ما يحدث في مصر هو ما يسبق العاصفة من هدوء، وما عاناه أهلها ينذر بانفجار وإن طال انتظاره، إلا أنه متوقع الحدوث ونتيجة حتمية لما ينفذه النظام من سياسات تُمليها أمريكا، والنظام الرأسمالي العلماني الذي يحكم به السيسي هو نظام مفلس لا يملك أي حلول لمشكلات الناس، ولا يملك غير العصا الغليظة يبطش بها بكل معارضيه، ومنافسيه في العمالة، وأخشى ما يخشاه الغرب وعلى رأسه أمريكا هو أن يحدث انفجار خارج سيطرتهم وعلى غير مرادهم يوصل للحكم رجالا مسلمين مخلصين يطبقون الإسلام حقيقة فتقام للإسلام دولة تقتلع نفوذ الغرب من كامل بلادنا وتطرده منها إلى غير رجعة وتوقف سيل نهبه لثروات الأمة وخيراتها، ولهذا فهو يسعى جاهدا لإدارة الصراع بنفسه، ليُخرج من دائرته كل المخلصين ويجعل منه صراعا علمانيا خالصا بين شقين يمسك هو بزمامهما ويحركهما كيفما شاء.
قبل أيام أعلن محمد علي عن وثيقة للتوافق الوطني قال إنها ضمن مشروع أعلن عنه سابقا في مؤتمر لندن لتوحيد قوى المعارضة المصرية للإطاحة بالنظام المصري مختصرا النظام في شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي متغافلا عما يطبقه السيسي فعلا من أنظمة حياة، حتى إن الوثيقة التي أعلنها محمد علي لا تختلف عن الدستور الذي وضعه السيسي نفسه؛ فهي تحافظ على مدنية الدولة، والنظام الديمقراطي الحاكم فيها هو عينه ما تقوله المادة الأولى في الدستور المصري، وهنا ليست العبرة في تطبيق الديمقراطية أو عدم تطبيقها كما يدعي معارضو النظام ممن يفكرون بوجهة نظره، ويطرحون الحلول من زاويته، ولا يخرجون عن الإطار الذي رسمه لهم الغرب، فخلاصة القول إنهم لا يطرحون أنفسهم كبديل للنظام، وإنما كبديل لمن يطبق النظام أي كبديل منافس في العمالة للغرب الكافر، ويوهمون الناس أن الأزمة ليست في الديمقراطية بل في إساءة أو عدم تطبيق الحكام لها، وكونهم عملاء للغرب. بينما الحقيقة هي أن الأزمة في الديمقراطية نفسها وفي كونها نظاما من وضع البشر يعجز عن وضع حلول ومعالجات حقيقية لمشكلاتهم، فضلا عن كون الديمقراطية وضعها الغرب المستعمر لتمكنه من نهب ثروات شعوبنا بقوانين وسياسات مهما اختلف مطبقوها، فطالما التزموا بتطبيق الديمقراطية والخضوع للمعاهدات والمواثيق والاتفاقات الدولية فلا خوف على مصالح الغرب ولا ضير بعد ذلك فليأتِ من يأتي فمصالحهم محفوظة، وقبل كل هذا فقادة جيوش بلادنا مربوطون بالغرب تسليحا وتدريبا؛ ولهذا فمن يخالف أو تظهر عليه بادرة لمحاولة انعتاق من تبعية الغرب فالانقلاب عليه وعزله مضمون، فالأزمة إذن في واقع النظام الذي يدعو محمد علي في وثيقته للحفاظ عليه، وكل ما يلي ذلك من بنود في الوثيقة هو من قبيل الشعارات الفضفاضة التي تغلف بها الديمقراطية السم الزعاف حتى يقبلها الناس، فمن ذا الذي يرفض الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟ غير أنه لا يدرك أن هذه الأشياء ليست هي الديمقراطية التي تأتي بها، بل يأتي بها الإسلام وفقط الإسلام.
إن هذه الوثيقة بما فيها هي تكريس للعلمانية ومحاولة لصبغ أي حراك محتمل بصبغة علمانية خالصة تريح الغرب من التفكير فيما قد ينتج في مقبل الأيام جراء أي احتجاج على النظام، وتستنسخ النظام نفسه وتوجد التربة الخصبة نفسها لإنتاج الأدوات ذاتها التي عاثت فسادا وإفسادا، فضلا عن كون الوثيقة لا تطرح جديدا غير مطروح ولا تقدم بديلا للنظام، بل هي تفكير داخل إطاره وحلول على أساس وجهة النظر العلمانية نفسها التي تكرس لبقاء الرأسمالية الحاكمة بتوحشها وجشعها وبما تنهبه من ثروات مصر وخيراتها.
وعلى من يفكر في خير مصر حقا أن يخرج بعقله وتفكيره خارج إطار الرأسمالية، ويعالج مشكلات البلاد من زاوية أخرى غير زاويتها، بل عليه أن يفكر على أساس عقيدة أهل مصر وتكون حلوله على أساس الإسلام ومن خلال أحكامه الشرعية التي مصدرها الوحي وليس عقل البشر، فهي المعالجات الحقيقية لمشكلات الناس وهي وحدها التي توافق فطرتنا، وهي وحدها التي طبقت على أهل مصر وأصلحت حالهم سابقا وأنقذتهم من ظلم الرومان، وهي وحدها الكفيلة بإنقاذ مصر والأمة بل والعالم أجمع من ظلم الرأسمالية وظلماتها واستعبادها للبشر، وعلى من يريد الخير لمصر حقا أن يتبنى مشروع الإسلام الحضاري المنبثق عن عقيدته؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبغيره لن ترى مصر خيرا وستظل تكتوي بنيران الرأسمالية، فما فيها من معالجات هي السم الزعاف.
أيها المخلصون في جيش الكنانة! إن الأمور كلها بيدكم وما يحاك بمصر يقع تحت سمعكم وبصركم وربما برعايتكم وتحت حراستكم، فعلام صمتكم وإلى متى يستمر هذا الخذلان لدينكم ولأهلكم؟! أليس فيكم من يغضب أو يغار على دينه وما ينتهك أمام ناظريه من حرمات الله؟! أليس فيكم من يغضبه ما يفرط فيه النظام من حقوق أهلكم في مصر؟! إن ما يعطيكم إياه النظام من أموال وامتيازات ومشاريعمن قبيل الرشوة ليشتري صمتكم عن جرائمه، هي أقل بكثير مما يجب لكم من حقوق كفلها لكم الشرع لو طُبق فيكم الإسلام، وما هي إلا فتات موائده يلقمكم إياها كما يلقم كلاب حراسته، فما أدنى من يقبلها ويبيع بها دينه وكرامته ويرضى أن يستوي بكلب الحراسة لعدوه وعدو دينه وأمته! وإننا لنربأ بكم من هكذا حال ونرجو أن تنالوا منزلة الأنصار شرفا في الدنيا وكرامة في الآخرة بنصرة العاملين لتطبيق الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وحمل ما يحملون من مشروع حضاري حقيقي صالح لأنْ تتوافق حوله كل القوى وأن تحمله للتطبيق في دولة تنشر العدل في الأرض كما فعل الصحب الكرام. فيا فوزكم حينها ويا عز مصر بكم لو فعلتم وكانت بكم مصر المنورة وحاضرة دولة الإسلام ودرعها ودرة تاجها. اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها واجعل جيش مصر أهل نصرتها ووفق أهلها للتوافق عليها وحولها واجعلنا جميعا من جنودها وشهودها، اللهم آمين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع