وصل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث إلى العاصمة اليمنية صنعاء، الخميس قبل الفائت، حاملاً في جعبته خطته التي بدأ الترويج لها أخيراً من أجل استئناف مشاورات السلام بين الحكومة (الشرعية) وجماعة الحوثيين من غير شروط مسبقة.
وتزامنت عودة المبعوث الدولي إلى صنعاء للقاء القيادات الحوثية، مع مغادرة وفد من سفراء الاتحاد الأوروبي، في وقت اشتدت فيه المعارك بين قوات حكومة هادي وقوات الحوثيين، في جبهات نهم والجوف وصرواح والضالع. ولم يدلِ غريفيث بأي تصريح للإعلام لدى وصوله صنعاء، لكنه كان قبلها بساعات أصدر بياناً رسمياً انتقد فيه تصاعد المعارك بين الشرعية والحوثيين، كما غرد على "تويتر" منتقداً قصف الجماعة الحوثية لمأرب، واستهدافها منزل نائب في البرلمان اليمني في المدينة نفسها. وعبّر المبعوث الأممي في بيانه "عن قلقه العميق إزاءَ التصعيد الأخير في مستوى العنف في اليمن، والذي أسفر عن مقتل كثير من المدنيين الأبرياء".
وقال إنه كرر في اتصالاته المستمرة مع الأطراف المعنية دعوته لخفض التصعيد، "ودعا جميع الأطراف المعنية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتهدئة الأنشطة العسكرية، ما يتضمن حركة القوات، والغارات والهجمات الجوية، وهجمات الطائرات المسيرة، والهجمات الصاروخية". وأضاف أنه "دعا الأطراف للالتزام بتنفيذ المبادرات التي اتخذوها سابقاً للتهدئة وتعزيزها"، معتبراً أن "لخفض التصعيد دوراً حاسماً في استدامة التقدم الذي تم إحرازه فيما يخص التهدئة". وقال في البيان الذي نشر على موقعه الرسمي: "يجب أن نعمل جميعاً على دفع عملية السلام إلى الأمام، وليس إعادتها إلى الوراء. لقد عانى اليمن بما فيه الكفاية". وفيما يتعلق بقصف الجماعة الحوثية لمأرب بالصواريخ، قال غريفيث: "إن استهداف أعضاء البرلمان والمناطق المدنية أمر غير مقبول ومخالف للقانون الدولي".
وتأتي زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء بعد سلسلة لقاءات أجراها في الرياض مع قيادات في حكومة هادي، ضمن مساعيه لاستئناف المشاورات مع الجماعة الحوثية بغية التوصل إلى سلام شامل، وصولاً إلى فترة انتقالية جديدة.
وترفض حكومة هادي أي ذهاب إلى المشاورات مع الحوثيين قبل تنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالانسحاب من الحديدة وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن تعز، خاصة بعد مرور أكثر من عام على الاتفاق دون إحراز تقدم حقيقي في تنفيذه.
وفي الوقت الذي يحاول فيه غريفيث وسفراء أوروبيون إنعاش مسار السلام المتعثر بين حكومة ما يسمى بالشرعية وبين الحوثيين، رهن قادة الجماعة الحوثية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة بتحقيق عدد من الشروط، التي تضمن لهم تثبيت سلطاتهم والحد من شرعية حكومة هادي المعترف بها دولياً.
وفي هذا السياق، أفادت المصادر الرسمية للجماعة بأن قياداتها في صنعاء وضعوا عدداً من الشروط خلال لقائهم السفراء الأوروبيين الذين اختتموا الخميس زيارتهم إلى صنعاء، في سياق الجهود الدولية الرامية إلى استئناف مسار السلام في اليمن.
وذكرت المصادر الحوثية أن قادة الجماعة التقوا سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، هانس جروندبرج، وسفيري فرنسا وهولندا، كرستيان تستو، وإيرما فان ديورن.
ونسبت المصادر إلى وزير خارجية الحوثيين في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، هشام شرف، قوله: "إن الوصول إلى تسوية سياسية يتطلب وقفاً شاملاً لإطلاق النار في كل الجبهات ورفع الحصار عن جماعته بشكل كامل، على أن يسبق ذلك اتخاذ عدد من إجراءات بناء الثقة بشكل عاجل، يأتي في مقدمتها تحييد العملية الاقتصادية ودفع مرتبات موظفي الدولة وإعادة فتح مطار صنعاء والسماح بالدخول الدائم للسفن المحملة بالمشتقات النفطية والمواد الغذائية إلى ميناء الحديدة دون أي عوائق".
ويأمل المبعوث الأممي - بحسب ما جاء في إحاطته الأخيرة هذا الشهر أمام مجلس الأمن الدولي - أن يكون العام 2020 عاماً حاسماً لجهة التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الجماعة الحوثية والحكومة (الشرعية)، وذلك بعد عامين من تسلمه المهمة الأممية.
إن تزامن هذا التصعيد في جبهات القتال بين الطرفين وأهمها جبهة نهم القريبة من صنعاء والتي تبعد صنعاء عنها حوالي 30 - 40كم إنما هو تصعيد من حكومة هادي بعد توقف القتال فيها لما يقارب العامين وذلك من أجل الضغط على الحوثيين لقبول اتفاقيات السفراء الأوروبيين والمبعوث الأممي البريطاني، في الوقت الذي تلوح فيه حكومة هادي بموت اتفاق ستوكهولم وتهدد بعدم التعامل معه، ذلك الاتفاق الذي شرعن للوجود الحوثي في الحديدة وموانئها، يأتي ذلك بعد أن قصف الحوثيون معسكراً تابعاً لقوات حكومة هادي في مأرب وأدى لمقتل ما يزيد عن مئة شخص وجرح الكثير أثناء تأديتهم الصلاة كما صرحت وزارة الدفاع التابعة لحكومة هادي بذلك.
لكن نجاح هذا التصعيد والتهديد بالوصول إلى صنعاء يعتمد على جدية الداعمين في التحالف وخاصة السعودية الموالية لأمريكا حيث إن أمريكا جعلت من صنعاء خطاً أحمر وذلك لمنع استئصال الحوثيين من اليمن، والسعودية طبعاً لن تجتاز ذلك الخط الأحمر ولن توجه ضربة مميتة للحوثيين، خاصةً وقد أصبح الرئيس هادي مغيباً في قصور الرياض، وهكذا فلن نتوقع استمرار التقدم نحو صنعاء لقوات هادي وإنما هي مجرد ضغوطات لإخضاع الحوثيين لتسوية سياسية مرتقبة وقد تنقلب ضدهم وذلك إذا ما نجح الحوثيون بالتقدم في تلك الجبهات، خاصةً إذا لم تتحرك بقية الجبهات وقوات طارق عفاش التي صنعتها الإمارات نحو الحديدة لإحداث ضغط واختراق في صفوف الحوثيين ومواقعهم، كما أن اتفاق الرياض بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي لم يتم التقدم فيه حتى اللحظة رغم تزمين بنود الاتفاق وهذا ربما يجعل الأحداث في عدن تعود للواجهة مستغلة هذا التصعيد في جبهة نهم.
إن الصراع الأنجلوأمريكي مستمر في اليمن رغم أن الموالين للإنجليز محاطون بالكماشة الأمريكية وقد أصبحوا أسرى الموالين لأمريكا باتفاقيات ودعم وإقامة جبرية لقياداتهم وأولهم الرئيس هادي المغيب منذ ما يزيد عن عام.
إنه لن يصلح حال أهل اليمن إلا تحكيم الإسلام في حياتهم وفي نزاعاتهم، وإن الواجب عليهم العمل لذلك وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إن أرادوا الخلاص في الدنيا والفلاح في الآخرة.
بقلم: الأستاذ عبد المؤمن الزيلعي
رأيك في الموضوع