بدأت أحداث الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور الأسبوع الماضي بشجار بين شخصين من قبيلتين مختلفتين، فكان هذا الشجار سبباً في الحريق الذي أدى للأوضاع الكارثية من قتل وحرق وتشريد للآلاف حيث أحصى الهلال الأحمر السوداني 48 قتيلاً و231 جريحاً، بينما تقول مصادر قبلية محلية إن حوالي 70 شخصاً قتلوا في هذه الأحداث. ثم بدأ سيناريو إلقاء اللوم على الأجهزة الأمنية وتقصيرها في حفظ الأمن، ثم تعالت الأصوات بإقالة الوالي (العسكري). وهنا يمكن أن نقرأ هذه المطالبة بالسباق المحموم لتعيين ولاة مدنيين تابعين لقوى الحرية والتغيير، وكعادة السياسيين فإنهم يستثمرون في مآسي الناس وكوارثهم إن لم يكونوا هم من صنعها. فالجبهة الثورية التي تفاوض الحكومة من أجل السلام المزعوم أعلنت تعليقها للمفاوضات في مسار دارفور مطالبة الحكومة بالقيام بدورها في التحقيق في الحادثة وتقديم الجناة إلى محاكمات عادلة في الوقت الذي خرج فيه الآلاف في مظاهرات احتجاجية بالعاصمة الخرطوم تطالب بوقف الاقتتال القبلي في دارفور. والأمور تهدأ قليلاً في غرب دارفور ويرفع حظر التجوال فتندلع الأحداث عاصفة مرة أخرى في شرق البلاد في مدينة بورتسودان لتتجدد الاشتباكات بين قبيلتي النوبة والبني عامر، فيعلن والي البحر الأحمر حظر التجوال اعتباراً من الساعة الخامسة مساء الجمعة وحتى الساعة الخامسة صباحاً وكانت حصيلة الضحايا 14 قتيلاً و112 جريحاً حسب تصريح مديرة الصحة بالولاية زعفران الزاكي. وحتى كتابة هذه المقالة وفي الأثناء أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني اتخاذ التدابير والإجراءات لمواجهة الأوضاع الأمنية الراهنة ووجّه بتكوين لجنة تحقيق من الحكومة المركزية في أحداث الهجوم على مقر بعثة (يوناميد) في مدينة نيالا جنوب ولاية دارفور ونشر قوات إضافية في مناطق النزاعات وتعزيز وجود الشرطة في الطرقات.
إننا نعلم أن الاقتتال القبلي في السودان وبخاصة في دارفور وشرق السودان له أسباب سياسية من بينها الاستقطاب الحاد الذي مارسته الأحزاب السياسية بعد خروج المستعمر الإنجليزي، فكل حزب يستقطب قبيلة أو عدة قبائل وفي المنطقة نفسها يستقطب الآخر قبائل أخرى، ويبدأ التنافس ثم الصراع والحزازات والضغائن ثم يبدأ الاقتتال، وكان دائماً يحل عبر ما يسمى الجودية التي تقضي بدفع الديات على الأساس القبلي. وعندما جاء نظام الإنقاذ البائد سار على نهج الأحزاب نفسه في الاستقطاب القبلي وبخاصة عندما حدث التمرد في دارفور وشرق السودان لاحقاً، فانحازت بعض القبائل للحركات المسلحة المتمردة مما جعل الحكومة تسلح القبائل الموالية لها وتستخدمها في قتال المتمردين، وبالتالي أوجد هذا الوضع حالة من التوتر والتوجس في تلك المناطق وصارت المنطقة كلها عبارة عن برميل بارود قابل للاشتعال في أية لحظة. وعندما سقط النظام البائد تصور الناس أن الأمور ستتحسن بإلقاء الحركات المسلحة لسلاحها ظانين أن القضية (أي قضية التمرد) ستنتهي بزوال النظام البائد، إلا أنهم لم يدروا أن النزاع وإن كانت أدواته محلية ووقوده هم القبائل هنا وهناك إلا أن الصراع في حقيقته هو صراع نفوذ على السودان بين أمريكا التي لها رجالها في السودان وبصورة خاصة المؤسسة العسكرية، وبين أوروبا التي لها رجالها من الأحزاب والحركات المتمردة. وبما أن السودان الذي كان في فترة الثلاثين سنة الماضية خالصاً لأمريكا عبر نظام الإنقاذ البائد إلا أن أوروبا هي من أشعلت فتيل الحرب في دارفور وشرق السودان وغيرهما من أقاليم السودان المختلفة وعندما سقط نظام الإنقاذ وآلت الأمور في ظاهرها إلى رجال أوروبا، وأقول في ظاهرها لأن المكون العسكري وهو التابع لأمريكا هو المسيطر الحقيقي على الأمور في البلاد، وإن لم يمارس السلطة الفعلية التنفيذية لأن الحاكم الحقيقي هو من يملك القوة. أما أوروبا وأحزابها فإنها تستند إلى الشارع، والشارع غير مضمون خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يمر بها السودان، وهذا واضح من التدهور المريع في الاقتصاد والارتفاع الجنوني في أسعار المواد وشح بعضها، وما يهم الناس دائماً هو معاشهم، وأمريكا تضغط على نظام الخرطوم حتى تسقطه ويعود الأمر لرجالها بالكامل.
وما دام الأمر كذلك فليعلم أهل السودان أنه لا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة ولا انفراج في الناحية الاقتصادية أو السياسية، وأما الاقتتال القبلي فسيظل يدور ما دامت الأمور لم تستقر لجهة واحدة وما دام الاستقطاب هو ديدن الساسة، ولن يتوقف عبث الساسة إلا بقيام دولة مبدئية تقوم على عقيدة أهل السودان وتقضي على الصراع المحموم من أجل السيطرة والنفوذ الغربي الاستعماري، وهذه الدولة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي ستعيد هذه القبائل إلى وضعها الطبيعي الذي حدده رب العزة سبحانه القائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ وتُعلم الناس كيف أن دماءهم حرام عليهم وأن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم، يقول e: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ»، ثم تقوم الدولة بواجب الرعاية من صحة وتعليم وأمن وتمكين الناس من الزراعة والصناعة وفتح مسارات الرعي حتى لا يحدث احتكاك بين المزارعين والرعاة... وبالجملة تعود الحياة حياة إسلامية يهنأ فيها الناس بالأمن والطمأنينة وتقطع أيدي العابثين دون هوادة، وهذا هو الذي يجب أن يصل له جميع أهل السودان حتى يخرجوا من صندوق الكافر المستعمر ويدخلوا في طاعة الله كما قال الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع