهم يعلمون أن أفكارهم الساقطة عقلاً وشرعاً؛ الديمقراطية العلمانية والحريات المطلقة، تتناقض مع عقيدة أهل البلاد، وأنها قطعاً تتصادم مع أحكام وأفكار الإسلام، فكان لا بد من حاكم يضمن عدم خروج هذه البلاد من صندوق المستعمر ومصيدته، ولن يكون هناك أصلح من حاكم عسكري تُعطى له التعليمات فينفذها ولا يعرف مع شعبه إلا لغة القوة والسلاح فيظن أنه في معركة مع شعبه بدل أن توجه معاركه ضد الأعداء من الدول التي تحتل وتستعمر، وتفسد ولا تصلح!
في السودان نجحت أمريكا في انتزاع الحكم من المدنيين الذين يتبعون بريطانيا صاحبة التاريخ الأسود في السودان من صناعة العملاء وبث الفتن القبلية والعنصرية، وصاحبة فكرة الحواكير الخطيرة، وقانون المناطق المقفولة...إلخ.
أما أمريكا فإن عملاءها من العسكر كانوا أكثر وقاحة وجرأة في تنفيذ مصالحها، حيث أدخل جعفر النميري البلاد في نفق صندوق النقد الدولي، وقام بنقل يهود الفلاشا إلى كيان يهود، وشرعن لموضوع تمزيق السودان عبر اتفاقيات أديس أبابا وما بعدها، أما عمر البشير فقد مزق السودان بالفتن القبلية والعنصرية حتى وصل الحال إلى فصل الجنوب، هذا غير إغراق البلاد في الديون الربوية مع المؤسسات الاستعمارية، مع النفاق بتطبيق الشريعة وتشويه صورتها في نظر الأجيال التي شهدت عهده، مع تدمير التعليم، والتمكين لحيتان المال الذين نهبوا المال العام... إلخ.
أما عبد الفتاح البرهان فقد كان صاحبه جيفري فليتمان المبعوث الأمريكي الذي هندس انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر حيث التقى معه ليلة الانقلاب مرات عدة، مع زيارات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في للبرهان بشكل دائم، وكل ما تمليه عليه يكون هو خطابه بعد اللقاء بها، بل سارت أمريكا لتثبيت حكم البرهان أكثر من ذلك فقد عينت جون غودفري، بعد انقطاع استمر 25 عاما، سفيراً للسودان برغم الفوضى التي تضرب البلاد، وسمحت للبرهان بمخاطبة الأمم المتحدة، وبقتل متظاهرين، وفض الاعتصام...إلخ.
واليوم أصبح السفير الأمريكي كأنه الحاكم الفعلي للبلاد فهو يجوبها طولا وعرضا، يلتقي بمن يريد، من متنفذين معتمدين وولاة، وقيادات مجتمعية، وشيوخ طرق صوفية، وموظفين، ونساء، وأطفال، ومعسكرات لاجئين، ونازحين، يعد ويقرر ويبشر ويهدد، والبرهان يسمع ويرى ذلك، دون أن يتخذ أي موقف باعتباره حاكم البلاد! ولكن أصبح واضحاً للعيان أن ما يقوم به السفير الأمريكي، تعدى مهامه الدبلوماسية التي الأصل فيها ألا تتعدى مباني سفارته، ليتدخل في شؤون الحكم والسياسة!
إن هذا الوضع الذي تعيشه بلادنا هو وضع غير طبيعي، إذ إن الوضع الطبيعي أن يكون لنا عزة وسيادة في أرضنا، ودولة تطبق قناعاتنا نحن المسلمين، وتنظر للأمور بمقياس عقيدتنا، وتمنع الكافر المستعمر من أن يتحكم في حياتنا أو يصنع من أبنائنا عملاء يحققون أهدافه.
إن ما يحدث في السودان اليوم من فوضى سياسية وفراغات أمنية وما شابهها لن توقفها إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فعلى أهل القوة والمنعة من جنرالات الجيش أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يترفعوا عن السقوط في شهوة المال والفرج، ويبحثوا عن مرضاة الله، فيعطوا النصرة للعاملين لإقامة الخلافة لتطبيق الدين وإقامة شرعه وأحكامه، وإنها والله عز الدنيا والآخرة ليكونوا أنصاراً كزعيم الأنصار الكرام سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن عند موته إكراما له ولمواقفه العظيمة في نصرة الإسلام والمسلمين.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع