اعتاد الغرب، حكاماً ومفكرين ومتطرفين على الإساءة للإسلام ومقدساته وحرماته وهم يعلمون يقينا أنه لن يرد عليهم أحد من حكام المسلمين الرويبضات، أو من جيوشهم الرابضة المكبلة بسلاسل هؤلاء الحكام، أو من علماء المسلمين الذين لا يسمح لهم حكامهم بالتطاول على أسيادهم، لذلك تجرأ الرئيس الفرنسي ماكرون بالقول إنّ الإسلام يعيش أزمة في كل العالم، وأنه أعطى تعليمات لتوجيه الوعاظ وأئمة المساجد، ليقولوا ما يرضيه ولا يخالف حضارته الفاسدة.
إنّ المقطوع به بالحس والمعاينة أن الحضارة الغربية التي انبثقت عن الثورة الفرنسية أثبتت فشلها في جميع أنحاء العالم وعلى رأسها فرنسا؛ فقد أشقت الحضارة العلمانية البشرية جمعاء، حيث أنتجت الفقر والحروب والأمراض الفتاكة والشقاق بين البشر، وهذا واقع لا تخطئه عين، وكل هذه الأمراض والملمّات التي أصابت البشرية حصلت في أقل من قرن من تسلط العلمانية الغربية على العالم، منذ غياب دولة العدل، الخلافة في عام 1924م، أما فرنسا على وجه الخصوص فهي تأكل من لحم وكدّ الخلق الذين أفقرتهم في أفريقيا، فهي دولة طفيلية تعيش على خيرات الآخرين لا من كد يدها وعرق جبينها كالرجال، وقد شهد بذلك رئيسها الأسبق فرانسوا ميتران حيث قال عام 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة "دون أفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين"، وفي آذار/مارس سنة 2008، صرّح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قائلاً: "دون أفريقيا، فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث"، وفي الحقيقة فإنّ فرنسا انحطت إلى مراتب دون مراتب الحيوانات وليس مراتب "دول العالم الثالث" كما يسميها الغرب، فقد استوطن الشذوذ الكنائس ودنّست براءة الأطفال وأبيح زواج الشواذ، وأكثر من ٦٠% من أبنائها ولدوا من السفاح، لدرجة أنهم اضطروا لإلغاء مصطلح (أبناء غير شرعيين) لأن المواطنين غير الشرعيين أصبحوا أكثرية الشعب، والمجتمع في فرنسا لا عذارى فيه فوق سن البلوغ، وقتل النفس بالإجهاض مستباح، وحبوب منع الحمل تباع للطالبات في المدارس.
وعندما أنكر الفرنسيون وجود الخالق ضمنا، وجدت عندهم أزمة روحية أدت لإغلاق أكثر من ٢٠٠ كنيسة لقلة أعداد المشركين الذين يرتادونها، فانحطوا إلى دون مرتبة المشركين، وفي فرنسا أكثر من ٩ مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، على الرغم من أنها تعيش كالبعوضة على ضرع أفريقيا البقرة الحلوب، و٢٠% من سكان فرنسا غير قادرين على تأمين ٣ وجبات يوميا...
هذه الأمثلة ليست إلا فيض من غيض، ولا يتسع المقام لذكر جوانب فساد وأزمات النظام الغربي وعلى رأسه فرنسا ماكرون، على الرغم من المحاولات المضنية في ترقيع النظام الرأسمالي، إلا أنهم عجزوا عن الاستمرار في الترقيع، حتى اتسع الخرق على الراتق، وبعد ذلك ينعق ماكرون بالقول إن الإسلام هو الذي في أزمة! ولو كان عند ماكرون شيء من النزاهة في سماع قول الحكماء، لأسمعناه ما يكره، ولو كان عنده شيء من الرحمة بشعبه وأمته لأعلن إفلاس حضارته ولطلب النجدة ممن عنده طوق النجاة كما استنجد ملكهم فرانسوا الأول بخليفة المسلمين سليمان القانوني، لما وقع أسيرا بيد الإمبراطور كارل الخامس في إسبانيا، فأنقذه خليفة المسلمين من الأسر.
إن المأزوم حقا هو الغرب وحضارته وفرنسا وحرياتها وثورتها، وليس الإسلام؛ لأنه من عند رب السماوات والأرض، وقد طبّق الإسلام في العالم زهاء ثلاثة عشر قرنا، فساد الأمن والأمان وانتشرت الرفاهية والازدهار في كل بلد حكمه الإسلام، ولم يكن أمام الحضارة الإسلامية من تحد تواجهه إلا شرك وجهل أوروبا الصليبية، بملوكها وقساوستها، وهو التحدي نفسه الذي تواجهه البشرية والأمة الإسلامية الآن، إضافة إلى أمريكا التي هي أيضا امتداد لشرك وجهل أوروبا، وإن كان يظن بأن المسلمين يعيشون في أزمة الآن، فإنهم يدلسون على السامع، والحقيقة هي أن أزمة المسلمين هي في الأنظمة التي فرضها الغرب ومنه فرنسا على رقابهم، وهي بسبب استعمار الغرب لبلاد المسلمين وبسبب فرض الثقافات والقيم الغربية المنحرفة والنعرات من قوميات عفنة ووطنيات نتنة على المسلمين.
نحن ندرك أن سبب تصريح ماكرون هذا عن الإسلام هو شعوره بل ومشاهدته لقرب بزوغ فجر الإسلام، فهو يعلم ونعلم نحن أيضا أن الفراغ الحضاري الذي أوجدته الحضارة الغربية لا يمكن أن يملأه مبدأ آخر من صنع البشر، فقد فشلت جميعها وبجميع أشكالها، وإن الإسلام هو المبدأ الوحيد المرشح لملء هذا الفراغ، لأن الإسلام مبدأ صحيح من عند خالق الإنسان الذي يعلم ما خلق وهو السميع البصير...
إننا نعلم ويعلم دهاقنة الغرب ومنهم ماكرون أن الأمة الإسلامية قد حزمت أمرها في المطالبة والسعي والتضحية في سبيل نهضتها مرة ثانية، وما هي إلا أيام حتى تتمكن من استعادة مكانتها في العالم بإذن الله، وحينها سيرى العالم عمليا حقيقة الأزمة التي يحياها الغرب والفكر الرأسمالي، فعندما يعود الإسلام مطبقا حيا في أرض الواقع ستتمنى البشرية أن لو كان ذلك اليوم جاء باكرا، فالإسلام دين الفطرة والحق، دين العدل والمساواة، دين الرحمة والهداية، دين الطمأنينة والسكينة، فهو ما يقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب طمأنينة، وهو دين الحجة الدامغة والبرهان الساطع... ولأن قادة الغرب يعجزون عن مواجهة الحجة بالحجة والرأي بالرأي فهم يلجؤون إلى الكذب والتدليس والتشويه، مستغلين ما في أيديهم من أدوات وإمكانيات ومنابر، ومنتهزين فرصة غياب الحامي والمنافح عن دين الإسلام، ألا وهي دولة الإسلام القائمة قريبا إن شاء الله. قال تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع