عقد وزراء خارجية الأردن ومصر وفرنسا وألمانيا اجتماعا في عمّان يوم الخميس 24/9/2020، من أجل استكمال تنسيقهم وتشاورهم حول سبل دعم عملية السلام في الشرق الأوسط بهدف تحقيق السلام العادل والشامل والدائم حسب تصريحهم، وحضر الاجتماع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام، وفق ما جاء في بيان ختامي ومؤتمر صحفي تحدث فيه الوزراء حول مخرجات هذا الاجتماع.
وأعرب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عن قلقه من انسداد آفاق المباحثات بين الفلسطينيين ويهود، وبين أن "الاجتماع جاء في لحظة فارقة في المنطقة، ويعكس حرصنا على أن نعمل بكل ما نستطيع من أجل إيجاد آفاق حقيقية لتحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين وعلى أساس القانون الدولي والمرجعيات المعتمدة، بما فيها مبادرة السلام العربية".
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري: "الإطار السياسي مسدود وهناك تعثر في إطار جهود التسوية وانقطاع للتواصل فيما بين السلطة والجانب (الإسرائيلي) والشركاء الآخرين المعنيين في القضية الفلسطينية وعلى رأسهم الولايات المتحدة وهذا ما نعمل من أجل تجاوزه".
فرغم أن أمريكا باتت تهيمن على الحلول الاستسلامية وتصفية قضية فلسطين من خلال ما يسمى بصفقة القرن، وما اقتضته من تنفيذ وعودها لكيان يهود لسد ذرائعه الأمنية الممانعة لعمليات السلام المزعومة على مر العقود، لكنها وصلت إلى الحلقة الأخيرة من إجراءات الرؤية الأمريكية، وهي المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وكيان يهود، التي تعتبرها شرطاً مسبقاً لمزيد من المكاسب يسعى كيان يهود لتحقيقها مثل ضم أراضي الضفة الغربية والهيمنة على الأغوار، فقام بومبيو وزير خارجية أمريكا بزيارة لكيان يهود عشية تشكيل الائتلاف الحكومي ومنعه من الضم، وصرح نتنياهو بذلك قائلا: إن أمريكا منعتني من الضم.
أما حل الدولتين الذي أصبح مفرغاً من واقعه بوجود المستوطنات ومستحيلا على أرض الواقع، والذي أصبحت مساحته لا تشكل أكثر من 20% من مساحة فلسطين، فما زالت أوروبا وخاصة بريطانيا وأتباعها من الحكام العرب وعلى رأسهم النظام الأردني تتشبث به وتركز على تحقيقه وتلوح به في هذا الوقت تحديداً قبل بدء الانتخابات الأمريكية، وذلك في مسعى من أوروبا لتحصيل نصيب من النفوذ السياسي في المنطقة في المفاوضات التي تسعى لاستئنافها بين السلطة الفلسطينية وكيان يهود، على أساس حل الدولتين كما تدعي. فقد صرح وزير خارجية فرنسا لودريان بعد اجتماع عمان حول حل النزاع: "إن تحقيق ذلك يتطلب أمرين: من جهة أن يكون تعليق السلطات (الإسرائيلية) لضم الأراضي الفلسطينية قرارا نهائيا، ومن جهة أخرى أن يستأنف (الإسرائيليون) والفلسطينيون الحوار وفورا في المرحلة الحالية". أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فقد صرح أن بلاده تدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني، معبرا عن أمله في تحقيق خطوات بهذا الاتجاه.
وجاء في البيان الختامي لاجتماع عمان "نؤكد أن حل الصراع الفلسطيني-(الإسرائيلي) على أساس حل الدولتين، الذي يضمن تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران 1967، لتعيش جنباً إلى جنب (إسرائيل) بأمن وسلام، هو السبيل لتحقيق السلام الشامل والدائم والأمن الإقليمي". ولم يخل البيان مما يسعى إليه النظام في الأردن في المحافظة على دور ما، يبقيه في دائرة حل القضية الفلسطينية، خوفا من إقصائه نهائيا رغم سيره في تنفيذ مشاريع رؤية ترامب على أرض الواقع، فقد جاء فيه: "نؤكد أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة في القدس، والدور الهام للأردن والوصاية الهاشمية على تلك الأماكن المقدسة". غير أن الغاية الرئيسية من الاجتماع قد عبر عنها البيان الختامي بقوله: "إن الأولوية هي التغلب على الجمود في مفاوضات السلام وخلق أفق سياسي موثوق به وإعادة إحياء الأمل من خلال الحوار. يجب استئناف المفاوضات بشكل عاجل وجدي على أساس القانون الدولي وضمن المعايير المتفق عليها"؛ وقال البيان المشترك بعد الاجتماع "يجب على (الإسرائيليين) والفلسطينيين احترام الاتفاقات السابقة واستئناف الحوار الموثوق به على هذا الأساس".
واضح أن هناك تباينا كبيرا بين الفرقاء الفاعلين في قضية فلسطين سواء أكانت أمريكا التي باتت تستأثر بالهيمنة على قضية فلسطين من خلال رؤية ترامب، أم أوروبا التي تبحث لنفسها عن دور دولي في ملف القضية الفلسطينية، ولكن من المؤكد اشتراك الطرفين في التخطيط لتصفية قضية فلسطين، كما أن من المؤكد أن الطرفين لا يملكان تصورا لنجاح مشاريعهما في حل قضية فلسطين، فقد قال ترامب في خطاب له إنه ينظر لحل الدولتين أو الدولة الواحدة إذا كانت (إسرائيل) والفلسطينيون سعداء بذلك، ولكنه أعرب في الوقت نفسه أن خطته قد تفشل، ويحاول الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، البحث عن دور في ظل تهميشه وإقصائه، ومناوأة أمريكا له اقتصاديا وسياسيا، فليس هناك أية رؤية واضحة عن ماهية الدولة الفلسطينية المزعومة؛ أهي دولة على الورق أم مكان خارج سياق الضفة الغربية، أم حكم ذاتي اقتصادي فلسطيني فيما تبقى من بقية من الأراضي الفلسطينية؟ مما يجعل أوروبا تسعى للتأثير ومباشرة المحادثات بين السلطة الفلسطينية وكيان يهود، التي باتت وشيكة في ظل التهيئة الفلسطينية من مصالحة بين حماس وفتح وإجراء الانتخابات.
يلاحظ من متابعة مشاريع الحلول التي يطرحها المستعمر الغربي الكافر في المنطقة فيما يتعلق بقضية فلسطين منذ عقود من الزمن، عقم هذه الحلول التي لن يكتب لها النجاح، واصطدامها برفض الأمة المتنامي لأي من هذه الحلول لزرع كيان يهود في جسد هذه الأمة التي تعتبر قضية فلسطين قضية إسلامية بامتياز ترتبط بعقيدتها ودينها وتطلعها للحل الوحيد لها وهو استئصال هذا الكيان المسخ الذي مد بحبلٍ من الناس، وهو حبل أمريكا وأوروبا المتآمرتين مع أتباعهما من الحكام العرب، فقد استنفدت علاجات تثبيط رفض الأمة لهذا الكيان غير الطبيعي، وباتت الأمة أقرب إلى أن تفرض نفسها طرفاً في الصراع مع هذا المستعمر وعملائه من حكام المسلمين، لفرض الحل الشرعي الوحيد الذي تحتمه عليها عقيدتها ودينها بقتال يهود وإخراجهم الأبدي من الأرض المباركة، الذي يستدعي بالضرورة إقصاء حكامها الذين لا يستندون في شرعيتهم إلا إلى المستعمر الأمريكي أو الأوروبي إلى غير رجعة، قال ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلهُمْ الْمُسْلِمُونَ...».
بقلم: د. عبد الله شاكر – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع