قامت صحيفة الغارديان البريطانية، الأربعاء ٢٧/٤/٢٠٢٢م، بنشر فيديو مروع يذكرنا بقصة أصحاب الأخدود، يظهر فيه أمجد يوسف، التابع للفرع 227 من جهاز المخابرات العسكرية، وهو يقوم بدم بارد بقتل جماعي لمدنيين عزل، مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، بعد إجبارهم على السير نحو حفرة الإعدام، وإطلاق الرصاص عليهم، ومن ثم وضعهم في مقبرة جماعية وإحراق جثثهم. وذلك في حي التضامن جنوب دمشق.
وقالت الصحيفة إنه "عندما انتهت عمليات القتل، لقي ما لا يقل عن 41 رجلاً مصرعهم في المقبرة الجماعية بالتضامن، وسكب قَتَلَتُهُم الوقودَ على رفاتهم وأشعلوا النار ضاحكين وهم يتسترون على جريمة حرب".
فيما أكد الناطق باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن الفيديو الذي يوثق لمذبحة عام 2013 في حي التضامن السوري، يشير إلى "أدلة إضافية لجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد".
وقالت وزارة الخارجية، إنها "تواصل دعم العمل الحيوي لمنظمات المجتمع المدني السورية لتوثيق انتهاكات قانون النزاع المسلح، وكذلك انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وجهودها للنهوض بالعدالة الانتقالية".
وجدد البيان التزام "حكومة الولايات المتحدة بضمان المساءلة عن الفظائع التي يواصل نظام الأسد ارتكابها ضد السوريين".
فيما قال بلينكن: "نواصل جهودنا لمحاسبة الكرملين بسبب حمايته نظام الأسد من المساءلة عن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا".
وبغض النظر عن الجهة التي قامت بتسريب فيديو مجزرة حي التضامن والتحليلات المختلفة حول غاية هذا التسريب وفي هذا الوقت بالذات، والتي ذهب قسم منها إلى أن النظام نفسه هو وراء هذا التسريب لكسر إرادة الثائرين، وقسم آخر أشار إلى إمكانية أن يكون التسريب تشويشاً بريطانياً على جهود أمريكا لتعويم نظام عميلها أسد ودعوتها لأنظمة الضرار للتطبيع معه، فيما ذهب فريق ثالث أن القصد من هذه التسريبات هو تضييق الخناق على روسيا بصفتها أحد أبرز الداعمين لنظام أسد.
إلا أن ما يهمنا هو الحقائق السياسية والميدانية الصارخة التي لا تغطيها غرابيل الظالمين:
حيث إن مجزرة حي التضامن ما هي إلا واحدة من مئات بل آلاف المجازر المروعة التي دأب نظام الإجرام على ارتكابها على مدار أحد عشر عاماً، ولا يزال، بضوء أخضر أمريكي وغطاء أممي، تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي برمته، بل بمباركته ومشاركته، للانتقام من أهل الشام وكسر إرادتهم وإعادتهم صاغرين إلى حظيرة الطغيان، عقوبةً لهم على ثورتهم ضد نظام الكفر والعمالة ورأس حربة الكفار المستعمرين في ديارنا، ورسالة تأديب لغيرهم من شعوب الأمة كي لا يثوروا كما ثار أهل الشام وحطموا بثباتهم وإيمانهم أسطورةَ الطغيان الذي لا يقهر.
مجتمعٌ دوليٌّ منافق شريكٌ في الإجرام، يبحث (خداعاً) عن قرائن لإجرام النظام الأسدي، لكن أهدافه ودوافعه واضحة مفضوحة. فهو يرى هذه الجرائم التي ملأت أخبارها الآفاق، ويرى ما هو أفظع بكثير من مجزرة حي التضامن، وفي كل المدن السورية، إلا أنه لا زال يبحث عن الجاني الذي يحميه ويخبئه ويحصنه من أي عقاب بعد أن يمده بالمهل الدموية وأسباب الحياة! بل ويعتبره عضواً شرعياً في الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. وها هو بسام الصباغ، المندوب الدائم لنظام البراميل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يتحدث قبل مدة، بخيلاء وصلف، أن أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، قد طلب منه أن يبلغ الطاغية أسد تحياته الحارة.
فدماء المسلمين لا قيمة لها في أعين الغرب والدول المتآمرة والمنظمات الأممية التي تذرف علينا دموع التماسيح، فالمجازر لا تزال مستمرة ومشاهد القتل اليومي كذلك، والمعتقلون الذين تغص بهم سجون الطاغية، وعددهم مئات الآلاف، يعيشون الموت كل يوم وكل ساعة، يقاسون فيها ألوان العذاب التي هي أصعب وأشد من الموت نفسه.
وها هي أمريكا تدغدغ النظام في شهر المحاسبة المزعوم في آذار، كدغدغة ترامب قبل سنوات لمطار الشعيرات عبر بضعة صواريخ من فصيلة الألعاب النارية، وتزعم تشجيع من يحصي جرائم النظام ومجازره وكأنها ليست مكشوفة، وتلوك تصريحات استهلاكية ممجوجة قذرة عن معاقبة الأسد ومحيطه، كدعاية خادعة لتحسين صورة وجه أمريكا القبيح، والتغطية على مشاركتها ورعايتها وحمايتها المفضوحة لنظام عميلها في الشام، في الوقت الذي تصرح فيه تصريحات تبين حقيقة موقفها ودعمها لنظام عميلها المدلل وسعيها لتعويمه ودفع الأذناب للتطبيع معه. فرغم كل هذه الجرائم والمجازر والمقابر الجماعية، لا تزال تصريحات الساسة الأمريكان تتحدث عن أن "أمريكا لا تريد إسقاط النظام ولا تغيير بشار، إنما فقط تغيير في سلوكه"! فهل يريدون تعديل سلوكه ليصبح أكثر دموية لأن المجازر السابقة لم تكن كافية لكسر إرادة الثائرين وعزمهم على مواصلة ثورتهم حتى إسقاط النظام؟! أم يريدون تعديل سلوكه بأن يُقدّر الإحراج الذي يصيب أمريكا، وخاصة مع افتضاح ازدواجية تعاملها مع الملفين السوري والأوكراني، فيعمل على تحاشي استخدام الكيماوي ويستخدم كل ما هو مفضل دولياً بعد أن لم تبق هناك أسلحة محرمة ما دام الدم المسفوك لمسلمين؟!
كما أن هذه المجزرة وأخواتها هي صفعة كبيرة في وجه من يستجدون الحلول الدولية والقرارات الأممية، فهذه المجازر ما ارتُكبت، إلا بمباركة دولية وتعتيم على مرتكبيها، لأنها تنكيل بالمسلمين الذين خرجوا في ثورتهم ضد طاغية وراءه المنظومة الدولية برمتها.
وهي أيضاً صفعة في وجه المهادنين والمفاوضين واللاهثين بذلّة للتطبيع مع قاتل أبنائنا وهادم بيوتنا ومُشرّد أهلنا ومنتهك أعراضنا وممزق أطفالنا أشلاء.
وهي وصمةُ عارٍ على جبين من يروّجون بخبث للحل السياسي الأمريكي والقرار الأممي ٢٢٥٤، اللذين يثبتان أركان نظام القتل والإجرام، واللذين هما بمثابة تهيئة لظروف استنساخ آلاف التجارب المستقبلية من مجزرة حي التضامن، فيما لو أعاد نظام الإجرام سيطرته وترتيب أوراقه من جديد.
وإن من يرضون بمهادنة هذا النظام ومصالحته ممن يدعي أنه من أبناء الثورة، وخاصة أولئك المرتبطون بمخابرات الدول الداعمة، هم في الحقيقة أكثر إجراماً من أعدائها.
مع التأكيد أن هذه المجزرة ليست جريمة أفراد يمتهنون الإجرام فحسب، بل هي عملية إجرام ممنهج من نظام قمعي متكامل، حاقدٍ على الإسلام وعلى أهل الشام، ومن ورائه رأس الكفر أمريكا، وبمشاركة دولية وتغطية أممية، ويعينهم على ذلك أنظمة وظيفية تقاسمت دور الأعداء أو تسمّت خداعاً ومكراً "بالأصدقاء".
أما قادة المنظومة الفصائلية فقد أسكرتهم أموال الداعمين المسمومة القذرة، فباتوا حراساً لمناطق سيطرة نظام الإجرام، وسيفاً مسلطاً على رقاب أبناء الأمة المعطاءة التي جادت بأكثر من مليون شهيد، ولم تعد هذه المجازر ولا دماء الشهداء التي أريقت ولا استغاثات المعتقلين والمعتقلات تحرك فيهم ذرةً من نخوة أو كرامة، فقد باعوها بثمن زهيد بخس.
وختاماً، فإننا على يقين بأن المجرمين لن يطفئوا نور الله، وأن دماء أبنائنا لن تضيع سدى، وأن الله سيشفي صدورنا في الدنيا قبل الآخرة. ولئن كان هناك خونة ومتاجرون، ومهادنون أذلاء، ولاهثون للتصالح مع نظام الكفر والقهر والجور، استجابة لتآمر أسيادهم، فإن في الأمة رجالاً لا يرضون الدنية في دينهم، يأبون الخضوع إلا لأوامر ربهم، يعاهدون الله على إكمال مسيرة ثورتهم وتتويج تضحياتهم بإسقاط نظام الإجرام، بكافة أركانه ورموزه ومؤسسات إجرامه ودستوره العلماني؛ ليقيموا حكم الإسلام على أنقاضه، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع