أكدت اللجنة التسييرية لمشروع "دعم التحول الاقتصادي في السودان" وهم صندوق النقد الدولي، واللجنة الفنية للمركز الإقليمي للمساعدة الفنية للشرق الأوسط (ميتاك)، والبنك الدولي، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا وهولندا التزام الاتحاد الأوروبي تجاه الإدارة المالية العامة واستقرار القطاع المالي وتنسيق المساعدات، حيث قدم الشركاء المنفذون للبرنامج وهم مؤسسـة خبـراء فرنسا، ومعهد التنمية نتائج دراساتهم الرئيسية لمساعدة حكومة السودان على إدارة الشئون الاقتصادية بصورة سليمة.
وخصص الاتحاد الأوروبي حوالي 400 مليون يورو لدعم العملية الانتقالية في السودان حيث تساعد هذه الموارد المالية في ضمان توفير الدعم اللازم لتلبية الاحتياجات الملحة لأهل السودان وتعزيز السلام والاستقرار والحكم الديمقراطي والاقتصادي في البلاد وأنه يجب أن يدار الدعم بشكل جيد ويحقق نتائج تتماشى مع أولويات الحكومة لتعزيز النمو الاقتصادي والحد من الفقر في السودان (سونا).
هل الاتحاد الأوروبي، والغرب عموماً، حريصون على ما يحقق الأهداف التي طرحتها اللجنة التسييرية دون مقابل؟ وهل المبادئ الغربية تسمح بأن يصبح الاتحاد الأوروبي جمعية خيرية تغدق على أهل السودان بالمساعدات وتؤلف بين قلوبهم وتنشر السلام والاستقرار بينهم؟
إن المبدأ الرأسمالي الذي يقوم عليه الغرب قاطبة نشأ عندما كان رجال الكنيسة يحكمون الناس ويستغلونهم على أساس الدين، فظهرت فكرة فصل الدين عن الحياة، وبظهورها لم ينته الاستغلال بل تحول إلى استغلال أشد، لكن باسم دين جديد هو الرأسمالية، لقد قام المبدأ الرأسمالي ليزيل ظلم رجال الدين النصارى ليحل محله ظلم الرأسمالية، وأنتجت ثورتهم النظام الرأسمالي الذي يجعل التشريع للبشر بمقياس المصلحة، وقد جعل هذا المبدأ المنفعة والمصلحة مقياسا للأعمال فمن يريد أن يقوم بأي عمل يكون معياره عند القيام به المنفعة المادية فقط، وهو يسعى لتحقيقها بأي وسيلة أو كيفية ممكنة دون اعتبار لأي قيمة أخرى وإذا لم توجد المنفعة المادية فلا يُقدم على العمل! ولكل عاقل أن يفكر في المصلحة المادية التي سيجنيها الاتحاد الأوروبي من هذه الشراكة لأنها هي الأساس. أما الناحية الإنسانية والأخلاقية التي يدّعونها فلا وجود لها في مبادئ الاتحاد.
صحيح أن ترقيع الرأسمالية في فترة ما قد أدخل بند حقوق الإنسان والأعمال الإغاثية، وراحة الشعوب، إلا أن الجميع وعلى رأسهم البلاد الغربية، قد أدركوا أن الرأسمالية لم تُنتج سوى التفكك والانحلال وانعدام الأخلاق، بدءاً من الفرد وصولاً للأسرة والمجتمع والدولة والعلاقات الدولية، فالرأسمالية نظام لا قيمة لديه سوى المنفعة وهذا واضح لكل ذي عينين. وبدلا من أن نعتز بديننا ونقدم البديل الأصيل لهذه الطامة التي تسمى الرأسمالية أصبحنا نتسول معالجاتها الوضعية! مع العلم بقصورها وعدائها للإسلام والمسلمين.
والرأسمالية التي أصبحت دين ملوك البلاد الإسلامية وحكامها النواطير، نتيجة الثقافة الغربية التي أتى بها بعض من سموا أنفسهم بالمثقفين، وطبقها من تسلط على الأمة من حكام، وأقرها علماء السلطان، هي التي يتقلب العالم على ظلامها اليوم، فإذا كانت الرأسمالية في بلاد الغرب وبالاً على أهلها فقد كانت في بلاد المسلمين وبالاً على وبال، فبتنا نرى في بعض الأحيان من يحتاج المساعدة فلا تتم مساعدته إن لم يكن من ورائه مصلحة، وصرنا نرى خيراتنا تذهب لبناء الملاهي والمراقص رغم أن الكثيرين يعيشون شظف العيش ومنهم من يموت جوعاً، وصرنا نرى كيف أن الرأسمالية نفسها تنشر الأوبئة مع قدرتها على الحد منها، ثم تقوم باحتكار الأدوية لتقرر من يستحق الحياة ومن يستأهل الموت، فهل من شك في وجوب وجود بديل للرأسمالية بعد كل ذلك؟!
لا يجهل واعٍ دور الاتحاد الأوروبي في تسعينات القرن الماضي، في الحرب ضد المسلمين في البوسنة بتواطؤ من الحكومات الأوروبية وبعد إبادة أكثر من 300000 مسلم باعتراف الأمم المتحدة، ومن ينسى مجزرة سربرينيتشا على أيدي القوات الصربية، والتي راح ضحيتها حوالي 8000 مسلم، ونزح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة. وتعتبر هذه المجزرة من أفظع المجازر الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تم قتل واغتصاب الكثير من المسلمات حتى الموت على مرأى القوات الهولندية التي كانت مُكلفة بحماية المدنيين، وقد اتهم كثير من الناجين من المذبحة القوات الهولندية بتسليم من فر من المدنيين لها إلى الصرب ليتم قتلهم لاحقاً، فإذا كان هذا الدور القذر للاتحاد الأوروبي في بني جلدتهم المسلمين الأوروبيين في البوسنة غير كاف لرفع الوعي فعلى الدنيا السلام.
وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، تزايدت ظاهرة الإسلاموفوبيا وتحولت في الأيام الأخيرة إلى رهاب من الإسلام، وقد انعكس هذا على شكل هجمات طالت أبناء الجالية المسلمة ومساجدهم في الاتحاد الأوروبي وتتعرض بعض المساجد للهجوم بشكل متكرر، بينما يزداد مستوى العنف والتهديدات ضد المسلمين مثل الحرق العمد وكتابة التهديدات والإهانات على جدران بعض المساجد وأصبحت العنصرية ضد المسلمين أكثر عنفاً بعد الهجمات الإرهابية في أوروبا، ولسوء الحظ فإن اليمين المتطرف يعمل على تحريض المجتمع الغربى على إظهار مواقف عدوانية تجاه المسلمين وأصبحت النساء المسلمات والمساجد والجمعيات الإسلامية هم الأكثر تأثراً بهذه الهجمات والأجواء العنصرية.
إن هذا النفاق الغربي وازدواجية المعايير التي يتبعها في البلاد الإسلامية أضرت كثيرا بمصداقيته وخصوصا بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر عندما وصلت ازدواجية المعايير إلى مراحل كبيرة جدا أظهرت حقيقة النفاق الغربي والكره للمسلمين.
لقد بات الغرب وعملاؤه من حكام المسلمين يفقدون ما بقي لهم من مصداقية، وذلك لاستمرار المعاناة والأزمات، وبقاء الحكام العملاء مرهون بالدعم القوي الذي يحصلون عليه من القوى الغربية. لذلك فإن الغرب وحكام المسلمين يقفون وحدهم لإكراه المسلمين على القبول بهذه الشراكات الغربية المفضوحة الغايات والأهداف، وبقاء الأنظمة والشعوب على طرفي نقيض لن يستمر إلى الأبد. في الحقيقة هناك الكثير من الإشارات الدالة على أن الأمة ستقوم بضربة تنسف هؤلاء العملاء الذين يعيشون من أجل حماية مصالح الغرب.
ولكن الأزمة القاصمة لظهر الغرب هي أنه مهما بذل لا يستطيع أن يؤلف بين قلوب العملاء المتصارعين على الكراسي، لكونهم تبعا له ولمبادئه النفعية التي لا تقيم وزناً إلا للقيم المادية، لذلك تتصارع على خيرات المسلمين، ولا تريد للسودان وأهله ولبلاد المسلمين عامة إلا الشر والسوء، وإن الإسلام وحده هو الكفيل بالقضاء على ما يؤجج الصراعات والحروب والفتن، وبه ألف الله القلوب وصهر العرقيات والشعوب، وهو وحده الذي يجب أن يسود ويقود العالم بدولته دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بإذن الله ستكون واقعا عما قريب.
القسم النسائي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع