لقد أدرك أهل الشام أن الدعم الذي قدم لثورتهم كان سمّاً دس في الدسم، وكان رشوة للقادة السياسيين ولقادة الفصائل للتخلي عن الهدف الذي قامت لأجله ثورة الشام ألا وهو إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام، فحولوا المعارك إلى استنزاف للمجاهدين ثم انسحابات وتسليم للمناطق وتجميد للجبهات، حتى إنهم لم يعودوا يردّون على الاعتداءات. كل ذلك تنفيذاً لمخرجات أستانة وسوتشي التي فيها توزع الأدوار وتراعى مصالح الدول، بينما يضيّق على الناس في معايشهم ويلاحق المجاهدون والمهاجرون وكل الرافضين لهذه التسويات.
كما أن التشكيلات السياسية من ائتلاف وهيئة تفاوض ولجنة دستور يسعى أعضاؤها إلى تحقيق مكاسب مالية خاصة ومناصب سياسية وإدارية مقابل تحقيق أجندات ومصالح أمريكا وأعوانها للقضاء على ثورة الشام على حساب دماء ومآسي المسلمين.
ورغم وضوح الرؤية عند الجميع، لا زال المنتفعون من مأساة أهل الشام يُصرّون على المسار الدولي ويروّجون للحل السياسي الأمريكي الإجرامي، ويشترون له المطبلين والمرقعين. وهؤلاء متاجرون بدماء وتضحيات أهل الشام. فهناك من يرى أن الحل بيد أمريكا، وأن السير في ركابها وتحقيق مصالحها يتقاطع مع مصالح أهل الشام، وأنها هي الأقدر على تخليصهم من براثن عميلها بشار، بل ويقبلون بحل وسط مع هذا المجرم السفاح حسب ما تلوح لهم به سيدتهم أمريكا، ويقدمون أوراق اعتمادهم عبر المبعوثين الدوليين أو الأمريكيين، متجاهلين أن نظام سفاح دمشق ما هو إلا عميل لأمريكا وهي التي تعمل على حمايته من السقوط وتحاول إعادة الشرعية له.
وهناك من يرى أن الإقرار بمصالح روسيا في الشام قد يرضي غرورها فتوقف قصفها وتدفع المجرم بشار باتجاه حلحلة الأمور للوصول إلى الحل السياسي المذل.
وهناك فريق آخر مع رؤيته لما سبق يرى أن من حق تركيا تحقيق مصالحها وأمنها القومي على حساب دماء ومآسي أهل الشام، وأن ما قامت به من استغلال حاجة بعض الشبان إلى المال وتشغيلهم مرتزقة في ليبيا وأذربيجان وتحويل صراعهم مع النظام إلى صراع مع الأكراد أمر لا غضاضة فيه وكأننا أدوات في بازار الصراع على المصالح الدولية!
كما أن هناك من يربط الصراع في أوكرانيا بالصراع في سوريا ويأمل خيرا من نتائج هذا الصراع بأن تضغط أمريكا على روسيا في سوريا، مستغلة الوضع في أوكرانيا، متناسين أن دخول روسيا إلى سوريا كان لمصلحة أمريكا وبضوء أخضر منها للحفاظ على نظام عميلها بشار أسد.
وهناك من يراهن على بعض الدول الإقليمية وتجاذباتها فجعل من نفسه حصان طروادة لهذه الدولة أو تلك، كما هي الحال مع منصات كل من القاهرة والرياض من جهة وأنقرة من جهة أخرى. وكذلك ندوة رياض حجاب في الدوحة وما رافقها من تجاذبات.
هذه العقليات التي تربط نجاح الثورة ومصيرها بالدول المتآمرة تسوق الثورة إلى مصير مظلم من الاستعباد لقوى الكفر والتبعية لقوى الطغيان من أجل مصالح ضيقة لبعض الأشخاص الذين يبيعون الثورة والتضحيات العظيمة التي قدمها أهل الشام ليحققوا مصالح الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا وحلها السياسي المسموم.
ونقول لأهلنا في الشام بأن ربط الثورة بمصالح الدول - وكلها عدوة لله ولدينه وللمسلمين - هو خيانة للدماء والتضحيات، وانتحار سياسي، وسقوط أخلاقي ما بعده سقوط، وهذا ما حذرنا منه مراراً وتكراراً عند كل محطة أو مؤتمر أو استحقاق أو مناسبة من مناسبات الثورة.
ونقول لأهلنا أيضاً بأنه لن ينقذكم من هذه الحمأة الوبيئة والارتكاسة الدنيئة إلا الاستماع لصوت الصادقين من أبناء هذه الأمة، الذين لم يتاجروا بدمائكم ولم يأخذوا دعماً من دول المصالح أو أحد من غيرها ولم يرتبطوا بالخارج، إنما كان ارتباطهم بالله رب العالمين حيث قدموا لكم مشروع الإسلام العظيم، الخلافة على منهاج النبوة وثبتوا عليه رغم التضحيات ولم يبدلوا تبديلاً.
إن الصراع في العالم اليوم هو بين مشروعين لا ثالث لهما؛ مشروع الإسلام العظيم ومشروع العلمانية الرأسمالية المتوحشة بقيادة أمريكا، فلا تعطوها قيادتكم ولا تنساقوا خلف مشاريعها الإجرامية القذرة. وإنه لا خلاص لكم إلا أن تجعلوا من أنفسكم عبيداً لله وحده وتنبذوا كل ما خالفه وعاداه ممن يريد استعبادكم.
إن دول العالم اليوم تصارع الإسلام وتتحد ضده، ولكنها تتصارع على المصالح فيما بينها، وتعمل على جعل أبناء المسلمين وبلادهم أدوات وساحات لصراعهم، فيهلك من يهلك في هذا الصراع، ويسقط من يسقط من الطائرات عندما يرحل العدو مرغماً عن بلاد المسلمين، كما سقط عملاء أمريكا في أفغانستان، عدا عن السقوط المدوّي المهين يوم الموقف العظيم يوم القيامة.
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود
رأيك في الموضوع