في 04/07/2022 ألقى رئيس مجلس السيادة، البرهان، خطابا أعلن من خلاله انسحاب المؤسسة العسكرية من المفاوضات السياسية ومنح المدنيين فرصة الحوار تحت مظلة الآلية الثلاثية المشكلة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، وتشكيل حكومة تنفيذية مدنية وحل مجلس السيادة، واستحداث المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدعم السريع.
بهذه الخطوة الماكرة للبرهان العاجز عن تشكيل حكومة مدنية تحت ضغط الشارع يكون قد نقل الكرة إلى ملعب المدنيين المتشظين بين أطراف الصراع الدولي ليشكلوا حكومة مدنية، كما أن البرهان بهذه الخطوة يعيد صياغة الأزمة تضليلا بوصفها صراعاً على من يشكل الحكومة المدنية في حين إن الأزمة هي في حقيقتها صراع دولي على السلطة بين رجال أمريكا في الجيش وبين رجال بريطانيا وأوروبا من المدنيين. الآن وبعد ما يقارب الثلاثة أشهر على خطاب البرهان وبعد أن امتلأت الساحة السياسية بمبادرات شتى عجزت عن إحداث اختراق، وبعد أن بدأت أعمال ترويض الشارع تؤتي ثمارها وفي ظل حالة من التوافق بين القوى الدولية وأدواتها الإقليمية، وعلى خلاف طريقة ولادة الحكومة المدنية الأولى بقيادة حمدوك، حيث كان إعلان الحرية والتغيير ثم الوثيقة الدستورية ثم الحكومة المدنية... الآن يريدون جمع القوى المدنية على مشروع الدستور الانتقالي، يعقبه الإعلان السياسي الذي يشكل الحاضنة السياسية التي تكوّن الحكومة المدنية. لأجل هذا الغرض أطلقت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين ورشة إطار عمل الدستور الانتقالي بتاريخ 8 آب/أغسطس 2022 ولمدة ثلاثة أيام بحضور عدد من الدبلوماسيين المعتمدين، في مقدمتهم رئيس البعثة الأممية في البلاد والقائمة بأعمال السفارة الأمريكية وسفراء دول الترويكا وفرنسا والسعودية والإمارات ومصر. ولم تكتفِ الورشة بوضع إطار لمشروع الدستور بل قدمت بحلول 30 آب/أغسطس 2022 مشروع الدستور الانتقالي الذي أثنت عليه سفارات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد، في بيان مشترك تلقته سودان تربيون، وورد فيه: "إن المبادئ الأساسية الواردة التي تم تحديدها في وثيقة المحامين ستكون حاسمة لتحقيق نظام موثوق وفعال للحكم الانتقالي بقيادة مدنية والذي سيفتح المجال لاستئناف التعاون الدولي". وأشاد البيان بإدراج نقابة المحامين لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، وقال: "نحن نقدر أن هذه المبادرة جادة ومشجعة".
وبالرغم من الدعم الدولي لمشروع الدستور إلا أن قوى كثيرة متناقضة الولاءات تسابقت في إصدار بيانات ترفض فيها هذا المشروع.
نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو كان له موقف مشابه، إذ رحب بالخطوة ليزيد التكهنات بشأن خلافاته مع الجيش السوداني، خاصة وأن الرجل سبق وحالف الجيش في عدم تأييد مبادرة أهل السودان التي رحبت بها القوات المسلحة السودانية.
عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا سارعت لعقد اجتماعات بشأن الوثيقة والإعلان عن رفضها المساس باتفاقية جوبا لا سيما وأن الوثيقة الدستورية المقترحة أشارت إلى مراجعة اتفاق جوبا، وسبق لأحد قادة حركات السلام أن أعلن أن المساس باتفاق جوبا يعني العودة للحرب الأهلية.
ولم تقتصر الخلافات على الحركات والجيش السوداني الذي لديه تحفظات على الوثيقة، فقد انتقلت إلى داخل اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وخرج بعضهم للإعلام ليتبرأ من الوثيقة ويؤكد أن من أعدها اثنان من أعضاء اللجنة التسييرية بتنسيق أممي ومشاركة دولة إقليمية. (المصدر: الراكوبة)
إن الناظر من زاوية سياسية لمشروع الدستور الانتقالي هذا لا شك سوف يلاحظ الآتي:
- إن القوى السياسية التي طبخت المشروع في مطبخ نقابة المحامين ضمت حزب الميرغني الذي كان يوصف بأنه من الفلول، وحزب الأمة والمؤتمر الشعبي؛ وهي الأحزاب صاحبة أكبر عدد من النواب في آخر انتخابات ديمقراطية قبل انقلاب البشير، وهي لا شك محاولة لإضفاء شرعية جماهيرية على الدستور بتثبيت عقارب الساعة واستدعاء الماضي.
- تهافت بعثة اليونيتامس والسفارات الغربية وكيل المدح للدستور لإكسابه شرعية دولية بوصفه أداة الانتقال المدني الديمقراطي.
- جاء مشروع الدستور الانتقالي في 12 باباً و77 مادة متناغماً مع خطاب البرهان في 04/07/2022م، حيث نص المشروع ضمن بنود عديدة، على تشكيل حكومة مدنية ومجلس لشؤون الأمن القومي والدفاع وجعله بقيادة مدنية على غير ما أراد البرهان، لكن هذا المشروع كما قال أصحابه قابل للتعديل.
- أعلنت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، أنها سلمت نسخة من الإعلان الدستوري لرئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس يوم السبت 10/09/2022 بمقر البعثة بالخرطوم.
- مشروع الدستور الانتقالي هو مسودة علمانية تفصل الدين عن الحياة وتسرع مشاريع الكافر في بلادنا حرباً على ما تبقى من أحكام شرعية في التشريعات والقوانين بالتوقيع على سيداو والتطبيع مع كيان يهود ونهب ثروات البلاد واستباحة أرضها وبحرها وجوها!
لكل ما تقدم يبدو أن أهل السودان على أعتاب تسوية أساسها دستور انتقالي يخدم مشروع الكافر المستعمر في بلادنا ويحول بيننا وبين الإسلام... ولكن الله خير الماكرين.
إن الناظر إلى العالم كله وبخاصة أمريكا وأوروبا يرى أن هذه الدول تقوم على دساتير نابعة من عقيدتها السياسية التي هي فصل الدين عن الحياة وبالتالي فصل الدين عن السياسة والدولة، ويريدون أن يجعلوا من هذه العقيدة أساساً لكل دساتير العالم بما فيه العالم الإسلامي، والسودان جزء منه، في الوقت الذي فيه أن هذا الأساس باطل عقلاً وواقعاً وشرعاً، وما يهمنا بوصفنا مسلمين أنه يتناقض مع عقيدتنا الإسلامية، التي تجعل الحياة بما فيها السياسة والدولة أساسها العقيدة الإسلامية، وعليه فإن الفرض والواجب على أهل السودان المسلمين أن يقيموا دستور الدولة على أساس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له.
ولعل الله يجعل بعد عسر يسراً فيسوق إلينا نفراً من أهل القوة والمنعة يوصلون الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم فتقوم خلافة الراشدين الثانية فتقتلع نفوذ الكافرين وتخلص الحياة لرب العالمين فتشرق الأرض بنور ربها.
عضو مجلس الولاية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع