نقل موقعا التواصل الإلكتروني (فيسبوك وتويتر) الكثير من الفيديوهات التي تعرّض فيها عدد من الناس للاعتداء الجسدي واللفظي وقذف سياراتهم بالحجارة وتهشيمها، بجانب نهب أموالهم وهواتفهم النقالة، على يد مجموعات تحمل أسلحة بيضاء تنتشر وسط المتظاهرين، في غياب تام للأجهزة النظامية.
لقد أبرزت هذه الأحداث المؤسفة الإحساس المتزايد لدى الناس بالأزمة التي تواجه البلاد، وفي مقدمتها الأمن والأمان، اللذان يعتبران من أساسيات الحياة. وكان أكثر ما لفت الأنظار فئات في أعمار الأطفال الذين كانوا يغلقون الشوارع والذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، حيث قذفوا العديد من الناس وسياراتهم بالحجارة.
وقد كان حديث رئيس الوزراء مخيباً للآمال، وهو عاجز عن تقديم حلول للمشاكل، وهو يتحدث عما آلت إليه الأمور من أجواء تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية وأن البلاد مهددة بالدخول في حالة تشظٍّ وانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وتحول الأمر من تحركات للتغيير إلى سلب ونهب وترويع للناس وقتل وتعدٍّ على النساء بصورة غير مسبوقة، ودعا الثوار للمشاركة في استتباب الأمن لأن أعوان النظام البائد هم وراء الأحداث المؤسفة يلازم ذلك تشظي مكونات الثورة، فلو بحثنا عن كلمة مفيدة واحدة في هذا الخطاب ما وجدناها، ولا عذر لمن يجلس على كراسي السلطة ويحدّث الناس عن فقد الأمن والأمان بسبب مؤامرات النظام البائد ويدعو الناس الغلابة للمشاركة في حفظ الأمن، فما دوره هو إذن؟!
كشفت هذه الأيام بُعد هذه الحكومة عن معاناة الشعب، وأنها تتحكَّم بها عقلية النظام البائد، وأنها لا تختلف عن حكام العمالة في شيء، فلا يهمهم ما يعانيه الشعب من فقر وجوع وعدم الأمن، وذكَّرت الناس أكثر أنها تشكَّلت بإرادة دولية ورعاية إقليمية هيَّأت لها التمويل اللازم والدعاية المضلِّلة، ورسمت لها الأهداف المشبوهة، فبدا بشكل واضح أنها لا تمثِّل الثائرين بشيء وضاعت تضحيات الناس سدى، وقد انكشف المستور وبات الشخص ينظر إليها على أنها جزء من المؤامرة، فالظاهر للعيان، والذي لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، أن الحكومة غير قادرة على توفير الأمن والأمان لرعاياها، كما أن حياة الناس ليست هي الأساس لديها، ودمهم يهون عليها، فالدولة مشغولة بأوهام مؤامرات للنظام السابق الذي لو كان به رمق من حياة ما ترك الحكم.
إن الإسلام أوجب الرعاية على الدولة، فهي مسؤولة عن رعاياها، يقول النبي ﷺ: «فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فيجب على الدولة أن توفر الحاجات الأساسية لكل فرد، وهي: المأكل والملبس والمسكن.
وكذلك واجب على الدولة توفير الحاجات الأساسية للجماعة وهي: الأمن والصحة والتعليم، فالأمن على رأس الأولويات، يقول النبي ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (صححه النسائي). فتوفير الأمن من أهم واجبات الحاكم في الإسلام، وها هو رسول الله ﷺ يضرب أروع المثل في حفظ الحاكم لأمن رعاياه، جاء في صحيح البخاري: "ولَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الخَبَرَ (أي تبيَّنه)، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»" ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْراً» أَوْ قَالَ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ»"، مما يدلُّ على حرص الراعي على أمن رعيته. ولكن بعد أن هُدمت دولة الإسلام - دولة الخلافة - أصبحت الأمة بلا أمن ولا أمان، بل أصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، وما أرخص الإنسان في بلادنا اليوم! فلا قيمة لنا في ظل أنظمة وضعية، وقوانين بلا هُوِّية ولا مرجعية، ولا خير في ديمقراطية هالكة متهالكة، لا تنبع من عقيدتنا، ولا تحفظ لنا كرامتنا ولا دماءنا!
إن سر قوة هذه الأمة، ومكمن عزّها، ومنبع مجدها، هو في دينها وعقيدتها، ومدى التزامها بمبدئها. ولن يعود الأمن والاستقرار ما لم نَعُد إلى ديننا، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، فإذا امتثل الناس لشرع الله، وطبقوا أحكامه، وأقاموا دولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ضمنوا الأمن التام على أموالهم وأعراضهم ودمائهم.
رأيك في الموضوع