(مترجم)
خلال مؤتمر بون الأول في عام 2001، والذي دُعي فيه أبرز أربعة أحزاب أفغانية لتشكيل المستقبل السياسي لأفغانستان، نحّت أمريكا عن هذا الحدث جبهتين سياسيتين رئيسيتين، هما الحزب الإسلامي في أفغانستان وحركة طالبان. أراد مثل هذا السيناريو صراحة إثارة حرب قوية محتملة داخل أفغانستان. وعلى الرغم من أن بعض قادة طالبان كانوا يدعون إلى السلام، خلال الغارات الأمريكية الأولى وبعدها، فقد رُفضت دعواتهم تماماً. كان ذلك الرفض بشكل أساسي بسبب نظرتهم المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، تحت ستار الحرب على (الإرهاب). وبمعنى آخر، لم يكن بانتظار أي مسلم يكافح ضد الاحتلال في أفغانستان سوى الموت أو الحبس في باغرام أو غوانتانامو. ومن ثمَّ، عاشت حركة طالبان ظروفا كدرة للغاية وتحملت الكثير من الضغوط لأن قيادتها لم يكن لديها سوى خيار واحد وهو الحفاظ على أرواحهم.
أدى موقف أمريكا هذا في الفترة بين عامي 2005 و2007 إلى موجة قوية من هجمات طالبان ضد قواتها. ونتيجة لذلك، اضطرت أمريكا والحكومة الأفغانية العميلة لها - إلى جانب أعمالها العسكرية - إلى الذهاب إلى برامج مثل لجنة بناء السلام، وإنشاء جيرغا (الجمعية) للأمن الإقليمي، وتأسيس المجلس الأعلى للسلام وأعمال أخرى مماثلة استُحدِثت خصيصا لتشجيع طالبان على إلقاء أسلحتها والاعتراف بالسلام. ومع ذلك، لم تحقق أي من التدابير المذكورة أعلاه أي تقدم ملموس، وبالتالي، لم يشهد نطاق القتال زيادة كبيرة فحسب، بل شجع أيضاً روح القتال الأفغانية ضد القوات الأمريكية.
في بيئة صعبة مثل هذه، وصلت محادثات السلام التي قدمتها أمريكا إلى زخم اكتسب اهتمام طالبان أيضاً. لذلك، وبالتعاون الكامل من أمريكا، تم إنشاء مكتب تمثيلي سياسي لطالبان في عام 2013 في الدوحة في قطر من أجل توفير عنوان محدد لأكثر المجموعات المسلحة تعقيداً في العصر الحالي.
أظهرت السجلات التاريخية وبشكل مستمر حقيقة أن نجاح الجماعات المسلحة كان دائماً أثناء خوضها للحرب، لا السياسة. لذلك، ما إن تقبل مثل هذه الجماعات عرض القوى المتنافسة، حتى تفقد على طاولة المفاوضات كل مكتسباتها التي حققتها بشق الأنفس في المعارك العسكرية، وتستسلم بالتالي للقيم التي لطالما ناضلت ضدها. لقد شهدنا بمرارة هذا الواقع المحزن مع الحزب الإسلامي لحكمتيار عندما استسلموا بعد 18 عاماً من المكاسب التي تحققت بصعوبة في ميدان المعركة لصالح القيم الديمقراطية والحكومة الأفغانية العميلة على طاولة المفاوضات. وبالتالي بعد هذا النجاح، قدمت أمريكا زلماي خليل زاد كممثل خاص لها لتحقيق المصالحة في أفغانستان، والذي - إلى جانب ممثلين عن طالبان - بعد ثماني جولات من المحادثات المباشرة زعم وبتفاؤل أن الجولات حققت تقدماً، وأنهم على وشك التوصل إلى اتفاق سلام.
في الواقع، إن عملية السلام الأمريكية هي مؤامرة سياسية تهدف إلى تفتيت حركة طالبان وإضعافها واستسلامها. هذا، من ناحية، سيجعل من هزيمة أمريكا، في أطول حرب لها في التاريخ في أفغانستان، انتصارا لها وسيساعد الإدارة الأمريكية الحالية على إعادة انتخابها من جديد في عام 2020. وفي الوقت نفسه، ستواصل أمريكا بسط السيطرة على أفغانستان كموقع جغرافي استراتيجي لتمديد مجال نفوذها ضد الصين وروسيا وفي باكستان وإيران على المدى الطويل.
وبالإضافة إلى ذلك، لم تتغير السياسات الغربية والأمريكية ضد أفغانستان مطلقا ذلك أن أفغانستان ليست مهمة للمستعمرين الكافرين بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي فحسب، ولكنها أيضاً مصدر مهم بما تمتلكه من موارد معدنية غير مستغلة وكذلك إنتاج الأفيون. ولهذا السبب أعلن المسؤولون الأمريكيون مراراً وتكراراً عن إبقاء أجهزة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية وعلى مستوى عال في أفغانستان، حتى لو انسحبت قواتهم جميعها.
ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للحزن هو حقيقة توقف الجماعات الإسلامية المسلحة عن القتال ضد الاحتلال وفتحها باب التفاوض مع خصومها، في هذا الوقت بالذات، الذي سمعت فيه طقطقة عظام المحتلين في كل مكان. وبدلاً من خوضهم الحرب نراهم يسيرون بصبر على طريق جبهات ليستلديهم فيها خبرة سابقة! وبينما تسعى أمريكا بدأب للحصول على خدمات وكالات الاستخبارات الإقليمية، وخاصة من حكومة عمران خان فيما يتعلق بمحادثات السلام بين أمريكا وحركة طالبان، كانت قد سعت للحصول على تعاون كامل من حكومة مشرف للقضاء على إمارة طالبان في عام 2001. وما تعد أمريكا بتقديمه لباكستان في المقابل هو تثبيت الأسوار الشائكة على طول خط دوراند، ودمج المناطق القبلية مع الحكومة الفيدرالية لباكستان، وإلحاق جيش تحرير بلوشستان بقائمة (الإرهاب) الأمريكية. لكن وعلى العكس من ذلك، يبدو أن الهند قد ازدادت جرأة في خطوات استيلائها على كشمير.
علاوة على ذلك، وكجزء من الصفقة، ستضمن طالبان عدم استخدام الأراضي الخاضعة لسيطرتها ضد أمريكا وحلفائها. سيكون هذا في مقابل قبول روسيا والصين كضامن لكلا الجانبين، بينما يخوض البلدان في الواقع حربا ضروسا ضد الإسلام والمسلمين. ستكون هذه الأخطاء المبدئية أخطاء كبرى تتحمل عواقبها حركة طالبان في الدنيا والآخرة. ذلك أن حركة طالبان ستكون قد تخلت عن جهادها ضد أمريكا وروسيا والصين، وفي المقابل تحولت إلى خصم معاد للجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
إضافة إلى ذلك، قامت أمريكا بفصل ماكر ما بين اتفاقها مع طالبان والحوار مع باقي الأفغان. لن يكون هذا سببا في نزاع حاد بين طالبان والفصائل الأفغانية الأخرى فحسب، وإنما سيوفر لأمريكا أيضاً فرصة التنصل من اتفاق السلام بينها وبين حركة طالبان ما يعني مواصلة احتلالها لأفغانستان بمجرد تقسيم طالبان وإضعافها.
لذلك، فإن أي شكل من أشكال الوجود الأمريكي في أفغانستان يشبه إلى حد كبير الورم السرطاني الذي يجب استئصاله. ولن يكون ذلك ممكناً بشكل لا لبس فيه إلا إذا واصل مجاهدو الأمة الصادقون قتالهم ضد المحتلين، في الوقت الذي يقيم فيه نشطاء الأمة المفكرون والسياسيون الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من خلال سعيهم إلى أخذ النصرة في أحد البلاد الإسلامية. وبذلك فقط سيحتشد جيش الخلافة كله وينضم إلى صفوف المجاهدين الأفغان الصادقين، ما سيلحق الهزيمة ليس بمحتلي أفغانستان فحسب وإنما بكل من احتل أرضا من بلاد المسلمين.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع