ما زالت ثورة الشام تتلقى الضربات العنيفة من (الصديق) قبل العدو، وما زال النظام السوري المجرم ربيب أمريكا يتفنن في إجرامه بحق شعب أبيّ خرج يطلب العزة والكرامة، وما زالت روسيا تقصف المناطق المحررة وترتكب المجازر بحق من شردتهم من أهل الشام، وما زالت إيران الطائفية تمارس حقدها وكراهيتها على شعب مسلم مسالم شهد له القاصي والداني بطيبته، فجاءت بمليشياتها الطائفية المعبأة بالحقد لتُسكنهم مكان هذا الشعب، بينما لا زالت تركيا تمارس أقذر الأدوار في ثورة الشام، هذا الدور الذي سيبقى بقعة سوداء في وجه أردوغان، الذي كلفته أمريكا باحتواء الثورة وحرفها عن أهدافها، ففعل بالثورة ما لم يفعله أعداؤها، وهو مستمر في تطويع الثوار لقرارات المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
ورغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي صاغته أمريكا لحفظ نفوذها ومصالحها في سوريا، وتعمل مع الجميع من دول ومنظمات دولية على تطبيقه وفرضه على أهل الشام بغرض إجهاض ثورتهم، إلا أنهم لا يطبقون قرارهم هذا رغم إجحافه بحق الثوار وأهلهم، بل يكشف يوماً بعد يوم أنه أحد الألهيات التي يلهون بها البسطاء ودراويش السياسة بينما يصدرونها للرأي العام بذريعة حماية الأمن والسلم الدوليين.
إن قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي تبناه المجلس بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 والذي تطالب إحدى فقراته بأن تتخذ جميع الأطراف كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية، إلا أن هذا القرار لم ينفذه النظام وحلفاؤه روسيا وإيران رغم موافقة المعارضة عليه والتزامها به، ورغم التزام الفصائل وآخرهم هيئة تحرير الشام بمضمون القرار وعدم فتحهم للمعارك على النظام، إلا أن النظام وحلفاءه ما زالوا مستمرين في عدوانهم ومجازرهم بحق أهل الشام، وآخرها مجزرة جبل الزاوية ومجزرة عفرين، إلا إن كان المقصود بالقرار جزءاً من الشعب وليس كله! كحاضنة النظام مثلاً، التي لم يعتدِ عليها أحد، ما يفسر أن القرار وضع كي تلتزم به الدول في تعاملها مع النظام وليس لحماية المدنيين.
كما أن القرار 2254 يتضمن دفع المعارضة والنظام إلى الانصهار في بوتقة واحدة وإنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، ومع أن المعارضة وافقت ونفذت كل ما هو مطلوب منها رغم تحفظ الثورة على ذلك، إلا أن المجتمع الدولي لم يقدم للمعارضة أي شيء بل يريد منها أن تكون مجرد ديكور لإعادة إنتاج النظام، بل ويتم التعامل مع الثورة على أنها إرهاب وتطرف، وهذا لن يضير الثورة وثوارها لأن أهدافهم مشروعة في إسقاط النظام المجرم الذي لم يتعرض له القرار ولو بشبه إدانة صغيرة رغم جرائمه التي وثقتها الدول والمنظمات وأجهزة الإعلام، بل لم يتم التطرق إلى المليشيات الطائفية التي شكلها النظام واستوردها من إيران وأفغانستان وباكستان تحت نظر المجتمع الدولي إن لم يكن بدفع منه.
القرار الدولي 2254 يدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملا ببيان جنيف وتماشياً مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة، ومع ذلك وفي السنة نفسها تتم مهاجمة مدينة حلب وقصفها وتدميرها وتشريد أهلها والتآمر عليها مع من يدّعون صداقة الثورة لإعادتها لأحضان النظام المجرم، بل كان المبعوث الأممي دي ميستورا مشاركاً فاعلاً في عملية استعادة حلب من الثوار وتبرّع يومها بمرافقة المشردين للخروج من المدينة، فأين التزم مجلس الأمن ومن خلفه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بقراراتهم المجحفة؟!
