قال عضو المجلس المركزي، أحمد حضرة، لـ"سودان تربيون" 16 أيلول/سبتمبر 2020م: "اتفقنا على تخصيص 40% من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي للنساء وأشار إلى أن كل كتل الحرية والتغيير ستخصص 40% من نصيبها في البرلمان للعنصر النسائي، ويشمل ذلك أيضاً الحركات المسلحة والجهات التي ستشارك بممثلين في البرلمان مثل لجان المقاومة...
منحت الوثيقة الدستورية 67% من مجموع مقاعد المجلس التشريعي لقوى إعلان الحرية والتغيير، فيما تذهب الـ33% المتبقية إلى القوى المؤيدة للثورة ولم توقع على ميثاق الحرية والتغيير، يشارك في اختيارها المكون العسكري بمجلس السيادة. إن هذه الحسبة تؤسس العمل السياسي للمرأة على أساس العلمانية وفصل الدين عن الحياة لأن القوى السياسية الآنفة الذكر تعلن علمانيتها ولا تخفيها فيصبح دور المرأة السياسي هو مطية تتسلق فوقها وباسمها أفكار الديمقراطية الرأسمالية لتلقم منصبا أو مقعدا في البرلمان الذي يشرع بأهواء الرجال فيظلم المرأة والحجر والشجر فتكون هذه الحقبة هي امتداداً للأنظمة الوضعية، ورجوعاً للوراء، وردة في التطور الحضاري للمسلمة يرجعها إلى القرون الوسطى بعد أن منّ الله على المرأة بالتكريم والرفعة بتشريع رب البشر.
ماذا تفعل المرأة في السودان بمقاعد البرلمان وهي مثال للمعاناة! ففي الوقت الذي تتصارع فيه القوى السياسية على مقاعد البرلمان نجد حال المرأة في السودان تختصره معاناة الفيضان هذه الأيام، وقد نقلت صحيفة السوداني معاناة أهل النيل الأبيض حيث وثقت لـ(الراكوبة) وهي نوع من الماوي مصنوعة من سيقان الأشجار القديمة.. مساحتها 3 أمتار وعرضها 4 أمتار.. بداخلها 26 امرأة و34 طفلاً دون الخامسة، جلسوا فيها لتنجيهم من هجير الشمس، لكن خابت توقعاتهن فأشعتها الحارقة تتسرب إلى الراكوبة رغم أنهن وضعن قطع قماش مهترئة، فيما تمددت امرأة سبعينية بجسدها النحيل على سرير تآكلت إحدى أرجله، رغم ضجيج المكان إلا أنها غارقة في نومها، ذلك المشهد كان بولاية النيل الأبيض بقرية قوز عوض الله التي دمرتها السيول الشهر الماضي... مع كل هذه المعاناة يبشرون المرأة بزيادة مقاعد البرلمان! فهل لو أعطيت المرأة كل مقاعد البرلمان ستحدث حلاً لما تعانيه المرأة في السودان في ظل أنظمة الحكم الرأسمالية التي تكتفي بالمشاركة الصورية للمرأة في الحياة السياسية؟
لقد أسس الإسلام دور المرأة في العمل السياسي على العقيدة والأحكام الشرعية وأكد على مشاركتها في العمل السياسي، فكانت المرأة تمارس حقها في الأمور العامة في الدولة الإسلامية على أوسع نطاق؛ لقد كانت تبايع ولي الأمر، وتراجعه فيما يريد اتخاذه من سياسة وتقدم حجتها، وقد يعدل عن رأيه نزولا عند رأيها، والتاريخ الإسلامي حافل بمشاركة المرأة السياسية، فالمشاركة السياسية التي كفلها الإسلام للمرأة هي أحكام شرعية تستند إلى عقيدة الإسلام.
أما ما تبثه النسويات من هضم حقوق المرأة السياسية في الإسلام لتجر المرأة للعمل السياسي بحقوق وواجبات من تصميم البشر، فهو افتراء... فقد أحكم الله تعالى توزيع المسؤوليات بين الرجل والمرأة، بتشريع يوافق طبيعة كل منهما حق التوافق، وإنصافاً يعطي لكل منهما حجمه ودوره الطبيعي في الحياة. ذلك أن الله سبحانه كلف المرأة والرجل، وجعل جزاء الأعمال بالثواب والعقاب لمن يعمل مثقال ذرّة من خير أو مثقال ذرّة من شرّ، ومن هنا كان الأصل في أعمال الإنسان المسلم هو التقيّد بأحكام الشرع، وكان الالتزام بالمفاهيم الإسلامية والأحكام الشرعية من منطلق الإيمان بأحقيّة الله سبحانه في التشريع والرضا بأحكامه عن قناعة تامة وتسليم، بوصفها هي الحق والخير والعدل وما عداها هو الضلال. والإسلام يحرم المشاركة السياسية في الأنظمة الوضعية التي تجعل برلماناتها نداً لرب العالمين يشرع بالأغلبية فيحرمون الحلال ويحللون الحرام!
ويجب أن لا يخلط بين عمل البرلمان الذي هو تشريعي بحت وبين وجود المرأة في مجلس الأمة كممارسة سياسية أجازها الشرع، فالإسلام أجاز للمرأة أن تترشح لمجلس الأمة باعتباره وكيلاً عن الأمة في المحاسبة والشورى، لأن الشورى حقٌ للمرأة والرجل على السواء، والمحاسبة واجبة على كليهما، وللمرأة شرعاً أن تكون وكيلاً لغيرها أو توكلَ غيرها في الرأي. وقد تجلى دورُ المرأة المسلمة في الشورى لما أمر النبي ﷺ الصحابة بعد عقد صلحِ الحديبية أن يقوموا فينحروا هديهم... فلما لم يقم منهم أحد، قام ﷺ فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقيَ من الناسِ وقد أهمَّهُ ذلك وشقَّ عليه ﷺ فأعطته نعم الرأي السديد والمشورة؛ ففِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ الصّحِيحِ أَنّهُ عَلَيْهِ الصلاة السّلَامُ دَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ وَشَكَا إلَيْهَا مَا لَقِيَ مِنَ النّاسِ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا وَيَنْحَرُوا، فَلَمْ يَفْعَلُوا لِمَا بِهِمْ مِنْ الْغَيْظِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، اخْرُجْ إلَيْهِمْ فَلَا تُكَلّمْهُمْ حَتّى تَحْلِقَ وَتَنْحَرَ، فَإِنّهُمْ إذَا رَأَوْك قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ لَمْ يُخَالِفُوك. فَفَعَلَ ﷺ وَفَعَلَ النّاسُ.
أما محاسبة الحكام فقد قامت بها الصحابيات ومارسنها دون إنكار من الصحابة، فحينَ تولى عمر الخلافة اعترضت طريقه خولة بنت ثعلبة وقالت له ناصحة: "كنا نعرفك عُوَيْمرا ثم أصبحت عمرَ بن الخطاب أميرا للمؤمنين، فاتّقِ اللهَ يا عمر فيما أنت مستخلف فيه"، وكذلك أنكرت سمراء بنت نَهِيكٍ الأسدية على عمر نهيه أن يزيد الناس في المهور على أربعمائة درهم، فقالت له: "ليس هذا لك يا عمر: أما سمعت قولَ اللهِ سبحانه ﴿وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطَاراً فلا تَأخُذوا مِنْهُ شَيْئا﴾؟" فقال: (أصابَتْ امرأة وأخطأ عُمَر).
أما أم هانئ بنت أبي طالب عندما استجار بها رجل من المشركين (وهو ما يعرف اليوم بطلب الحماية)، وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله فقبل رسول الله ﷺ حمايتها للرجل، وقال: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». لهذا يجب أن تكون مشاركة المرأة السياسية على أساس الإسلام وأحكامه فتمارس المسلمة حقوقها السياسية الشرعية وأن لا تقبل بإعادة تدوير الأنظمة الوضعية الفاسدة، وأن تعمل على التغيير الحقيقي، ألا وهو إقامة دولة العدل والإنصاف دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتنجو وتفوز بخيري الدنيا والآخرة.
رأيك في الموضوع