عاد رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان؛ عبد الفتاح البرهان يوم الأربعاء الماضي إلى العاصمة السودانية الخرطوم، بعد زيارة إلى الإمارات استغرقت ثلاثة أيام، التقى خلالها مسئولين أمريكيين وإماراتيين، وذكرت وكالة السودان للأنباء (سونا) أن مباحثات البرهان تناولت دور السودان في تحقيق السلام العربي مع كيان يهود، مضيفة )أنها ناقشت عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب)، وأضاف البرهان أن نتائج المحادثات مع الوفد الأمريكي في أبو ظبي ستعرض على مؤسسات الحكم الانتقالي، مؤكداً على حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وفق حل الدولتين. وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن السودان توصل لاتفاق مع الوفد الأمريكي يتضمن حذف اسم الخرطوم من لائحة الدول الداعمة للإرهاب قد يعلن عنه خلال أيام، إضافة للاتفاق على تقديم دعم أمريكي للسودان قدره سبعة مليارات دولار، وذكرت مصادر صحفية أن السودان وافق مبدئيا على تطبيع علاقته مع كيان يهود مشترطاً تنفيذ حزمة المطالب التي تقدم بها في محادثات أبو ظبي، إضافة إلى التفاوض على إصدار تشريع يضمن عدم ملاحقة الخرطوم في أي قضايا أخرى!
وأوضحت المصادر أن الفريق الأمريكي أجرى خلال جولات المفاوضات أكثر من اتصال بكل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، ويتوقع بحسب الصحيفة أن تدفع حكومة السودان تعويضات ضحايا تفجيرات المدمرة الأمريكية إس إس كول في خليج عدن، وضحايا تفجيرات سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا في حساب مشترك يتم الصرف منه حال إكمال بنود الاتفاق، وقد أكد السفير السوداني في أمريكا أن المبلغ جاهز الآن. هذا وقد أبدت بعض أحزاب التحالف الحاكم (قوى الحرية والتغيير) وأبرزها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والحزب الشيوعي، والبعث، وأحزاب قومية أخرى، أبدت اعتراضها على التطبيع مع كيان يهود.
ومن جانب آخر وفي رسالة وجهها وزير الخارجية الأمريكي إلى الكونغرس، جاء فيها، حسب لندن عربي (حث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الكونغرس على استعجال شطب السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، مشيراً إلى أن الخرطوم تخلصت أخيراً من الدكتاتورية الإسلامية)، وذلك في رسالة إلى رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي؛ زعيم الأغلبية الجمهورية ميتشل ماكونيل. واعتبر بومبيو في هذه الرسالة التي اطلعت عليها عربي 21 أن البلاد لديها فرصة لا تأتي إلا مرة واحدة لضمان أن يتم أخيراً تقديم تعويض لضحايا الاعتداءين الإرهابيين اللذين وقعا في العام 1998م ضد سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا. وأضاف أيضاً (لدينا نافذة فريدة وضيقة لدعم الحكومة الانتقالية بقيادة مدنيين في السودان). وطالب بومبيو الكونغرس بالتصويت على قانون يشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ويدخل حيز التنفيذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر كأقصى حد لضمان دفع التعويضات للضحايا في أقرب وقت، في وسط تقارير تحدثت عن استعداد الخرطوم في المقابل للمضي قدماً في التطبيع مع كيان يهود رفقة الإمارات والبحرين. رسالة بومبيو صدرت بتاريخ 16/09/2020، أي قبل أيام قليلة من المحادثات التي جرت في أبو ظبي بين الوفد الأمريكي ورئيس مجلس السيادة السوداني (البرهان).
وعلى صعيد متصل قالت صحيفة وول ستريت جورنال، إن خلافاً بين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يهدد بعرقلة صفقة بوساطة أمريكية لمساعدة السودان على تجاوز الفترة الانتقالية بحكومة مدنية مستقرة، وحل دعاوى الإرهاب التي تقدم بها الضحايا ضد نظام الرئيس المعزول، وتشترط الصفقة أن يتم التأكد من أن الحكومة الجديدة في السودان ستدفع مبلغ 335 مليون دولار، وفي المقابل ستزيل واشنطن تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، وتعيد له الحصانة السيادية من أي تبعات إضافية في المحاكم الأمريكية، ووفقاً لتقرير صحيفة وول ستريت جورنال فإن الجمهوريين، والعديد من الأعضاء الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ يؤيدون الصفقة التي يتعين على الكونغرس الموافقة عليها، غير أن زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، السيناتور روبرت مينينديز يعرقلون جهود هذه الصفقة.
إن ملف التطبيع بين السودان وكيان يهود مر بمحطات عدة؛ فكانت أولى المحطات حينما التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، رئيس كيان يهود في عنتيبي الأوغندية في 03/02/2020، ثم بعد ذلك فتح الأجواء السودانية لعبور طائرات كيان يهود، وقد عبرت أول طائرة قادمة من الأرجنتين إلى تل أبيب عابرة المجال الجوي السوداني، وذلك في 05/06/2020م، وفي آب/أغسطس صرح السفير حيدر بدوي صادق، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في تصريح له عن سعي السودان لإقامة علاقات مع كيان يهود كلفه منصبه في الوزارة، وفي المقابل أكد بدوي خبر إقالته، كما أكد لوسائل إعلام سودانية صحة الرسالة المنسوبة إليه، والتي قال فيها: (أقول للرئيسين، مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، احترموا شعبكم، واكشفوا لهم ما يدور في الخفاء بشأن العلاقة مع كيان يهود).
وفي المحطة قبل الأخيرة لقطار التطبيع قالت مصادر العين الإخبارية إن القائم بالأعمال لدى سفارة السودان السفير أميرة عقارب شاركت في حفل توقيع السلام الإماراتي البحريني مع يهود، وفي الإمارات جرى بحث التطبيع مع رأس القمة في هرم السلطة في السودان رئيس مجلس السيادة البرهان من غير مواربة، وبتصريحات بعيدة عن اللغة الدبلوماسية في خطوة عدها الكثير من المراقبين الخطوة قبل الأخيرة للتطبيع مع كيان يهود.
لقد جاءت هذه الخطوة التطبيعية في وقت يمر فيه السودان بأزمات طاحنة تأخذ بعضها برقاب بعض؛ أزمة في الخبز، وأزمة في الوقود، وأخرى في غاز الطهي، مع تدهور مريع في قيمة العملة السودانية، وتضخم بلغت نسبته 166%، كل ذلك من أجل تركيع السودان وشعبه للقبول بهذه الجريمة الشنيعة، والإقرار بكيان يهود، وتسليمه الأرض المقدسة التي بارك الله حولها، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.
وبالرغم من أن الشعب في السودان في مجمله يرفض مسار التطبيع، إلا أن سعي البرهان لتسويق نفسه لأمريكا، ليكون رجل المرحلة القادمة في السودان يجعل الاستعداد لديه عالياً للاستجابة للضغوط الأمريكية، خاصة وأن ترامب يعتبر موضوع التطبيع هو الكرت الرابح، والورقة الأخيرة التي يريد أن يدخل بها الانتخابات الرئاسية القادمة في أمريكا.
رأيك في الموضوع