تتسارع الأحداث في اليمن باتجاه تشكيل جبهتين؛ جبهة فرضها الحوثي في شمال اليمن والعاصمة صنعاء بقوة المليشيات العسكرية التابعة له، وجبهة فرضها عبد ربه منصور هادي بانتقاله إلى عاصمة جنوب اليمن مدينة عدن، وأخذ في حشد وتنظيم اللجان الشعبية التابعة له بالإضافة إلى بقايا القوات المسلحة المتواجدة في الجنوب، وأخذ يجمع أنصاره من القبائل والحراك الجنوبي التابع له.
تتسارع الأحداث في اليمن باتجاه تشكيل جبهتين؛ جبهة فرضها الحوثي في شمال اليمن والعاصمة صنعاء بقوة المليشيات العسكرية التابعة له، وجبهة فرضها عبد ربه منصور هادي بانتقاله إلى عاصمة جنوب اليمن مدينة عدن، وأخذ في حشد وتنظيم اللجان الشعبية التابعة له بالإضافة إلى بقايا القوات المسلحة المتواجدة في الجنوب، وأخذ يجمع أنصاره من القبائل والحراك الجنوبي التابع له.
وصار المشهد واضحا لا يخطئه الناظر إلى الوضع السياسي هناك؛ عاصمة يمسك بأطرافها وقواها العسكرية ومؤسساتها الحوثي وتقف من خلفه إيران بدعم سياسي وعسكري وعقائدي، وعاصمة مؤقتة اتخذها هادي ملاذا له يستجمع فيها قواه ويستند إلى دعم دويلات الخليج التي لا تعترف بغيره حاكما (شرعيا) لليمن.
إلا أن المتعمق في النظر إلى ذلك المشهد يشاهد شيئا آخر، وهو أن هذه القوى ليست هي القوى الحقيقية المؤثرة في الواقع السياسي، فالحوثي من جهته يعتمد على تغطية المبعوث الأممي جمال بن عمر له ويناور من أجل كسب مزيد وقت لفرض تمدده في الشمال اليمني، ومن جانبه جمال بن عمر تقف خلفه أمريكا التي تعتبر الحوثي طرفا شرعيا في اليمن، وأنه لا بد من إشراكه في العملية السياسية والسلطة لمنطق القوة التي هي أسلوب أمريكا المحبب. وبالنتيجة فإن اجتماعات مجلس الأمن والقرارات التي تقدمها بريطانيا لاستصدار عقوبات ضد الحوثي تجد من يقف ضدها إما أمريكا مباشرة أو أمريكا عن طريق الحليف الروسي.
وهذا يقودنا إلى الدور البريطاني الواضح في اليمن، إذ يكرر السفير البريطاني أن عبد ربه هو الرئيس (الشرعي) لليمن، وأن على الحوثي الانسحاب من صنعاء وتسليم مؤسسات الدولة. وقال السفير البريطاني إن حل الأزمة في اليمن مرتبط بالتوجه السعودي.
وبهذا يتضح لنا بشكل جلي أن بريطانيا في دعمها لنظام هادي تعتمد في ذلك على الدور الخليجي، بينما تعتمد أمريكا على الدور الإيراني لمزاحمتها (أي مزاحمة بريطانيا).
وما يؤكد ذلك هو اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الخميس الماضي 12 آذار/ مارس وخروجهم بموقف موحد لدعم عبد ربه هادي ورفض انقلاب الحوثي في صنعاء، وأعلنوا عن مؤتمر الرياض لحل الأزمة اليمنية، إلا أن الزياني (الأمين العام للمجلس) قال إن الحوار بين الأطراف اليمنية في الرياض يختلف عن الحوار الذي يديره بن عمر، وأن ذلك الحوار يقوم على أساس (الشرعية) التي يمثلها عبد ربه هادي، وعلى أساس الحفاظ على استقرار اليمن.
وهنا يتضح أن الدور الخليجي المطلوب هو دعم هادي وجميع الوسط السياسي (القديم) بما في ذلك حزب المؤتمر الذي يتزعمه علي صالح، ورفض التوسع العسكري للحوثي في شمال اليمن والعاصمة صنعاء تحديدا. ولهذا أدرك الحوثي أن ذلك المؤتمر موجه ضده فقام بمناورات عسكرية في منطقة الحدود الجنوبية للسعودية، في نفس توقيت اجتماع مجلس التعاون في رسالة واضحة للرياض.
وقال وزير الخارجية القطري العطية إن الحوثيين مدعوون إلى مؤتمر الرياض، وأضاف أن المؤتمر لكل من يريد حلاً للأزمة اليمنية.
والحقيقة أن الدور الخليجي في اليمن ليس وليد اللحظة، فلطالما لجأت الأطراف اليمنية المتصارعة إلى دول الخليج بقيادة السعودية في حل القضايا الشائكة في اليمن، فقد جاءت ما أسموها المبادرة الخليجية من الرياض بعد ثورة الشباب في شباط/فبراير 2011م ضد حكم علي صالح، وكثيراً ما تجتمع قيادات الحراك الجنوبي في الخليج، ورغم أن السفير البريطاني قد صرح بدعمه لمؤتمر الرياض، فلم نجد أن السفير الأمريكي قد دعى إليه رغم لقائه الأخير بعبد ربه هادي في عدن.
ويبدو أن الحوثي يراهن على دور مصري كطرف (محايد) لاحتضان مؤتمر للحوار بديلا عن حوار الرياض، إلا أن نظام السيسي هناك لا يبدو مع ثقل الأزمات الداخلية التي تعصف به، لا يبدو أنه أهل لاحتضان هكذا مؤتمر في الوقت الحالي.
وهكذا يبدو أن الحوثي لا يملك خيارا غير الخيار العسكري أو القبول بالمشاركة في مؤتمر الرياض الذي تركت دول الخليج لعبد ربه هادي تحديد موعده.
إلا أن الخيار العسكري يُعدّ مجازفة غير مضمونة للحوثي في ظل حشد هادي لقبائل مأرب وشبوة والبيضاء ضده، علاوة على اللجان الشعبية والحراك الجنوبي جناح باعوم الذي كسبه هادي إلى جانبه.
ويبدو أن دول الخليج بصدد الضغط السياسي باتجاه عقد المؤتمر في الرياض أو فرض مزيد من العزلة السياسية والجماهيرية داخليا وخارجيا ضد الحوثي.
ولا يبدو أن دول الخليج ستفرط في دعم هادي (وشرعيته) حتى لو وصل ذلك الدعم إلى الدعم العسكري المباشر والتدخل العسكري في اليمن، لأنها تدرك أن إيران بات لها مخلب طويل في المنطقة قد يتسبب في خدش استقرار الأنظمة هناك.
رأيك في الموضوع