إن العالم أصبح يعلم حقيقة الأمم المتحدة ومجلس أمنها وأنها أدوات تنفذ مخططات أمريكا وقراراتها التي تقف حائلا أمام إسقاط النظام، فهي من تتهم الثورة بالإرهاب لأنها ترفض الانصياع لمصالحها، وهي من استجلبت جيوش الدول الإقليمية والكبرى لمواجهة الثورة بذريعة محاربة الإرهاب، وهي من جندت المليشيات الطائفية لمحاربة الشعب السوري الرافض لنظامها المجرم والمطالب بإسقاطه، وهي من كلفت قطر والسعودية وتركيا بأخذ دور صديق الثورة لاحتواء ثوارها وحرفهم عن طريق ثورتهم، بل وشحن مقاتلي الثورة خارج البلاد لخدمة مصالح أمريكا في ليبيا وأذربيجان.
من يطالب بتنفيذ القرار الدولي هو أحد اثنين: إما أنه يحسن النية بالأمم المتحدة ومجلس ضباع المجتمع الدولي، ولم يقرأ مضمون القرار وإذا قرأه لم يفهمه، وإما أنه عميل رخيص ينفذ أجندات الدول على حساب تضحيات الملايين من أهل الشام، فالقرار 2254 يعترف بالنظام وشرعيته كما يعترف بالمعارضة ويتهم الثورة وفصائلها بالإرهاب والتطرف دون التطرق للمليشيات الطائفية الإيرانية المستوردة من شتى بقاع الأرض للدفاع عن نظام ساقط شعبياً، لكن أمريكا تتمسك به وترفض الاعتراف بالثورة وحقها في تقرير مصير البلاد، بل تشكل التحالفات الدولية لمحاربة الثورة.
لقد كانت الاتفاقيات والقرارات الدولية سبباً في تراجع الثورة وانحسارها على الأرض لعدم وعي الثوار على حقيقة العصابة الدولية وحقيقة أهدافها، فوقعوا في الفخاخ التي نصبها لهم الغرب الكافر عبر منظماته الدولية وشعاراتها الإنسانية، والدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا التي خذلت أهل الشام وخدعتهم وتبين أنها مكلفة من العصابة الدولية باحتواء الثوار الذين كانوا يظنون أن تركيا حليفهم فإذا بها تسلم ما حرروه بدماء شهدائهم لألد أعدائهم.
القرار 2254 ستنفذه أمريكا بعد القضاء على الأنفاس الثورية وليس فقط القضاء على الثورة، هذا ما تمكره وتعمل له عبر أدواتها، ولكن أهل الشام سيكون لهم رأي آخر قريباً، عندما ينهضون مجدداً لاستكمال ما بدؤوه، فيزيلوا كل الآثار الخارجية والدخيلة على الثورة ويطيحوا بكل عميل ومرتزق تسلق إلى قيادة ثورة عظيمة كثورة الشام؛ ليبدأ بعدها العمل الجاد لإسقاط النظام رغماً عن أمريكا وأدواتها.
ثورة الشام المباركة كشفت حقيقة النظام الدولي الإجرامي وأنه يقف مع الطغاة المجرمين ويساندهم، خلافاً لكل شعاراته عن حقوق الإنسان والحرية، والحضارة والديمقراطية، والتمدن والتنوير، الذي ما هو إلا ظلام وظلمات يريدون للمسلمين أن يغرقوا فيها، ولكننا نحن المسلمين نهضنا للتغيير ولن نقبل بأن نعود للخلف فالثورة مستمرة ماضية في طريقها، تتعثر نعم لكن سرعان ما تستوعب الدروس لتنهض من جديد لتبدد الظلام فتكون مشعل نور يضيء للبشرية وليس للمسلمين فقط طريقها نحو التحرير الذي ينهي عصور الانحطاط والظلمات، فنعود كما كنا خير أمة أخرجت للناس ولتعود الأمة الإسلامية كسابق عهدها تحمل رسالة الإسلام رحمة للعالمين فتخرج الناس من الظلمات إلى النور قريباً بإذن الله.
رأيك في الموضوع