نقلت وكالة إسنا للأنباء الإيرانية الأحد 8/3/2015 عن مستشار الرئيس الإيراني لشؤون القوميات والأقليات المذهبية علي يونسي، في مؤتمر «الهوية الإيرانية» بطهران قوله «الآن العراق ليس مجرد ساحة لنفوذ الحضارة الإيرانية، بل نعتبر العراق هويتنا وعاصمتنا، وكان هكذا من الماضي البعيد والآن أيضاً... إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»؟ وهاجم يونسي الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي، كل معارضي النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبرا أن "كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية"، قائلا "سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية"، على حد تعبيره.
فجّرت هذه التصريحات زوبعة من السجالات في المنابر السياسية والإعلامية في المشرق العربي تجأر بالتحذير من الخطر (الفارسي الصفوي الشيعي) الذي يتهدد مناطق السنة من الخليج إلى البحر المتوسط، بما سماه البعض (الهلال الفارسي). ما دفع يونسي يوم الثلاثاء 10/3/2015 لمحاولة تخفيف وطأة تصريحاته، فقال في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية: إن بلاده «تحترم سيادة واستقلال دول المنطقة ولا تتدخل في شؤونها الداخلية لا سيما العراق». ولكن هذه التصريحات تزامنت مع الإعلان السافر عن قيادة الضباط الإيرانيين لآلة حرب طاغية الشام وعميل أمريكا بشار الأسد، وقيادة قاسم سليماني لمعارك تكريت، بل ونشره مزيداً من الصور لنفسه، وصرح أحد قادة الحشد الشعبي لمحطة أمريكية: «لقد أصبحنا على مسافة كيلومترات قليلة من قبر صدام حسين»، فيما كشف جنرال أمريكي حقيقة أن من يُقاتل «داعش» في تكريت إنما هم عشرون ألفاً من قوات «الحشد الشعبي الشيعي» وأقل من ألف من مقاتلي العشائر السنية. وكما نقل حازم أمين في مقاله في الحياة: "فالحشد الشعبي الشيعي يُقاتل اليوم على أرض السنة في العراق وفي مدن السنة، وهو يترافق مع إيجاد زخم هائل للشعائر المذهبية، وعلى وقع لطميّات الانتصار على السنّة لا على تنظيم الدولة، كما يترافق مع حرص إيراني واضح على إظهار مشاركة ضباط الحرس الثوري في القتال". فضلا عن تصريحات أخرى من ساسة إيرانيين أن إيران أصبحت شرطي المنطقة من البحر الأبيض حتى باب المندب، وكل هذا تحت غطاء أمريكي معلن، بحجة ذريعتين: الأولى هي الاتفاق النووي مع إيران والذي أبدت إدارة أوباما تصميما وعزما على السير فيه برغم المعارضة القوية من الكونغرس، وهي الإدارة نفسها التي تذرعت بالحاجة للحصول على موافقة الكونغرس لتوجيه ضربة صاروخية ضد الأسد على إثر هجومه بالكيماوي على الغوطة الشرقية في شهر 8/2013، وهي اليوم تضرب بمعارضة الكونغرس للاتفاق مع إيران بعرض الحائط، كما أبدت الدول الأوروبية معارضتها للتساهل الشديد من قبل أوباما مع إيران بل وهددت بعدم توقيع الاتفاق إن لم يلبِّ الشروط الأوروبية، والذريعة الثانية هي أن "التطنيش الأمريكي" عن تعاظم دور شرطي المنطقة لإيران هو بسبب الحاجة إلى التصدي للخطر المزعوم الذي يشكله تنظيم الدولة. فأمام خطر التنظيم، بزعمهم، فإن جرائم بشار الأسد التي طالت الحجر والشجر وقتلت وسحلت أكثر من 220 ألفا من الضحايا من الرجال والنساء والأطفال وتسببت بنزوح 10 ملايين من أهل سوريا، تعد نكرة أو لا شيء. وقد تحدث قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري عن التأثير المتزايد للثورة الإسلامية في العالم الإسلامي وعن فتح مرحلة تصدير الثورة فصلاً جديداً. وواكبه قول مستشاره الجنرال حسين الهمداني إن العسكريين الإيرانيين حرروا 85 في المئة من الأراضي السورية وأن «الحرس الثوري» باشر إنشاء مجموعات دينية جديدة في سوريا وأنشأ 42 لواءً و140 كتيبة تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد معتبراً ذلك من أهم إنجازات قوات «الباسيج» في بلاد الشام. ويقود قاسم سليماني غرفة عمليات واحدة تشرف على جميع هذه المليشيات بمساعدة ضباط إيرانيين. ونقلت وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء عن مصادر مقربة من حزب الله اللبناني إن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني عيّن "مسؤولاً عسكرياً إيرانيا" لقواته في جنوب سوريا، وأكّدت المصادر على أن "المسؤول العسكري الذي عيّنه سليماني هو المسؤول المطلق لكل القوات المتمركزة جنوب وجنوب غرب دمشق، بما فيها قوات النظام العسكرية والأمنية ومقاتلو مليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية، والتي تحاول استعادة السيطرة من يد قوات المعارضة المسلحة في جنوب سوريا". ونبّه إلى أن الجيش السوري في الجنوب "بات ذراعاً تنفيذياً للحرس الثوري" الإيراني. المضحك المبكي في كل هذا هو تصريحات الجنرال الأمريكي ديمبسي الذي رأى أن المشاركة الإيرانية في الهجوم على تكريت إيجابية إذا لم تؤد إلى توترات مذهبية (!!!)، رغم معرفته الأكيدة أنه سيؤدي إلى مثل هذه التوترات. كما عبر الجنرال الأمريكي ديفيد بيتريوس عن قلقه من سيطرة المليشيات على الأراضي التي يتمّ تحريرها من تنظيم الدولة، داعياً إلى ضرورة إدخالها في القوات العراقية المسلّحة.
وبعد فقد أصبح واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار ما تمكره أمريكا بالمنطقة وأنها تتربص بنا الدوائر، ونحن نخاطب المسلمين جميعا من عرب وفرس وأكراد وأتراك وسنة وشيعة:
لا تركنوا إلى أمريكا وأوروبا، فأنتم أمة واحدة يحرم عليها أن تتفرق ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ويحرم عليكم أن تتنازعوا وإلا انهارت قوتكم وطمع فيكم عدوكم ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: حكم بما أنزل الله، وجهاد في سبيل الله... اعتصام بحبل الله وقطع الصلة بأعداء الله... نبذ الطائفية والعصبية «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». اتركوا المسميات الطائفية والمذهبية، وتمسكوا بالاسم الذي سمانا الله به، ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾، فعودوا إليه وأقيموا دولته، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبها تعزّون، وبها تخاطبون السحاب من جديد، وبها تعودون عباد الله إخوانا...
رأيك في الموضوع