وصل الرئيس العراقي برهم صالح إلى بريطانيا يوم الثلاثاء الماضي في بداية زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، على رأس وفد رفيع المستوى يشمل وزراء الخارجية والنفط والصحة ومسؤولين آخرين. وتهدف الزيارة بحسب تقرير نشره مركز الإعلام والتواصل الإقليمي التابع للحكومة البريطانية، إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على الصعيدين السياسي والتجاري، وتأكيد عزمهما على مواصلة العمل لتطوير الاقتصاد العراقي وتحقيق الاستقرار والازدهار في العراق والمنطقة، لا سيما عبر العمل على ضمان هزيمة دائمة لتنظيم الدولة الإسلامية. (وكالات - الجزيرة)
تأتي زيارة صالح هذه بعد نحو شهرين على زيارة لوزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس للعراق التي أعلن خلالها رفع المبلغ المخصص لتقديم الضمانات التي تدعم الصادرات البريطانية إلى العراق، ليصل إلى ملياري جنيه إسترليني، لما يتوفر لهذا البلد من فرص كبيرة للشركات البريطانية في مجالات مختلفة. فالرئيس العراقي الذي يحمل الجنسية البريطانية منذ أكثر من ربع قرن، حاول مناشدة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي وهي تضع رجلها على عتبة باب الرئاسة لتغادر عشرة داوننغ ستريت، لتقوم بدور فاعل في تعزيز استقرار المنطقة وتخفيف حدة التوترات فيها، مؤكدا على ضرورة التدخل لنزع فتيل التصعيد ضد إيران، حيث أضاف صالح في كلمة له في مؤتمر لمعهد تشاتم هاوس في لندن "عاصرنا أربعة عقود من الاضطرابات. لا نريد أن نجد أنفسنا متورطين في حرب جديدة". ورفض أن تحول بلده إلى ساحة حرب بالوكالة، في وقت يستعر التوتر بين واشنطن وطهران، وقال "نطلب من الجميع الهدوء، لا نملك ترف حرب أخرى". وشدد على أنّ من "مصلحة بلاده الحفاظ على علاقات طيّبة مع إيران"، وأن تكون الولايات المتحدة في الوقت نفسه شريكا مهما جدا للعراق. وفي الوقت نفسه ثمّن صالح الدور البريطاني في الحرب على الإرهاب ودعمها المستمر للقوات الأمنية العراقية وتدريبها وتجهيزها، مطالبا أن تعزز وجودها في العراق بقوة من خلال الإعمار والبناء خاصة في المناطق المحررة. (السومرية نيوز)
فبرهم صالح من خلال زيارته يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد من خلال تطمين الإيرانيين بأنه يؤدي الواجب إزاء دعمه له في التنصيب رئيسا للجمهورية في العراق، ومن ثم هي فرصة لتقديم نفسه للقادة الغربيين بوصفه زعيماً هذه المرة وليس قياديا في حزب كردي أو مسؤولاً في حكومة.
إنَّ نظرة فاحصة في التاريخ القريب ترينا بوضوح لا يغفله إلا أعمى أنَّ بريطانيا التي شكرها صالح وثمن دورها في محاربة (الإرهاب) هي مَنْ ابتدعت الإرهاب أصلاً، فقد استعمرت بريطانيا معظم شعوب الأرض، وسامتهم سوء العذاب واستعبدتهم وأعملت فيهم قتلاً وذلاً لا يمحوه الزمن.
هل عرف العراق قبل هذا الاحتلال الهمجي الكافر عام 2003 الذي قامت به أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص شيئاً من الإرهاب أو عن الطائفية أو المفخخات بأنواعها، أو قدوم المسلحين على اختلاف مشاربهم ومناهجهم، أو انتشار الأوبئة والمخدرات (وثقافة) الأسلاك الشائكة والحواجز الكونكريتية التي أضحى البلد بفعلها أشبه بسجن كبير؟.. الجواب معروف. إن بريطانيا، التي مزقت وحدة المسلمين السياسية، ونصبت عليهم حراسا لمصالحها، وزرعت الحدود بينهم، وغرست كيانا غريبا عن جسم الأمة في قلبها الذي التصق بالسماء ليلة الإسراء، لا يمكن أن تكون صديقة لأمة لا زالت تعاني من تلك المكائد. وإن بريطانيا التي أعلنت استراتيجية لها تجرّم بموجبها "من يطالب بإقامة الخلافة أو من يدعو إلى توحيد الأمة الإسلامية تحت راية دولة واحدة أو من ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية ويروج لها، أو من يعتبر الجهاد طريقا مشروعا لتحرير البلاد"، لا يمكن أن "تتبادل الاحترام" مع أمة تشربت هذه المعاني السياسية مع حليب الأمهات.
إن مما لا شكّ فيه أنّ حكام العراق لا يملكون من أمرهم شيئاً، وما عليهم غير تنفيذ أوامر المحتل، وما تلك الزيارات المتكررة لدول الغرب إلا حثّ لهم لأن يطلبوا رسمياً إبقاء القوات المحتلة أو طلب المزيد منها، ناهيك أنّ الاتفاقية الأمنية سيئة الصيت وما تبعها من تصويرها للناس (فتحاً مبيناً) وإكراهاً للمحتل على سحب قواته لم تكن سوى أكذوبة لتغيير شكل الاحتلال وجعله أمراً مشروعاً. ثم ماذا جنى العراقيون من هذه الزيارات غير هدر المال العام وزيادة في الفساد والتبعية منذ الاحتلال وحتى اليوم؟ هل تم اتخاذ قرار بتحرير العراق وإخراج القوات المحتلة؟ أم تم اتخاذ قرار بتحسين أوضاعهم المعيشية وإعمار البنى التحتية ورفع الظلم الذي لحق بهم جراء سياسية أمريكا وعملائها؟ أم أن كل زياراتهم وقراراتها كانت تنفيذا لمخططات الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، وكانت كلها لمحاربة المسلمين إن فكروا بالخروج عن المنظومة الحالية للغرب الكافر؟ ألم تكن أغلب قراراتهم التي تمخضت عن زيارات المسؤولين دعم وزارات الداخلية وجهاز المخابرات والاستخبارات لمحاربة الإرهاب الذي صنعوه بأيديهم وكانت كل قراراتها تملى عليهم من الغرب الكافر؟
أما ما تكلم به صالح عن رفضه جعل العراق ساحة للحرب وتصفية الحسابات بين الأطراف المتنازعة ويقصد إيران وأمريكا وأنه يسعى لنزع فتيل الحرب عبر إجراء وساطة بين بغداد وواشنطن فهو كلام سطحي وساذج وضحك على الذقون، فالعراق محتل وأمريكا تمسك جميع أجزائه وهي الآمر الناهي وهي من سلطت إيران وأذنابها لحكم البلد، وما إيران إلا دمية بيد أمريكا بل إن إيران هي من نصبه رئيسا للجمهورية بعد أن قدم لها فروض الولاء والطاعة.
وعليه فإن حكومة كهذه فرضتها أمريكا لن تفعل بعباد الله تعالى ما يرضيه؛ فقد عمّ شرُّها وطمّ، وباتت رائحة فسادها وإفسادها لكل مرفق تزكم الأنوف، فمن انهيارات أمنية وتفجيرات يومية واغتيالات وخطف للأبرياء بحجة وبغير حجة، إلى نهب فاحش للمال العام دون حياء أو وجل، فمنظومة الحكم في البلاد الإسلامية كلها منذ وضعها الاستعمار وهي تحارب الله ورسوله والمؤمنين وكلها عميلة للغرب لا فرق بينها، فسابقا كان المسلمون مخدوعين بصدام وعرفات والملك فيصل وجمال عبد الناصر وغيرهم، أما اليوم فأولادهم لا يستطيعون خداع المسلمين ليس إلا، والسبب هو أن الوعي أصبح يتنامى بدرجة كبيرة بين المسلمين، وقوة الوعي هذه جعلتهم يدركون خيانة حكامهم، فأخذوا يثورون عليهم هنا وهناك، وسيسقطونهم بإذن الله ويقيمون على أنقاض عروشهم الخلافة على منهاج النبوة التي تعيدهم خير أمة أخرجت للناس.
بقلم: الأستاذ علي البدري
رأيك في الموضوع