صادق البرلمان الأردني يوم الاثنين 19/9/2022 على قانون حقوق الطفل الذي ينص في مادته الثانية على اعتبار "كل من هو دون الثامنة عشرة من عمره طفلا... وأن الجهات المختصة بكل ما يتعلق بحقوق الطفل هي كل جهة عامة أو أهلية أو خاصة معنية بالطفل أو مكلفة بتقديم خدمات له وفقا للتشريعات النافذة".
لسنا بصدد مناقشة مواد القانون مادة مادة، فما بني على باطل فهو باطل من أساسه بغض النظر عن كل ما جاء في تفاصيل المواد. فالمادة الثانية في القانون والتي تعتبر الأساس له حقيقة حيث إن المادة الأولى تتعلق بتسمية القانون فقط ولا علاقة لها به من حيث المبنى أو المعنى. أما المادة الثانية فهي التي قررت مبنى القانون ومستنده والجهات التي تعتبر مرجعا له. ولم يتحرج المشرع أن ينص صراحة وتفصيليا على كل المراجع الرسمية والمعتبرة لهذا القانون والتي لها علاقة مباشرة في كل ما يتعلق بحقوق الطفل وحددها بأنها "كل جهة عامة أو أهلية أو خاصة معنية بالطفل، أو مكلفة بتقديم خدمات للطفل وفق التشريعات القائمة". ولم يخجل القانون مطلقا وبالتالي من صادق عليه أن يستثني وبكل جرأة أية إشارة إلى المصدر الأساسي للتشريع فيما يتعلق بحياة المسلمين وهو وحي الله عز وجل والذي جاء مثبتا في القرآن الكريم والسنة الشريفة. ولم يأت على ذكر هذا الأساس الرئيس والوحيد الذي يحكم حياة الفرد والعلاقات بينه وبين غيره سواء أكان طفلا أو رجلا أو امرأة.
ولست بصدد تبيان حقوق الطفل في الشرع الإسلامي فهي أشهر من أن تُعرَّف وأبين من أن تكون محل جدال أو نقاش... ولكن الموضوع هو إسناد حياة الطفل وما يتعلق به إلى شراذم في الأرض تسعى فسادا، بل وعملت كل ما بوسعها على تحطيم حياة شعوب بأكملها؛ شيوخا وأطفالا، نساء وذكورا... وسماها القانون بكل صلافة "المرجعيات الخاصة والعامة والأهلية" دون تحديد ماهيتها وهويتها ومرجعيتها، وإن كنا نعلم حقيقتها تمام العلم. فهذه الجمعيات والمرجعيات التي اعتمدها القانون والتي عملت في بلادها أصلا لم تُبق ستراً على طفل أو امرأة أو رجل إلا هتكته. فأمريكا نفسها التي تصدر القانون وتفرضه على عملائها وأشياعها وعبيدها أنتجت خلال العام المنصرم اعتداء جنسيا وخلقيا وجسديا على 15% من أطفالهم، وقدرت الكلفة الناتجة عن الاعتداءات الوحشية بما يزيد على 590 مليار دولار في سنة واحدة! وأشارت الإحصائيات عندهم أنه في كل 10 ثوان يتعرض طفل لديهم للتحرش والاضطهاد والإهمال والإساءة.
كما دلت الإحصائيات في أمريكا المصدر للقوانين التي تتلقاها دول العالم والتي صادق عليها مجلس النواب، دلت على أن 65% من الذين يتلقون علاجا أو عقوبة جراء التعامل مع المخدرات هم من الأطفال. وأن 14% من الرجال و35% من النساء الذين يقضون في سجون (أمّ الحريات الليبرالية!) كانوا قد تعرضوا للاضطهاد والتحرش والإهمال في طفولتهم.
إن المنظمات العامة والخاصة والأهلية والتي لم يحدد القانون جنسيتها هي في الأصل منظمات وجمعيات عملت بكل أنواع الظلم والاضطهاد الناشئ عن ظلم القوانين والأفكار التي يستندون إليها، على تحطيم ملايين الأطفال وتشريدهم وبيعهم في أسواق النخاسة للجنس والدعارة. ودلت الإحصائيات على أن 88% من الأطفال الذين أصبحوا ضحية التشريد في أمريكا وأوروبا المصدرين لنا القوانين والتشريعات البائسة، هم من الأطفال الذين تمكنوا من الفرار من دور الرعاية التي اختطفت الأطفال من أهاليهم وانتهى المطاف بهم إلى الشارع، لا هم عند أهلهم وذويهم ليتحملوا مسؤوليتهم، ولا هم في دور الرعاية التي مهدت لهم الطريق للخروج إلى تجار الجنس والاضطهاد والتي تقدر تجارتهم بأكثر من 150 مليار دولار في السنة الواحدة!
فماذا تنتظرون من قوانين وتشريعات شردت عشرات الملايين وقتلت الملايين من الأطفال وجعلتهم سلعة رخيصة لتجارة المخدرات؟! لا بيّض الله وجوه من أقر مثل هذه القوانين، كيف تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! كيف تتجرؤون على الارتماء في حكم الجاهلية وجعل حكم الرحمن الرحيم وراء ظهوركم، أفحكم الجاهلية تبغون؟! ومن أحسن حكما من الله أيها الموقعون على أحكام الجور؟! هذا هو محل الحديث وهذا هو مربط الفرس، من هو أحكم وأعدل من الله عز وجل؟!
إن القضية ليست تفصيل القانون ونقاش مواده مادة مادة وتعديل كلمة هنا وأخرى هناك فهذا عمل مشين بحد ذاته أن تتطلع أو تبحث عن قانون في أي تشريع من عند غير الله. أولم تقرؤوا كتاب الله أو تسمعوه في الجنازات التي تحضرون، والمناسبات التي تضطرون بها لسماع آيات الله؟! ألم تسمعوا قول الحق المبين في آي الذكر الحكيم الذي تؤمنون به (أو على الأقل ما تدعون)، قوله تعالى: ﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّٰاغُوتِ وَقَد أُمِرُواْ أَن يَكفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلَالَا بَعِيدا * وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَواْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾؟! أولم يأتكم بعض غضب الرحمن على من يتولى عن حكمه وشرعه ويلجأ إلى حكم الطاغوت، في نفحة ربانية عسى أن يثوب إلى رشده من يشرع ويحكم ويوافق ويقبل بأي قانون من عند غير الله؟! ماذا تفعلون بقوله تعالى حين يطرق مسامعكم ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِم حَرَجا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾؟ لا نبغي منكم إجابة على ذلك، ولا اعتذار، ولا تفسير ولا شرح، ولا تأويل، ولا فتوى، ولا أي خزعبلة من ذلك، فلسنا نحن الذين نحاسبكم أو نطلع على أفئدتكم، وتبريراتكم، ومصالحكم، ومصالح أسيادكم، بل الله عز وجل هو الذي يسألكم وسوف يحاسبكم على ما أفضيتم إليه.
أما نحن فلدينا سؤال واحد لكم: هل كل المليارات التي تَعِدُ بها أمريكا دولتكم ستنقذكم من حساب الله الشديد؟! أو حتى ستنقذ أبناءكم وبناتكم من شر مستطير يحيق بكم وبهم؟! هل نفعتكم أموال القروض والهبات والرشاوى أو قدمت أي خير لبلادكم ولأبنائكم وبناتكم؟! ألا ترون أن كل ما تتشدقون به من إعمار وبنية تحتوية أصبحت كلها سفلية - التعليم والصحة والغذاء والعيش الكريم - كله يتبخر ويضمحل أمام أعين الجميع، أفلا تبصرون، أفلا تعقلون؟!
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
رأيك في الموضوع