لقد ناح وناح المرشحون الخاسرون في طول بريطانيا وعرضها بعد ظهور نتيجة الانتخابات يوم 7 أيار/مايو. وبعد انتهائهم من النواح، قاموا بالنواح من جديد في الوقت الذي استقال فيه ثلاثة رؤساء لثلاثة أحزاب سياسية كبرى بصورة مخزية.
زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي نيك كليغ وصف نتيجة الانتخابات بأنها "ساحقة وقاسية أكثر مما كنت أخشاه"، وبعيون حمراء أعلن استقالته. زعيم حزب العمال إيد مليباند كان ثاني أكبر الخاسرين وبدا مرهقا عندما قال لأتباعه "أنا أتحمل المسؤولية الكاملة عن نتيجة خسارتنا في هذه الانتخابات وأعتذر لجميع زملائي الذين خسروا مقاعدهم". كان هذا الرأس الثاني الذي وقع. لقد أكملت استقالة زعيم حزب الاستقلال البريطاني نايجل فرج المثلث.
بالرغم من النتيجة الصعبة لهذه الانتخابات، فلقد شارك فيها 66% من مجموع الناخبين البالغ عددهم 46 مليوناً، وقد حصل الحزب الفائز على 11 مليون صوت فقط. لقد حصل حزب المحافظين بقيادة ديفيد كامرون على مقاعد كافية في البرلمان ولكن بأكثرية حاسمة. الفائز الآخر كان الحزب الوطني الأسكتلندي الذي فاز بـ 56 مقعداً من أصل 59 مقعداً في اسكتلندا، والتي عانى فيها العمال من هزيمة كبرى بما فيها هزيمة وزير الخارجية السابق في حكومة الظل لحزب العمال، الذي خسر مقعده لطالبة جامعية تبلغ الـ20 من عمرها وتدعى ماهيري بلاك، والتي يتوجب عليها تقديم امتحاناتها قبل استلام مكتبها لتصبح أصغر عضو برلمان منذ 1667!!.
لقد سيطر على هذه الانتخابات الخوف من الوضع الاقتصادي بالإضافة إلى السيادة البريطانية. أما بالنسبة للاقتصاد، فما زالت بريطانيا تعاني من تبعات عام 2008، وبفوز المحافظين يمكنهم اتخاذ سياسات اقتصادية تقشفية كانوا قد وعدوا باتخاذها في انتخابات 2010. هناك موضوعان بالنسبة للسيادة الوطنية لبريطانيا؛ الأول هو اسكتلندا والتي صوتت بشكل ضيق للبقاء جزءًا من بريطانيا في استفتاء العام الماضي. والأمر الثاني هو موضوع الاتحاد الأوروبي. لقد وعد المحافظون بإجراء استفتاء قبل نهاية 2017 لإقرار مسألة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه.
ما هو حجم التغيير الذي يمكن أن يحدث؟ هل الاستفتاء الموعود حول الاتحاد الأوروبي يمكن أن يخرج بنتيجة تكون ضد مصالح الشركات البريطانية المالية والصناعية؟ هل المسائل الاقتصادية الداخلية مثل تغيير قانون الضرائب والمصاريف العامة، سوف تأخذ الأموال من الأغنياء وتضعها في أيدي الفقراء المعدمين؟ الجواب هو لا في كل مرة.
تُخسر الانتخابات وتُربح من قِبل أحزاب ممولة جيدًا والتي تتلقى مساعدات ضخمة لحملاتهم الإعلامية المكلفة. حزب المحافظين على سبيل المثال، تلقى تبرعه الأكبر من متبرع واحد وهو المليونير ديفيد رولاند، بقيمة 1،28 مليون جنيه إسترليني، وِأيضا مايكل فارمر مؤسس شركة كابتيل مانجمنت تبرع بمبلغ 2،2 مليون جنيه إسترليني منذ انتخابات 2010. هذه الأموال الضخمة تعطى لجميع الأحزاب الكبرى وفي المقابل هناك شيء متوقع من الحزب الفائز!! العلاقة القريبة بين الرأسماليين والسياسيين في بريطانيا هي باتجاهين. كشفت دراسة عام 2012 أن 46% من أكبر 50 شركة في بريطانيا كان مدراؤها أو أصحاب أسهم فيها أعضاءً في البرلمان البريطاني. هذا بالإضافة إلى العديد من المستشارين الذين يتقاضون مبالغ طائلة ويعملون مع وزراء وأعضاء في البرلمان من أجل ضمان وصول هذه الشركات لمراكز القوة وبشكل يومي، الأمر الذي لا يتأتى للناخب العادي، والذي لا يتعدى دوره سوى انتخاب الوجوه التي تقدمها لهم الأحزاب الممولة من الرأسماليين. ومن أجل ضمان قيام العوام بالقرارات الصحيحة، كان الإعلام أداة أخرى في أيدي الأغنياء. صحيفة بريطانية واحدة وهي The SUNعلى سبيل المثال أعلنت على صفحتها الأولى عنواناً بعد إعلان نتائج انتخابات سابقة "لقد كانت ال SUN سبب الفوز".
أين هي الإرادة الحرة للناس إذا كان الفوز يُعطى من قِبل الصحف وأصحاب الشركات؟ حتى الخاسرون يقومون بتزييف الحقيقة بطريقة رقيقة: قال زعيم حزب العمال "أنا أتحمل المسؤولية الكاملة والمطلقة" وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي قال "يجب عليّ أن أتحمل المسؤولية". من هنا فإن الديمقراطية هي لعبة أموال ومهارات، يكون فيها الناخبون أحجاراً صغيرة على لوحة شطرنج. فلا عجب إذن أن نرى أنّ القليل من الناخبين قد أدلوا بأصواتهم!!.
رأيك في الموضوع