استيقظت تركيا صباح الأحد 22/02/2015م على أخبار عملية إخلاء مخفر ضريح سليمان شاه، وبينما كانت الأخبار تتوارد على مراكز وسائل الإعلام؛ ألقى أحمد داود أوغلو بياناً صحفياً بخصوص التطورات الأخيرة من مقر رئاسة هيئة الأركان. وكما هي العادة انتقدت أحزاب المعارضة هذه العملية، واعتبرتها عملية لا يمكن القبول بها، وأنها بمثابة خسارة أرض تركية، وأن نقل الرفات إلى مكان آخر يعني الذل والهزيمة. وردّت الحكومة ووسائل الإعلام المقرّبة منها على هذه الاتهامات.
ونحن هنا نريد أن نبحث هذه المسألة انطلاقاً من وجهة نظر الإسلام. وسندخل في الموضوع مباشرة بعد التأكيد على عدة نقاط دون الدخول الكبير في التحليل السياسي؛
بداية، لماذا جاءت هذه العملية السريعة المفاجئة في هذا الوقت بالذات؛ رغم أن التهديدات الموجهة إلى المخفر كانت أقل مقارنة بالأشهر القليلة الماضية؟ فأنْ تجري هذه العملية العسكرية عقب مشروع "درب وزود" الذي وقّعت عليه تركيا وأمريكا مباشرة، يدفعنا إلى التفكير. أم إنها مناورة تتعلق بالمنطقة الآمنة التي تقف عندها تركيا على وجه الخصوص بإصرار؟ سنرى ذلك في المستقبل. وكل ما يمكن قوله هنا: إن أمريكا وتركيا قد انتقلتا إلى مرحلة جديدة في الموضوع السوري.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر؛ فكلما ذكرنا أن حل قضية سوريا وفلسطين وجميع أراضي المسلمين المحتلة يكمن في إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتحريك جيوش الأمة الإسلامية؛ انبرت لنا بعض الأوساط، واتهمتنا بالخيالية والبعد عن التفكير السياسي الواقعي. إن هذه العملية تكشف لنا مرة أخرى أنه بإمكانهم إرسال جيوشهم إلى سوريا إن أرادوا، وأنهم لا يترددون أيضاً في تحريك جيوش الأمة الإسلامية عندما تكون مصالح الكفار المستعمرين موضوع البحث، تماما كما حدث في كوريا في الماضي وفي لبنان وأفغانستان في الحاضر. وهذا يعني أننا لسنا خياليين كما يقول البعض. نعم! الدولة مكلّفة بالتحرك عندما تكون أرواح وأموال مواطنيها مهددة. لكنها منذ قيام الثورة المباركة في سوريا والمسلمون هناك يطالبون بنجدتهم من قبل تركيا عشرات المرات. حتى إنه قبل وقوع مجازر بانياس طالب وجهاؤهها رئيس وزراء في ذلك الوقت أردوغان بالتدخل لمنع وقوع المجزرة. لكن أردوغان أصم أذنيه في كل مرة عن كل هذه النداءات والاستغاثات، وأسلمهم لعجزهم دون نجدة أو نصير، ولم يستجب لنداءاتهم. فهل حياة 38 مواطناً أغلى وأهم من هذا العدد الكبير من ضحايا المسلمين في سوريا؟. فكيف تكون هذه الأخوة، وقانا الله منها؟ لا يفتأ أردوغان يؤكد على أنه مسؤول عن المسلمين في العالم! ويؤكد على هذا في كل خطاب استعراضي بعد الانتخابات، فما هي حقيقة كلامه؟.. الواقع يؤكد في كل مرة على أنه ليس سوى شعارٍ مزخرفٍ. فكيف يخدع زعيمٌ شعبَه؟ وكيف يكذب على شعبه، ألا يتقي الله؟...
إن الناظر في العملية يجد أنه لا يوجد فرق كبير بين الموقف التركي والموقف الإيراني في تدخله في سوريا؛
فإيران وحزبها في لبنان يتدخلون في سوريا، حسب زعمهم، لحماية أضرحتهم ومراقدهم من هجمات مجموعات الإرهابيين. وكذلك تركيا قامت بعمليتها بمزاعم حماية ضريح سليمان شاه في سوريا من احتمال هجمات الإرهابيين، فما الفرق بين العقليتين؟
علما أن هذه التبريرات ليست حقيقية. فنحن ندرك أن الحقيقة هي أن الدولتين تتحركان في سوريا بما تقتضيه المصالح الأمريكية، ولو أن الحكومة تحركت لحرصها على تركة الآباء وميراث الأجاد كما تزعم، لكانت أبدت الحساسية نفسها والحرص نفسه في مواجهة تدمير ميراث الأجداد الذي يجري في دمشق وحلب والمدن السورية الأخرى منذ ما يزيد على أربعة أعوام.
ثم متى كانت هذه الأضرحة والقبور أعظم عند الله من دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم؟ مع أن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة. أم أنهم لم يسمعوا بحديث رسول الله r الذي يقول فيه: «مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْك، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوء»وقوله r: «لئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم»، وفي رواية:«لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم»!،
فكيف تقوم هذه الحكومة بتحريك جيوشها من أجل إنقاذ رفاتٍ، أيا كانت قداسته؛ وتُمْسِكها عن نصرة إخواننا المسلمين الذين تراق دماؤهم الطاهرة الزكية منذ ما يزيد عن أربعة أعوام، وتُنتهك خلالها أعراض أخواتنا الطاهرات العفيفات، ويسلم أطفال المسلمين وشيوخهم إلى البرد القارس يموتون تحته بلا ملجأ أو موقد أو كساء... كيف تتحرك هذه الجيوش لنقل رفات، وتسكت وتنام عن هذه المظالم التي يهتز لها عرش الرحمن، وحرمتها عند الله أعظم من حرمة الكعبة؟ ولماذا؟
وأخيراً...
تحاول الحكومة أن تسَوِّق بين الناس لنفسها نصراً؛ بأن هذه العملية في إطار الحرص على ميراث الأجداد باعتبارها أمانة في عنقها. حسناً، أليس المسلمون الذين يهجّرون الآن من أراضيهم ويقتلون بكل وحشية وتنتهك أعراضهم وتغتصب أموالهم، أليسوا أمانة في أعناقهم من الله ورسوله الذي يؤمنون بهما؟ فإن كانوا حقاً حريصين على أمانات أجدادهم، ومخلصين في ذلك فليبادروا إلى إلغاء النظام الرئاسي الذي لا يقوم على أساس الإسلام، وليعلنوا دولة الخلافة على منهاج النبوة التي هي دولة أجدادهم، والتي هي الدرع الحامي لكل المسلمين ومقدساتهم وأماناتهم. أم تُراها مجرد أقوال للدعاية والاستهلاك لا تقوم على أساس حقيقي صحيح؟...
رأيك في الموضوع