كتبت قناة الحرة بتاريخ 16/9/2020م: (لم تكن غريبة محاولة "الثنائي الشيعي" في لبنان، حزب الله وحركة أمل، الالتفاف على جوهر المبادرة السياسية الفرنسية التي جاء بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عقب انفجار بيروت).
والنظر في هذا الأمر، أي المبادرة الفرنسية، ومحاولات تعطيلها، يقتضي أن ننطلق من بعض الأمور في وضع المنطقة ولبنان:
- لبنان يصول ويجول فيه أتباع لأمريكا وأوروبا؛ أتباع أمريكا سواء أكانوا مباشرة مثل ميشيل عون ونبيه بري أم كانوا بصورة غير مباشرة مثل حزب إيران في لبنان، هؤلاء هم الطرف الأقوى مادياً. أما أتباع أوروبا خاصة بريطانيا وفرنسا فهم الطرف الأضعف مثل سمير جعجع ووليد جنبلاط، وهؤلاء لا يستطيعون حسم القرار، وإنما يقومون بأعمال تربك الطرف الآخر.
- الدور الإيراني وأجنحته في المنطقة هو سياسة أمريكية مدروسة بشكل محكم، وهذا الدور يتوسع ويتقلص وفق متطلبات السياسة الأمريكية وحسب الظروف.
- استغلال أوروبا الاتفاق النووي بالانفتاح التجاري على إيران، وتخفيف علاقاتها التجارية في أمريكا.
- سعي أمريكا الدؤوب لتوقيع اتفاق أحادي الجانب مع إيران، لا تستفيد منه أوروبا، وليس أدل على وجود مفاوضات من تحت الطاولة بين أمريكا وإيران من تصريحات ترامب في حملته الانتخابية الحالية، فقد نشر موقع سبوتنيك في 13/8/2020م تصريح ترامب: (إذا فزت بالانتخابات فسوف أبرم صفقة مع إيران في غضون 30 يوماً)، ثم قوله في 22/8/2020م بحسب موقع جريدة المدن الإلكترونية: (هم سيعقدون صفقة، وأقول إنهم سيعقدونها خلال شهر، ولكنني أقصد أسبوعاً. وأود أن أكون دقيقاً).
- تضخيم العداء الأمريكي لإيران وبخاصة أمام السعودية وأمثالها ليحل هذا العداء مع إيران مكان حالة العداء مع كيان يهود.
ومن هنا نستطيع الانطلاق في فهم ما يحدث في الواقع اللبناني:
- محاولة فرنسية للدخول على خط الأزمة اللبنانية، علها تستعيد بعض دورها المفقود أو الضعيف، مستغلةً حدثاً عالميَّ الطابع، أي أنفجار بيروت الكارثي.
- هذه المحاولات دعمت بتواصل فرنسي مع إيران، عقب زيارة ماكرون الأولى إلى لبنان في 6/8/2020م، تمثل باتصال ماكرون بروحاني، يعتقد أنه وضح فيه لروحاني دعم فرنسا لإيران في مجلس الأمن ضد تمديد العقوبات، والطلب من إيران الإيعاز لحزبها في لبنان تسهيل مهمة ماكرون والمبادرة الفرنسية.
- صاحب هذا ظهور تصريحات فرنسية لافتة بشأن حزب إيران في لبنان، فقد نقل موقع قناة الجزيرة في 1/9/2020م تصريحاً لماكرون خلال زيارته للمرفأ المدمر حيث قال: "إن حزب الله جزءٌ من النظام السياسي اللبناني ومنتخب"، ما دفع بعض الأوساط الإعلامية وما تبقى من الحَراك إلى نعي المبادرة الفرنسية واعتبار ذلك تعويماً للنظام، وبالطبع كان من اللافت للنظر في زيارة ماكرون الأولى إلى لبنان في 6/8/2020م جلوسه مع عضو حزب إيران اللبناني في البرلمان ورئيس الكتلة الممثلة للحزب في البرلمان محمد رعد مرتين، بل لا تزال الاتصالات مستمرة مع الحزب حيث التقى مؤخراً السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه بمسؤول العلاقات الخارجية في الحزب عمار الموسوي، في إطار المساعي الفرنسية لحلحلة ملف تشكيل الحكومة العالق بسبب إصرار حزب إيران وحركة أمل على التمسك بوزارة المالية!
- تواكب ذلك مع استمرار قيام فرنسا وأوروبا بتعطيل تجديد العقوبات الأممية ضد إيران، التي طالبت بها أمريكا في مجلس الأمن، وصولاً في 20/9/2020م إلى إعلان أمريكا بشكل أحادي الجانب إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران، ودفع كذلك وزير الخارجية الأمريكي إلى التصريح في 20/9/2020م (نتوقع من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الالتزام الكامل بتعهداتها بتطبيق العقوبات على إيران)، بل وصل في كلامه إلى التهديد: (في حال فشلت إحدى الدول في فرض العقوبات الأممية على إيران ستكون هناك عواقب)، بينما كانت التصريحات الفرنسية خلاف ذلك، فقد قال مندوب فرنسا في الأمم المتحدة في 20/9/2020: (سيستمر رفع العقوبات الأممية عن إيران وستبقى طهران خاضغة للمحاسبة حتى تفي بالتزاماتها)، (فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستبقى ملتزمة بتنفيذ كامل الاتفاق النووي مع إيران)، (الاتفاق النووي هو السبيل الوحيد للمضي قدما لاحتواء برنامج إيران النووي).
فيما نرى أن تصريحات أمريكا وأفعالها في لبنان، تنحو باتجاه التعطيل:
- ظهر فجأة اسم جديد على الساحة في لبنان هو مصطفى أديب، بوصفه هو الذي سيشكل الحكومة الجديدة، ويغلب على الظن أن أديب خرج من تحت عباءة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة سابق وهو نجيب ميقاتي، حيث عُرف قرب مصطفى أديب من بري خلال عمله سفيراً في ألمانيا، وعُرف بكونه مستشاراً وممثلاً لنجيب ميقاتي، وكلا الرجلين يدينان بالولاء لأمريكا.
- تصريحات نارية ضد حزب إيران من أقطاب السياسيين الأمريكيين، في تناسب مع سعي أمريكا لتقليص دور إيران وأجنحتها، قالت المتحدثة مورغان أورتاغوس لقناة الحرة، في 2/9/2020م: (إن حزب الله المدعوم من إيران هو منظمة إرهابية لا تزال تشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة وشركائها الدوليين)، وغيرها من تصريحات لبومبيو وشنكر.
- مسارعة أمريكا لفرض عقوبات على شخصيات ومؤسسات قالت إنها تدعم حزب إيران، وهذا إن كان متناسباً الآن مع الضغط على إيران، والعمل على إعادة رسم دورها، إلا أن رجالات أمريكا في لبنان جعلوها عِصياً في دولاب التشكيل، فقد أصر بري وحزب إيران على التمسك بحصتهم في التشكيلة، وهذا معلوم أنه يعطل تشكيل الحكومة، ما حدا برئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب لمحاولة الاستقالة، ولكن قيل إن تدخلاً فرنسياً طلب منه الاستمهال في الأمر، وكان لافتاً الخبر الذي أوردته محطة "إم تي في" التلفزيونية اللبنانية على مواقعها في 19/9/2020م: (فرنسا طلبت من إيران إقناع "الثنائي الشيعي" بالتخلي عن حقيبة المالية، مقابل عدم التصويت على الاقتراح الأمريكي بفرض عقوبات على طهران في مجلس الأمن الاثنين إلا أنَّ إيران تنتظر مواقف الدول الأوروبية الأخرى).
هذا الواقع الفرنسي الأمريكي، يدفعنا للقول: إنَّ الوضع المتأزم بين أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً من جانب، وأمريكا من جانب آخر، جعل الملف اللبناني يقع ضمن هذه الدائرة، دون أن يعني ذلك اختلاف وجهات النظر بين فرنسا وأمريكا تجاه حزب إيران بشكل جذري، بل هو اختلاف متعلق بمكاسب اقتصادية أوروبية خسرتها بسبب تعطيل الاتفاق النووي من جانب أمريكا، وعمل أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً على محاولة استعادة هذه المكاسب، فكانت الساحة اللبنانية إحدى الساحات التي تترجم هذه المناكفة الفرنسية الأمريكية، لذا يمكننا أن نضع فعل ما يُسمى "الثنائي الشيعي" الالتفاف على جوهر المبادرة الفرنسية، في سياق التعطيل الأمريكي المباشر عبر نبيه بري، أو بشكل غير مباشر عبر حزب إيران بإيعازٍ من إيران.
رأيك في الموضوع