كشفت الحكومة الروسية عن التوصل لاتفاق مبدئي مع السودان، من أجل بناء قاعدة دعم تقني - فني بحرية للأسطول الروسي في مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر. وأعلن رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، أن الحكومة وافقت على الاتفاقية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بعد مناقشات واسعة في وزارتي الدفاع والخارجية، إضافة إلى المؤسسات الفيدرالية المعنية في السلطات التنفيذية، والمحكمة العليا والنيابة العامة، ولجنة التحقيقات. (العربي الجديد 13/11/2020م).
ما هي حقيقة إنشاء هذه القواعد العسكرية للدول الاستعمارية في بلادنا؟ وما الفائدة التي يجنيها أهل البلاد من هذه القواعد؟ وهل الإسلام يجيز للمسلمين إنشاء قواعد عسكرية في بلادهم للدول الاستعمارية؟
لقد أثبتت الأحداث والوقائع أن حكام المسلمين لا يختلفون عن بعضهم في ارتمائهم في حضن الأعداء وتنفيذ تعليماتهم ورعاية مصالحهم، حيث نشرت قناة آر تي الروسية بتاريخ 25/11/2017م: "أكد الرئيس السوداني عمر البشير أنه ناقش إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر مع رئيس روسيا ووزير دفاعها، مضيفا أنه طلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية روسية".
وعندما جاءت الحكومة الانتقالية سارت في طريق الانبطاح والخضوع نفسه، حيث ذكر موقع العربي الجديد في 13/11/2020م أنه: "في تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلن بوتين، لدى لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية - الأفريقية في مدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي. وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قد التقى في أيلول/سبتمبر 2019، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك. واتفق الرجلان على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. وفي نهاية شباط/فبراير 2020، أكد رئيس هيئة الأركان السوداني محمد عثمان الحسين، أهمية تفعيل الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين الخرطوم وموسكو".
وعندما كشفت روسيا عن صفقة اتفاقها مع الحكومة الحالية حول إنشاء القاعدة، حاولت الحكومة الانتقالية مواراة الفضيحة بتصريح هزيل متناقض حيث نشرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 20/11/2020م ما نصه: "أكد رئيس أركان الجيش السوداني الفريق الركن محمد عثمان الحسين، أن السودان لم (يبرم) أي اتفاق مع الجانب الروسي على إنشاء قاعدة بحرية روسية في سواحله على البحر الأحمر، ولكنه قال إن الاتفاق (يخضع للدراسة..)".
حيث لم ينفِ رئيس الأركان التواطؤ على إنشاء هذه القاعدة، وإنما نفى الإبرام والانتهاء من الاتفاق حسب الخبر أعلاه، كما لم يبرئ الحكومة الانتقالية من هذا الجرم وهذه الخيانة، وإنما قال: "إن الاتفاق (يخضع للدراسة)"، وقال الحسين: "حتى الآن ليس لدينا اتفاق كامل مع روسيا، حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد...". (الشرق الأوسط بتاريخ 20/11/2020م).
ونشر موقع العربي الجديد في 13/11/2020م، أن مصدراً روسياً مطلعاً على المفاوضات مع الجانب السوداني، في اتصال مع "العربي الجديد"، ذكر أن "روسيا تسعى إلى توقيع الاتفاق مع الحكومة الانتقالية في السودان قبل نهاية العام الحالي".
وبحسب نصّ الاتفاقية التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها باللغة الروسية فإن:
1. مدة الاتفاقية 25 عاماً قابلة للتمديد تلقائياً لمدة 10 سنوات على التوالي..
2. كما تنص على ألا يتجاوز عدد السفن الحربية الروسية في القاعدة الأربع سفن، بما في ذلك تلك العاملة بالطاقة النووية.
3. ولا يزيد عدد العسكريين فيها على 300 عسكري، ويمكن زيادة العدد باتفاق بين الطرفين.
4. وبحسب مشروع الاتفاق، فإن حماية القاعدة من الخارج تقع على عاتق السلطات السودانية.
5. يتمتع الجنود الروس وعائلاتهم بحصانة دبلوماسية بمقتضى معاهدات فينّا 1961.
6. ولم يحدد الاتفاق شروطاً مالية لاستئجار المناطق البرّية والبحرية.
7. وبحسب الاتفاق، يمكن لروسيا الحصول على مساحات إضافية تحددها بروتوكولات إضافية.
وجاء الإعلان عن الاتفاق المبدئي بعد نحو شهر من تسلم قيادة القوات البحرية السودانية في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في قاعدة بورتسودان البحرية (فلمنجو)، سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا. ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن ممثل القوات البحرية السودانية اللواء بحري حاج أحمد يوسف، أن "السفينة تعدّ إضافة حقيقية لقدرات القوات البحرية خاصة في مجال التدريب".
الواضح جدا أن هذا الاتفاق عبارة عن استعمار مقنن بتوقيع الحكومة، تدفع فيه الأراضي بالمجان لتمكين هذه الدولة الاستعمارية، التي تستورد المجرمين والمرتزقة وتنهب الثروات.
فقد نشر موقع قناة فرانس 24 في 20/09/2018م أنه "في أواخر تموز/يوليو، قتل ثلاثة صحافيين من روسيا في شمال البلاد حيث كانوا يجرون تحقيقاً حول المدربين الروس، الذين يشتبه في أنهم مرتزقة من شركة "فاغنر" الأمنية الخاصة".
ونشر موقع بي بي سي نيوز في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019م: "منذ عام 2014، وقعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع حوالي 19 دولة أفريقية، وتعزز روسيا صلاتها السياسية في المنطقة، إذ زار 12 قائدا أفريقياً البلاد منذ عام 2015، وشهد عام 2018 وحده ست زيارات. تعد روسيا شريكا دفاعيا مهما في أفريقيا، وهي أكبر مورد للسلاح في المنطقة".
ونشر الموقع في التاريخ أعلاه: "سُجل دور للمرتزقة الروس في السودان وليبيا وغيرها من الدول، من بينها شركة فاغنر الخاصة، التي يُقال إنها على صلة بالكرملين".
كما نشر الموقع ذاته أن روسيا: "تعاني من نقص في معادن مثل المنغنيز والبوكسيت والكروم، وكلها مهمة بالنسبة للصناعة. وأن التنقيب عن الألماس يأتي على رأس المشروعات الروسية في أفريقيا" (بي بي سي 23/11/2019م).
إن هذه القواعد لا تقام إلا للكيد ضد المسلمين ونهب ثرواتهم، فهي خيانة من حكام المسلمين ومشاركة لهذه الدول الاستعمارية في وأد أي محاولة لنهضة الأمة للانعتاق من ربقة الكافرين، فقد حرَّم الإسلام جعل سلطان للكافرين على المسلمين، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
إن هذه الدول ستظل تمكر وتكيد مستغلة عملاءها من الحكام، ولن يقضي على نفوذهم إلا دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي أظل زمانها ولاحت بشائرها، فاللهم عجل لنا بها يا رب العالمين.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع