كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية الثلاثاء 25 أيار/مايو 2021، أن الإمارات تقوم بتشييد قاعدة جوية سرية في جزيرة ميون البركانية قبالة اليمن، حيث تقع القاعدة في واحدة من نقاط الاختناق البحرية المهمة في العالم لكل ممرات الطاقة والشحن التجاري، بالتحديد عند مضيق باب المندب، يأتي كشف وكالة أسوشيتد برس الأمريكية ليظهر مدى حدة الصراع الأنجلو أمريكي على اليمن وبخاصة على المناطق ذات المواقع الجغرافية المهمة.
يمتلك اليمن ما يزيد عن 180 جزيرة، وأهمها جزيرة كمران وزقر وحنيش الكبرى وحنيش الصغرى في البحر الأحمر، وجزر سقطرى وعبد الكوري ودرسة وسمحة في البحر العربي، وجزيرة ميون وتسمى كذلك جزيرة بريم هي جزيرة بركانية في مدخل مضيق باب المندب بحيث تعتبر نقطة التقاء بين البحر الأحمر وبحر العرب، وتبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً وترتفع إلى منسوب 65 مترا، وإدارياً تعتبر إحدى الجزر التابعة لمديرية ذباب "باب المندب" بمحافظة تعز ويبلغ تعداد سكانها حوالي 250 نسمة، وتملك بشاطئها الجنوبي الغربي ميناء بحرياً ومن الجهة الشمالية مطاراً.
توكل بريطانيا صاحبة النفوذ العريق في اليمن عملاءها في الإمارات للقيام بمثل هكذا أعمال في محاولة للتشبث والحفاظ على ما تبقى لنفوذها في سواحل البحر الأحمر والممرات المائية المهمة فيه، ففي الوقت الذي أحست فيه بالخطر الحقيقي على نفوذها خاصة بعد مقتل عميلها المخضرم علي صالح على يد الحوثيين، دفعت بالإمارات للسيطرة على الساحل الغربي لليمن خشية سقوطه بيد أمريكا حتى إنها كادت تستعيده كاملاً حيث تمكنت من الوصول إلى مدينة الحديدة، ولولا تدخل أمريكا لإيقافها خوفاً على عملائها الحوثيين من أن يفقدوا ميناء الحديدة فكان أن توقف التقدم عبر اتفاق ستوكهولم في السويد في 13 كانون الأول/ديسمبر 2018م تحت مبررات إنسانية!!
إن إنشاء الإمارات لقاعدتها العسكرية في جزيرة ميون ما هو إلا استنساخ لسيناريو استيلائها على جزيرة سقطرى علماً بأن موقع جزيرة ميون أكثر أهمية فهي تربط البحر الأحمر بالبحر العربي وتشرف أيضاً على باب المندب أهم المضايق المائية على مستوى العالم والذي يكتسب أهمية استراتيجية من موقعه المميز لإشرافه على خطوط الملاحة البحرية والتجارة الدولية التي تربط القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث تمر فيه نحو 21 ألف سفينة عملاقة سنوياً، وبواقع 57 سفينة حاملة نفط يومياً، حسب إحصاءات وزارة التجارة في صنعاء قبل سنوات، وتُقدر كمية النفط العابرة في المضيق بـ3.3 مليون برميل يومياً، كما يُعَدّ المضيق طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب، وهو يتكامل بشكل كامل مع قناة السويس، فإذا توقفت الملاحة فيه توقفت قناة السويس، والعكس صحيح، يبلغ طول المدرج العسكري الذي بني داخل القاعدة 1800 متر، وهو ما يمكِّن الإمارات من السيطرة العسكرية على المضيق والمنطقة المجاورة للجزيرة، وتعتبر القاعدة نقطة انطلاق لأي عمليات عسكرية في البحر الأحمر وشرق أفريقيا، فلا يقتصر تأثير القاعدة المباشر على اليمن فحسب بل إن الإمارات تستطيع من هذه الجزيرة تشكيل تهديد للنفوذ الأمريكي المتصاعد عبر تركيا في الصومال.
يتضح جلياً أن الاستيلاء على جزيرة ميون يعني السيطرة على النشاطات الاقتصادية والعسكرية بالمضيق، وهذا مكَّن الجزيرة من امتلاك أهمية جيوستراتيجية كبيرة على مر التاريخ، وجعلها مطمعاً للدول الكبرى التي تمتلك مصالح بالمنطقة، فقد احتلها البرتغاليون عام 1513م، إلا أنهم لم يبقوا فيها بسبب طردهم على يد الدولة العثمانية، واحتلتها فرنسا عام 1738م، وفي سنة 1799م احتلتها شركة الهند الشرقية البريطانية لفترة قصيرة تمهيداً لاحتلال مصر، ثم أعادت بريطانيا احتلالها سنة 1857م وربطتها بمستعمرة عدن، لتشهد عصرها الذهبي مع افتتاح قناة السويس عام 1869م كمحطة لتموين السفن بالفحم، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى حاولت الدولة العثمانية استعادتها، إلا أنها لم تستطع نتيجة لضعفها في ذلك الحين.
وتعتمد الإمارات ومن ورائها بريطانيا في الجنوب والساحل الغربي على المجلس الانتقالي وطارق صالح وقواته التي قامت بتشكيلها له، ففي مقابلة لطارق صالح أجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في 9 نيسان/أبريل 2021م، صرح عن طبيعة علاقته مع الإمارات قائلاً "هي علاقة شراكة.. نحن والإمارات وضعنا أسساً لهذا التحالف، هذه الأهداف الرئيسية استعادة الدولة وعودة المؤسسات والحكومة الشرعية"، وفي حديثه عن اتفاق ستوكهولم قال "كنّا نتمنى أن يحقق اتفاق ستوكهولم شيئاً لليمنيين.. ولكن لم يحقق شيئاً سوى أنه (أوقف) هذه المعركة لتحرير الحديدة" وهذا يبين أن توقف تقدم قواته كان مفروضاً عليه كما بينا سابقاً.
أي أن أدوار عملاء بريطانيا في جنوب اليمن تصب في السياق نفسه حيث لم يعد خافياً خدمة المجلس الانتقالي لبريطانيا، فقد صرح طارق صالح عن طبيعة علاقته مع المجلس الانتقالي الجنوبي في المقابلة نفسها "نقدم لهم الشكر لأنهم في البداية كانوا معنا وساعدونا على إنشاء النواة الأولى للمقاومة.. المجلس وقف معنا، ولن ننسى لهم هذا الجميل".
ولا بد من الإشارة إلى تباين المواقف بين الحوثيين وحكومة هادي وإن ظهرت أنها واحدة تجاه بعض أعمال الإمارات في اليمن كموقف الطرفين الرافض لإنشاء الإمارات قاعدة عسكرية في جزيرة ميون، فحقيقة موقف الحوثيين من الإمارات هو العداء كونها أداة بريطانية تعرقل أعمال أمريكا في اليمن، أما حكومة هادي فنتيجة لوقوعها في الأسر والتحكم السعودي فمن مصلحة بريطانيا أن تظهر أنها على خلاف مع أعمال الإمارات لضمان عدم تنفيذ أجندات السعودية ومن ورائها أمريكا في الجنوب بعد أن تقلص نفوذ بريطانيا في الشمال.
وأخيرا نوجه النداء لأهلنا في اليمن أنه لا خير لكم فيمن يقتلونكم ليل نهار خدمة للكافر المستعمر، وإن الخير كل الخير في العمل مع المخلصين لأمتهم الواعين على واقع الأمة وألاعيب أعدائها، وهم بإذن الله قادرون على إبطال تلك الألاعيب وإيقافها عند قيام دولة الخلافة على منهاج النبوة، فكما هم واعون عليها اليوم قبل قيام دولة الخلافة فهم أحق بأن يقطعوا يد الكافر المستعمر عند قيامها، ولا يبقى عليكم إلا أن تمدوا أيديكم لإخوانكم في حزب التحرير وأن تعملوا معهم لعز الدنيا والفلاح في الآخرة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: المهندس هشام باعباد – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع