في مشهد غريب ولكنه متوقع، سيطرت قوات المجلس الانتقالي الذي صنعته الإمارات في أيار/مايو 2017م، على مدينة عدن في الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطسالماضي، وسط انسحاب للقوات التابعة لشرعية عبد ربه هادي، وعندما تحدث قادة المجلس الانتقالي عن ذلك الانقلاب على شرعية هادي في عدن، قالوا إنهم لا يستهدفون شرعيته، إنما يستهدفون الإرهابيين داخل تلك الشرعية، واجتاحت عدن أربعمائة دبابة مصفحة واستولت على معظم المدينة بما فيها دار الرئاسة في ظرف أربعةأيّام، ثم تمدد المجلس الإماراتي إلى أبين ولحج ثم شبوة، وهنا تم الإعلان عن وساطة سعودية لتهدئة الموقف، ووصلت إلى عتق حاضرة شبوة، لجنة سعودية للتهدئة، انقلب بعدها الموقف العسكري لصالح ما يسمى شرعية هادي، فواصلت قوات هادي التقدم إلى أبين ثم إلى عدن وسط تغطية إعلامية قوية للقنوات السعودية (العربية، والحدث) تصف ما يحدثبأنه طرد لعملاء الإمارات وانتصارٌ لشرعية الدولة.
إلاأن ذلك الانتصار لم يستمر ليوم واحد، فأعادت الإمارات قادة المجلس الانتقالي إلى مطار عدن ولملمت قواها وإذا بدباباتها وطائراتها (هذه المرة) تسيطر على عدن مجددا وتخرج قوات هادي منها وتدحرها إلى خارج محافظة أبين المجاورة، ولن تقف قوات الانتقالي عند هذا الحد بل من المتوقع أن تواصل سيطرتها على معظم الجنوب اليمني، في الوقت الذي لا زال إعلامها المسنود بالإعلام الإماراتي يصف الحرب بأنها ليست ضد شرعية عبد ربه بل ضد الإرهابيين داخلها، إلاأنهم دائما ما يستدركونأن الانتقالي جاء لتصحيح الوضع، وأن مجلسهم هو الذي يسيطر على الجنوب وليس شرعية هادي وأن على (المجتمع الدولي) الاستماع إلى كلمتهم.
إنالإمارات المحمية بالمعاهدات البريطانية تسير قدما في مشروع بريطانيا وهو رفع رصيد المجلس الانتقالي ليحصل على مقعد في المحافل الدولية أسوةً بالحوثيين الذين سمحت لهم السعودية آنذاك بالانقلاب على هادي والاستيلاء على صنعاء، وسمعت صوتهم حينها أمريكا وقالت إن مطالبهم مشروعة، وقال متحدث البيت الأبيض عن الجماعة الحوثية إنهم طرف في النزاع مع الحكومة وطرف في التسوية، وهكذا كان فقد جعلت أمريكا المليشيا التي انقلبت على النظام (الشرعي في عرفها) ودخلت صنعاء بقوة السلاح، جعلت منها طرفا وندا للحكومة وأجلستهم في مفاوضات الأمم المتحدة طرفا مقابلا لحكومة عبد ربه هادي. وهنا سارت بريطانيا بطريقتها وأمدت المجلس الانتقالي بالسلاح الثقيل عن طريق محميتها الإمارات لدخول عدن والسيطرة عليها، كل ذلك من أجلأن يكون لعملاء بريطانيا حصة أكبر في التسوية السياسية التي يتم التحضير لها والدعوة إليها مؤخرا.
إلاأن بريطانيا لا تريد في الوقت ذاته التخلي عن هادي - وإن كان ضعيفا - فهو يمثل عندها الخطة "أ" وهي يمن فيدرالي يؤيده معظم الوسط السياسي في اليمن، ولهذا فإن حكومة هادي لا زالت مدعومة من بريطانيا بشكل علني، كي تستأثر بمزيد من كعكة التقاسم مع منافستها أمريكا، التي تمتلك الحوثيين في الشمال، وتمتلك السعودية قائدة ما يسمى التحالف العربي لإعادة الشرعية، إلاأن السعودية اليوم باتت (مزنوقةً) في الجنوب فهي لا تستطيعأن تظهر عداءها للمجلس الانتقالي كي لا تفقد شعبيتها في الجنوب، ولا تستطيع أن تظهر عداءها ضد الإمارات كي لا تفقد حليفتها الوحيدة المتبقية في التحالف، لهذا قامت السعودية بضرب مجلس الإمارات الانتقالي بيد الشرعية وليس بيدها، وهكذا هي مستمرة في تلك الخطة، فهي تضغط على هادي لإصدار البيانات ضد الإمارات وتدخلها السافر ضد الجيش اليمني وجعلت هادي الأسير عندها في الرياض يطلب من مجلس الأمن التدخل لوقف الاعتداء الإماراتي.
ويبدو أن أمريكا قد عقدت العزم على إخراج السعودية من مأزقها في اليمن بالدعوة إلى تسوية سياسية، كما صرح مسئولون كبار في الخارجية الأمريكية أن أمريكا تتواصل مع كافة الأطراف لإنهاء الحرب في اليمن (قناة الجزيرة)، واستغلت بريطانيا ذلك التوقيت كي يحصل المجلس الانتقالي على مقعد ممثلاً للجنوب، ندا للحوثي الممثل للشمال، وتحصل الشرعية على قسم ثالث يمثل الدولة وبريطانيا التي تقف خلفها منذ البداية.
وهنا يتضح أنقتال الدمى المحلية في اليمن، هو من أجل حماية مصالح أسيادها، ولا يدري أهل جنوب اليمن لم يقاتلون بعضهم بعضا!
يا أهل اليمن! إن الكافر المستعمر يسخَر منكم ويسخّركم لتكونوا جنودا في مشروعه، بينما لا يعود ذلك عليكم إلا بمزيد من الدمار والدماء والأشلاء، ثم سيجلس أمراء الحرب على طاولة واحدة مع أعداء الأمة ليتقاسموا ثرواتكم، غير عابئين بجثث أبنائكم تحت أرجلهم.
يا أهل الإيمان والحكمة! ألم يئن الأوانأن تستجيبوا لداعي ربكم وهو يدعوكم إلى خلافة على منهاج النبوة، بشّر بها نبيكم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم؟! قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
رأيك في الموضوع