جاء في موسوعة ويكيبيديا: (الجسم الغريب، ويقصد به أي جسم دخيل غير مرغوب فيه، أو هو أي شيء يأتي من خارج الجسم). وقد أجمع الناس العقلاء والعلماء على ضرورة طرد الأجسام الغريبة من الجسد، فإذا دخل العينَ شيءٌ من الغبار أو الشظايا فإن الأطباء يسارعون إلى إزالته، وإذا بلع طفلٌ قطعة نقدية أو ما شاكل ذلك فإنه ينقل فورا إلى قسم الطوارئ لإخراجه ومعالجة آثاره، وإذا انزلق دبوس حجاب في حلق امرأة، أو اخترقت رصاصةٌ جسم إنسان، فإن حالة الاستنفار القصوى تسيطر على المشهد حتى يتم إخراجها، وإزالة الآثار السلبية التي سببتها. حتى الاجتماعات ذات الدعوات المحددة فإنها تَعتبر غيرَ المدعوين متطفلين وأجساما غريبة، وهكذا دواليك. ولم يثبت أن جسما غريبا قد دخل إلى جسد سليم أو مريض وكانت فيه فائدة لذلك الجسم، اللهم إلا أن يكون دواءً مجربا أو تطعيما معتمدا بعد دراسات طبية مستفيضة.
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. قال قتادة: (هم المنافقون تولوا اليهود ما هم منكم ولا منهم يقول: ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين بل هم مذبذبون بين ذلك، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم). قال السدي ومقاتل: (نزلت في عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل المنافقيْن؛ كان أحدهما يجالس النبي ﷺ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا النبي ﷺ في حجرة من حجراته إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية - فقال عليه الصلاة والسلام: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك. فقال له النبي ﷺ: فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت هذه الآية).
وهذا يدل على أن جسد الأمة الإسلامية نقي طاهر، ونظيف متجانس، لا يقبل أي جسم غريب، وإذا حصلت ظروف قاهرة، ودخل أي جسم غريب إلى جسدها النقي الطاهر، والنظيف المتجانس، فإنها تهب إلى إخراجه وطرده وإتلافه. فالمنافقون جسم غريب في جسد الأمة الإسلامية، وخطرهم عليها كبير، ولذلك نبهنا الله إلى خطرهم في غير موضع من القرآن الكريم، وبشرهم بالعذاب الأليم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾. وحذرنا من مرافقتهم، قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.
ومعلوم أن جسد الأمة معرض لدخول الأجسام الغريبة إليه من الأعداء المتربصين، وقد ثبت بالوجه الشرعي والدليل القطعي أن من أخطر الأجسام الغريبة التي دخلت في هذا الجسد خلال القرن الماضي هم الحكام الأشرار، وذلك بعد هدم الخلافة العثمانية في ظروف سياسية معتمة، وأحوال اقتصادية متردية، وأجواء دولية ضاغطة، نتج عنها تمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات ضرار وطنية، ونصب الكفار المستعمرون على رأس كل مزقة منها حاكما غيرَ مبايع من أهل الحل والعقد فيها، ولا يحكمها بما أنزل الله، فكانوا هم وزمرهم كالأجسام الغريبة في جسد الأمة الإسلامية، تفتك بها وتؤلمها وتؤرقها.
وقد أوجب الإسلام بقاء العقيدة والشريعة والأمة والدولة نقية دون أي شوائب، وألزمنا أن لا تثبت فيها قدم لمنافق، وأن تكون الدولة قائمة على الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي بعلة شرعية، لا يدخل إليها شيء من الرأسمالية أو الاشتراكية أو الوطنية أو القومية، وأن يكون دستورها وقوانينها إسلامية بحتة لا تقبل أن يدخل إليها قانون ليس من جنسها، وأن يكون اقتصادها مبنيا على أحكام شرعية تنظم كسب المال والتصرف فيه دون الشوائب الربوية أو غير ذلك من مبتدعات الاقتصاد الرأسمالي وغيره، وأن تكون حياتها الاجتماعية طاهرة لا يعكر صفوها اختلاط ولا مجون ولا انحراف ولا تسيب، أعراضها مصانة، وأنسابها محفوظة، وجرائمها الأخلاقية لا تكاد تذكر، وهكذا يجب أن تكون في سياستها ورعايتها وطعامها وشرابها، وجميع مناحي حياتها، وفي قيمها ومساجدها ومقدساتها، ونخص بالذكر مسجدها الأقصى في بيت المقدس، والذي يتعرض للتهويد والتقسيم الزماني والمكاني، كما فُعل بالمسجد الإبراهيمي في الخليل. ففي سابقة قضائية، وللمرة الأولى منذ احتلال المسجد الأقصى المبارك أصدرت محكمة تابعة لكيان يهود قرارا يسمح لليهود بأداء صلوات صامتة فيه، ما يشكل عدوانا صارخا على المسجد الأقصى، وإعلانا واضحا لحرب تتجاوز المماحكات السياسية الفارغة، والوصاية الشكلية الهشة، إلى عدوان على الدين والمقدسات، وتفتح الطريق أمام الأجسام الغريبة من قطعان المستوطنين والمتطفلين المطبعين لمزيد من الاقتحامات والتدنيسات لهذا المكان الطاهر والمقدس.
فيا جيوش المسلمين: إن صرخات المسجد الأقصى تتعالى وتتصاعد، فإذا لامست أسماعكم وحركت نخوتكم فهبوا لنجدته، وشدوا الرحال إليه فاتحين ومحررين، وكونوا كعمر والمعتصم وصلاح الدين، حرروه من قيوده، ولا تكتفوا بالزيت يسرج في قناديله!
لقد أصاب أمتنا ما أصابها من العنت والجور والنقص في كل ما هو نافع، وطفحت على جلدها آثار الأجسام الغريبة التي شوهت جمالها، ونخرت عظامها، وهزت كيانها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، وقد آن الأوان أن نحدد من هم منا ومن هم ليسوا منا، وأن نقرر من هو صاحب البيت ومن هو الغريب، وأن نسد الثغرات التي تسللت منها الشوائب والأجسام الغريبة إلى جسد أمتنا فأمرضته، وجعلته كالرميم. وأخطر هذه الأجسام الغريبة هم الحكام الأشرار الذين أوقفوا نمو أمتنا وجعلوها في ذيل الأمم، وفتحوا المجال لدخول كل جسم غريب إلى جسدها، فشوهتها حتى لا يكاد المرء يعرفها.
فلنبادر إلى العمل الجاد المفضي إلى إزالة هذه الأجسام الغريبة، حتى يتعافى جسد الأمة الإسلامية ويعود إلى سابق عهده أيام الخلافة الراشدة الأولى وما بعدها من عهود الخير والجهاد والفتوحات وطاعة الله ورسوله، والتي لا يكون فيها الحاكم جسما غريبا عن الأمة، كونه مبايعا على السمع والطاعة للحكم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ، وذلك بالعمل مع العاملين الجادين لإقامة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، الموعودة من الله عز وجل، والمبشَّر بها من رسوله ﷺ، ففيها عز الدنيا والآخرة.
بقلم: الشيخ عصام عميرة – بيت المقدس
رأيك في الموضوع