تشهد مصر هذه الأيام حراكا ثوريا جديدا ومتغيرا، عفويا وغير منظم يمتد من شمال مصر لجنوبها لم يبدأ استجابة لدعوات أحد بل كان ناتجا طبيعيا للغضب المكبوت داخل نفوس الناس والذي فجرته سياسات النظام الكارثية وغلظته في تنفيذ قراراته وخاصة تلك الأخيرة المتمثلة في هدم المساجد والمنازل بدعوى أنها مخالفة ولم توفق أوضاعها.
قرارات الهدم الأخيرة أصابت فئات من الناس، ربما لا تشاهد الجزيرة ولا قنوات المعارضة، بل ربما تكون ممن يتلقى من قنوات النظام وإعلامه. والآن صارت في مواجهة الحدث وصارت تدرك كذب النظام إن لم تكن تدرك من قبل، وترى بعينيها نتيجة قراراته التي تضع الناس جميعا في أزمة حقيقية لا مفر منها، حتى الدعاية بأن من وراء الحراك والمحرضين عليه هم الإخوان لم تفلح ولم تجد صدى، فالناس في الشوارع يطالبون الإخوان بالنزول وحتى فيما تسرب من التقارير التي نسبت للمخابرات أقرت بأن الإخوان لم يشاركوا وتخوفت من مشاركتهم.
حتى محاولات إعلام النظام تجاهل الأحداث كما فعل سابقا في بداية ثورة يناير هي محاولات مفضوحة فضحها تراجع النظام عن بعض قراراته ولو بشكل ظاهري، ومد فترات تنفيذها لمحاولة امتصاص غضب الشارع، ولكن كيف بمن هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم وكيف بالمساجد المغلقة أو تلك التي هدمت وقد بناها الناس أيضا بجهودهم، لقد خرج أهل مصر بهتاف جديد (لا إله إلا الله السيسي عدو الله)، ورأينا صبية صغار يمزقون لافتات عليها صورة السيسي، في تعبير واضح عما تحمله نفوس الناس تجاه النظام الذي يتعامل معهم ومع قضاياهم ومشاكلهم بعصاه الغليظة دون رحمة بهم أو شفقة، منكلا بكل من يعترض على قراراته بل مصائبه التي تحل فوق رؤوسهم، معولا على الخوف الذي زرعه في النفوس بآلته القمعية، إلا أن الأمور في مصر كارثية أو تنذر بكارثة حقيقية ربما ينتج عنها فراغ سياسي، فالشعب لن يقبل بأي حلول وسيرتفع سقف مطالبه خاصة مع ما تعرض له الناس من إذلال على يد زبانية النظام، ويقينهم أن النظام كاذب لا يفي بوعوده الزائفة وما تراجع إلا خوفا من حراكهم، ولو تراجعوا فلن يرحمهم كما فعل سابقا بل ستزيد حدة قراراته الكارثية، ولذا فكل محاولات الترقيع لن تجدي لأن الثوب قد بلي تماما، وعندما يبلى الثوب فلا مفر من تغييره، وكل التفاف أو قرارات ترقيع أو تغييرات لن تجدي بل سيكون مردودها أسوأ وعواقبها أشد حتى لو استمر الوضع والحراك الثائر لسنوات، فستبقى تحت الرماد نار وستشتعل يوما لتحرق أيديهم قبل الثوب نفسه.
الثوب البالي هنا هو الرأسمالية التي تحكم مصر منذ عقود خلت أكلت فيها الأخضر واليابس ولم تبق لأهل مصر شيئا، بل أورثتهم قروضا يتحملون أعباءها، فلا تملك حلولا لمشكلات ولا علاجا لأزمات بل هي السبب الرئيس في كل ما تعانيه البلاد من فقر وجوع ومرض، وصار لزاما على نظام الجباية إفراغ جيوب الناس مما تبقى للناس من مدخرات حتى يسدد فواتير الديون والربا المفروض عليها، بينما يتخلى وبغرابة شديدة لشركات الغرب عن مشاريع عملاقة أنفق عليها تلك القروض التي يُحمّل الناس أعباءها.
هذه الهبّة الشعبية ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة طالما بقيت الرأسمالية وأدواتها في حكم مصر، فبوجودهم تبقى الأزمات وتتفاقم، والشعب لم يعد لديه ما يمكّنه من الصبر لعقود قادمة مع الوعود الزائفة والنهب المستمر لثرواته ومدخراته وحتى جهوده؛ ولهذا فهذه الهبة ستستمر وسيكون لها ما بعدها حتى وإن لم تحمل المشروع الحضاري الذي تحتاجه والبديل لهذا النظام، فستبقى ثورة تتنقل بين مراحل الوعي حتى تدرك سبيل النجاة وتضع يدها على البديل الحقيقي والوحيد.
إن العلاج الحقيقي لمشكلات مصر سهل ميسور؛ فما تملكه من موارد وثروات وطاقات ومساحات واسعة قابلة للإعمار والإحياء يؤهلها لأن تكون دولة كبرى إن لم تكن الأولى، لكن هذا غير ممكن في ظل الرأسمالية وأدواتها وعصابة الجنرالات التي تحكم، والتي تعتبر مهمتها هي تسليم ثروات البلاد للغرب ورعاية مصالحه في مصر والمنطقة مهما كلف الأمر مقابل البقاء في الحكم، ولهذا فأي تغيير يجب أن يكون باقتلاع هذا النظام وأدواته ورموزه ويجب أن يملك مشروعا بديلا للرأسمالية يتضمن تصورا واضحا لكيفية إدارة الموارد وإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الناس بالعدل.
إن البديل الحقيقي الذي يحتاجه الناس هو تطبيق الإسلام كاملا شاملا وهو بين أيديهم وإن لم يدركوه، وهو وحده الذي يحفظ كرامتهم التي أهدرها النظام، وهو وحده الكفيل بعلاج كل مشكلات مصر والحفاظ على ثرواتها، نظام أساسه الوحي المنزل على نبينا ﷺ لا ينقصه غير نصرة صادقة مخلصة من جيش الكنانة تمكن المخلصين الواعين عليه من تطبيقه وسياسة الناس ورعاية مصالحهم به على الفور.
أيها المخلصون في جيش الكنانة: إنكم أمام ثورة أمة لن تهدأ ولن تستكين حتى ترى راية الإسلام خفاقة ودولته قائمة وشرعه مطبقا، فحددوا أولوياتكم وانظروا لمن سيكون انحيازكم؛ لأمتكم ودينكم، أم لخائن يبيع أمتكم وبلادكم ويعادي دينكم ويهدم مساجدكم وبيوتكم؟ وحين يأتي الموت والحساب لن ينفعكم بل سيتبرأ منكم ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾، وما يعطيكم النظام ويمنحكم من رواتب وثروات ومميزات على سبيل الرشوة يشتري بها صمتكم على جرمه، هو نزر يسير من بعض حقوقكم التي كفلها الإسلام لكم في دولته، فلا تأخذوا حقكم من حرام ولا تلوثوا خبزكم بدماء أهلكم المقهورين في أرض الكنانة، وإنه لا نجاة لكم إلا بانحيازكم لأمتكم ودينكم ونصرة المخلصين العاملين لتطبيقه، نصرةً صادقة رغبة في إعلاء كلمة الله وطمعا في مغفرته عسى الله أن يتقبل منكم ويفتح عليكم فتكون الدولة التي تعز الإسلام وأهله خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع