قبل أول اجتماع مباشر له مع الرئيس الأمريكي بايدن، عقد الرئيس التركي أردوغان اجتماعا مع المديرين التنفيذيين للشركات الأمريكية الكبرى. وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن كبار المديرين التنفيذيين لنحو 20 شركة، بما في ذلك بوينغ وأمازون ومايكروسوفت وكيلوج وبيبسيكو وسيسكو وبروكتر آند جامبل وجونسون آند جونسون، شاركوا في الاجتماع. (دي دبليو).
خلال حكومة حزب العدالة والتنمية تحت قيادة أردوغان، تواجه تركيا أوقاتا مقلقة اقتصاديا لأسباب منها الفساد والاقتراض الخارجي. 20٪ من الضرائب، التي تم تحصيلها خلال ما يقرب من عشرين عاما من فترة حكمها، ذهبت إلى مدفوعات الربا. وفي عام 2020، تم دفع ما مجموعه 590 مليار دولار لدفع الربا. وأرقام العام 2021 أعلى من ذلك بكثير. ولم يتسن تقديم إجابة واضحة على السؤال أين ومن أنفق 128 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي، التي شغلت جدول أعمال الرأي العام التركي لفترة طويلة؟
وفي حين يحاول أردوغان استعادة الاقتصاد من أجل الفوز في انتخابات عام 2023، فإنه من ناحية أخرى، وبكل قوته، مشغول بالوفاء بمطالب أسياده الاستعماريين. ولهذا الغرض، أجرى مكالمة هاتفية عبر الهاتف لمدة ساعتين مع كبار المديرين التنفيذيين في 20 شركة أمريكية. وفي أعقاب هذه الاجتماعات، صرح بأنه يريد زيادة حجم التجارة بين أمريكا وتركيا إلى 100 مليار دولار. ومع ذلك، كان قد حدد أيضا هدفا بقيمة 100 مليار دولار لحجم التجارة بين أمريكا وتركيا في اجتماعه مع ترامب في عام 2017. وفي عام 2019، بلغ هذا الرقم حوالي 20 مليار دولار في مجموعه. وبلغت قيمة صادرات تركيا إلى أمريكا حوالي 8.9 مليار دولار.
لذلك فإن هذه اللقاءات والمطالب التي قدمها أردوغان مع الشركات الأمريكية ليست جديدة. وهذه هي الكلمات التي قيلت من قبلُ في عهد ترامب. ويمكننا أن نقول ما يلي عن هذا الاجتماع:
1- هذه الاجتماعات التي عقدها أردوغان مع المديرين التنفيذيين للشركات الأمريكية هي واحدة من الاجتماعات التحضيرية التي عقدت لإعداد أساس السياسات الأمريكية الجديدة، التي صاغها بايدن. وفي حديثه في الاجتماع عبر الإنترنت قال: "على مدى 19 عاما، لم يتخلوا أبدا عن أجندتهم الإصلاحية، واستجابة للظروف والمتطلبات المتغيرة باستمرار، يواصلون عملية الإصلاح في الاقتصاد والقانون والعدالة بطريقة حازمة"، وقد أظهر أردوغان بوضوح أنه بذل كل جهد ممكن لإرضاء أسياده الاستعماريين وأنه سيواصل القيام بذلك؛ لأن سبب وجود حكام المسلمين مثل أردوغان هو الانصياع لأسيادهم دون قيد أو شرط وتلبية مطالبهم.
وبعبارة أخرى، يريد أردوغان مواجهة بايدن كشخص طالع دروسه جيدا قبل الاجتماع مع سيده وقد أوفى بواجبه بالكامل، لإظهار أنه اتبع التعليمات المعطاة ووضع كل قوته في هذه القضايا. وهو يبين أنه مستعد لتلبية مطالب الشركات الأمريكية وتقديم جميع أنواع التضحيات من أجل ذلك. ولهذا السبب، يعقد إبراهيم كالين وجاويش أوغلو اجتماعات مكثفة في أمريكا واليونان وأماكن أخرى كثيرة قبل اجتماع أردوغان وبايدن في قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد في 14 حزيران/يونيو. فقد التقى المتحدث باسم الرئيس إبراهيم كالين والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في المجمع الرئاسي وناقشا القضايا الإقليمية، بما في ذلك سوريا وليبيا وأفغانستان وفلسطين وإيران والعراق، فضلا عن قضايا الهجرة والمساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب. (وكالة الأناضول، 02/06/2021)
لذلك، فإن الدائرة الداخلية لأردوغان، وخاصة جاويش أوغلو وكالين، تجري محادثات مستمرة مع الأمريكيين وتحاول تلبية مطالب أمريكا. وفي هذا السياق، أعادت تركيا خبراء عسكريين روساً كانوا في البلاد كجزء من تركيب والتدريب على طائرات إس-400. والواقع أن جاويش أوغلو، الذي تطرق إلى هذه المسألة أثناء زيارته لأثينا، أكد أن الخبراء العسكريين الروس قد عادوا (بلومبيرغ). لذلك، يبذل أردوغان والوفد المرافق له جهدا لإرضاء الولايات المتحدة بشأن العديد من القضايا التي تنعكس ولا تنعكس في الصحافة.
ولأن أردوغان يرى ويعرف أن هناك تغييرات في الأولويات السياسية الأمريكية مع بايدن وأن بايدن لديه موقف مختلف عن ترامب، وفي واقع الأمر، فإن التعبيرات التالية في ثنايا تصريحات أردوغان بشأن هذا الاجتماع تشير أيضا إلى ذلك: "إن بيان بايدن حول أحداث عام 1915 وضع عبئا إضافيا على علاقاتنا، لكنني أعتقد أن الاجتماع الذي سنعقده في 14 حزيران/يونيو في قمة حلف شمال الأطلسي سيكون علامة على حقبة جديدة".
إلى جانب اهتمام أمريكا، التي هي البلد الاستعماري رقم واحد في العالم، وشركاتها لا تفكر في أي شيء آخر، وبأي حال من الأحوال فإن الاستثمارات التي يقومون بها في تركيا ستحقق مصالحهم الخاصة بدلا من مصالح المسلمين. ومن المؤكد أن ذلك سيضر باقتصاد البلاد، ولن يفيدها. إنهم يأتون إلى هنا لكسب المال واستغلاله، وإذا استثمروا دولارا، فإنهم لا يترددون في استخراجه عدة أضعاف. مع استثماراتهم! فإن مثل هذه الشركات تسبب الاضطراب والفوضى وعدم الراحة، وبتهديدها السياسيين، فإنها تجبرهم على تنفيذ الخطط السياسية للاستعماريين. إنهم يجعلون الدولة أسوأ من خلال سرقتها.
في هذا الاجتماع عبر الإنترنت الذي عقده أردوغان، شاركت شركات مثل نتفليكس، التي تروج وتنشر جميع أنواع الخطيئة، أيضا. وليس لهذه الشركات أي غرض آخر سوى نشر الفساد والفجور في البلاد الإسلامية. فمن ناحية، فإنهم يحرفون الناس الذين يعيشون في هذه البلاد، ومن ناحية أخرى، يضيفون مليارات الدولارات إلى ثرواتهم. وهي لا تسهم في خدمة اقتصاد البلاد بأي شكل من الأشكال. للأسف، نتيجة للأسباب المالية ومن أجل إرضاء أسياده الاستعماريين، يسمح أردوغان، الذي يجلس في مقعد السلطة ويزعم أنه مسلم، بذلك.
ونتيجة لذلك، وبغض النظر عن وجهة النظر، فإن هذه الاجتماعات التي عقدها أردوغان مع المديرين التنفيذيين للشركات الأمريكية كانت فقط لتحقيق مصالح المستعمرين. وهذا لا يفيد تركيا وأهلها. فضلا عن ذلك فإن أمريكا دولة استعمارية أعلنت الحرب صراحة على الإسلام والمسلمين، ولا يجوز اعتبارها وأمثالها أصدقاء.
بقلم: الأستاذ محمد حنفي يغمور
رأيك في الموضوع