لذا حاولت أمريكا أخذه من الإنجليز ولم تحقق ما خططت له طوال الفترات الماضية، ويبدو أنها نتيجة لذلك تراخت بالعمل الواضح المكشوف ضده من الخارج لإدراكها قوة النظام من الداخل وأثره بالخارج وقيادته لعملاء الإنجليز بشكل واضح وكبير؛ لذا تراخت بل وتراجعت عن العمل ضده من الخارج لأمور عدة سواء من خلال الصبر الاستراتيجي والعمل من الداخل من خلال سياسة التقويض الداخلي وهي تعلم مدى الدعم الإقليمي من عملاء الإنجليز الذين كانوا يقفون معه بكل قواهم المادية وخاصة الخليج والعراق، أو بسبب ظهور ملفات أهم لديها وأخطر في مرحلة ما حتى بدأت بوادر ظهور أزمة اقتصادية خطيرة في الأردن أواخر الثمانينات بعد طفرة اقتصادية انتهت بهبة نيسان والتي أدت إلى ظهور بوادر ضعف بالجبهة الداخلية وخاصة في منطقة تعتبر من حواضن النظام الأردني ومكمن قوته حتى لاح بالأفق إمكانية انهيار النظام من الداخل، وكانت هذه الفترة تعتبر بحق من أخطر الأزمات في تاريخ الأردن طالت منطقة الجنوب كاملة تقريبا نتيجة أزمة اقتصادية خانقة وخطيرة حيث آلت إلى زيادة نسب البطالة وتسريح العاملين من وظائفهم وانحسار فرص العمل، وتشير النشرة الإحصائية السنوية لعام 1985 أنه في الفترة ما بين 1980-1985 ارتفعت أسعار المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة بنسبة 30% بالمقارنة بأسعار 1980. حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 24.5% والألبان والبيض والزيوت بنسبة 27% والسجائر بنسبة 101% والنقل والمواصلات بنسبة 55%. هذا الارتفاع في الأسعار يعني أن القيمة الشرائية للأجور الثابتة قد انخفضت بنسبة 30% مقارنة مع بداية الثمانينات.
وقد سبق هذا تحوّل في سياسة أمريكا في مسألة القروض، بعد تخلف المكسيك عن سداد ديونها وظهور ما سمي بـ"أزمة ديون العالم الثالث". يقول هارفي إن إدارة ريغان استطاعت أن تجمع بين سلطات وزارة الخزانة الأمريكية وصندوق النقد الدولي لحل المشكلة، من خلال إعادة جدولة الديون بأسعار ربوية جديدة يترافق معها شرط إجراء إصلاحات نيوليبرالية. وبهذا تم تطهير صندوق النقد الدولي من آثار الكينزية كافة وتحوّل إلى مركز ترويج ودعم "السوق الحر" والعقيدة النيوليبرالية على حد تعبير هارفي. وبناء عليه كان دخول أمريكا كبيرا من خلال صندوق النقد وفرض الإملاءات والشروط على الأردن بعد أن لجأ إلى صندوق النقد الدولي بعد عجزه عن الوفاء بسداد ديونه، فوقع اتفاقيته الأولى مع الصندوق التي نصت على منح الأردن قرضاً بقيمة 275 مليون دولار تدفع على 18 شهراً، وإعادة جدولة جزء من ديون الأردن الخارجية التي بلغت آنذاك ستة مليارات دولار مقابل البدء ببرنامج "التصحيح الاقتصادي" والذي على أثره، قرر مجلس الوزراء في 15 نيسان، رفع أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية بين 15 إلى 50%، وشملت الزيادة أسطوانة الغاز، والبنزين، والسولار، والمشروبات المعدنية والغازية، والسجائر، إضافة إلى رسوم ترخيص وتسجيل المركبات.
وكانت نتيجة دخول والتزام الأردن بإملاءات صندوق النقد الدولي أن ثار الناس بالأردن على النظام حيث بلغ انهيار النظام المنطقة الحرجة جدا وكان سقوطه مسألة وقت فقط نتيجة قراءة تلك الفترة.
وفي اللقاء القادم سنبين كيف أن علاج الإنجليز أثار هبة نيسان...
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع