قالت وكالة الأنباء الليبية التابعة لحكومة حفتر إن القوات المسلحة العربية الليبية (قوات حفتر) بسطت سيطرتها على معسكر النقلية، وتتقدم باتجاه مركز طرابلس، من جهة أخرى أكد الجيش الليبي أنه كبد مليشيات طرابلس خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، بعد معارك استمرت 6 ساعات خلال الهجوم الفاشل على مطار طرابلس الدولي.
دأبت هذه الوكالة كما غيرها من الوسائل الإعلامية التابعة لحفتر، تلفزيونية أو إذاعية، أو غيرها الممولة بالكامل من دويلات الخليج، دأبت جميعها على سرد الأكاذيب فيما يتعلق بأخبار جيش حفتر، وباختلاق الأحداث والانتصارات، فهي في هذا الخبر تنقض نفسها بنفسها، فإن الذي يخسر معسكر النقلية لا يمكن أن يهاجم المطار، والآن تتوارد أخبار سقوط مدينة غريان في أيدي الثوار وقوات الوفاق التابعة لحكومة السراج، ويتأكد هروب قوات حفتر منها بشكل مروع، فقد استولى الثوار على مساحة تقرب من خمسة آلاف كم2، وهذه تعتبر ضربة قاصمة لقوات حفتر، فالمدينة تعتبر مدخلا لطرابلس من الجنوب، وموقعها مهم جدا في حماية مدن الساحل، وهذا يمهد لسقوط المدينة الثانية المتعاونة مع حفتر، وهي مدينة ترهونة، وبالتالي أصبحت قواته لا تملك خطوط إمداد آمنة.
وبعد هذه الضربات الموجعة، والتي مهدت لانهيارات في صفوف قواته، والتي تعتمد بشكل كبير على العناصر المرتزقة القادمة من تشاد، والسودان، وبعض الدول الأفريقية. ومعلوم أن هذا المكون يفقد المبرر للقتال أو العقيدة القتالية، فهو فقط موجود بدافع الحصول على المال.
وهنا لا بد من رصد النتائج السريعة لهزيمة حفتر في غريان، فنلاحظ التغير في تصريحات بعض داعمي حفتر، بالمطالبة بإيقاف إطلاق النار والبدء في حوارات، ومن هؤلاء وزيرا خارجية الإمارات وفرنسا، وحتى الأمريكان يقولون بأنهم يدعمون بعثة الأمم المتحدة في إجراء الحوارات السياسية، وبأنهم مع حكومة الوفاق، وفي هذا السياق نجد أنفسنا ملزمين بضرورة تبيان وتبيين حقيقة موقف أمريكا من حفتر هل ستستمر في اعتماده رجلها في ليبيا رغم هذه الانتكاسة التي حلت به وبقواته؟ وهل مبادرة السراج في حقيقتها هي ذاتية أم خلفها أطراف دولية؟
لم يكن يخفى على أحد تبعية حفتر لأمريكا، وبأنه يخص برعايتها ودعمها عبر عملائها. ولم يعد هناك شك في أن التواطؤ والخداع هما حقيقة موقف غسان سلامة، وبعثته من عملية حفتر الأخيرة، بل كان سلامة هو المايسترو الذي عليه دور إخفاء حقيقة نوايا حفتر تجاه طرابلس، وعملية الغزو التي قام بها.
والآن إنهم يراهنون على صموده في منطقة سهل الحفارة، ومطار طرابلس العالمي على مسافة 22كم من أسوار طرابلس، ويريد فرض وقف إطلاق النار حتى يبقى قادرا على تهديد طرابلس حين القتال. غير أن هزيمته في مدينة غربان قللت حظوظ صموده في هذا السهل، وبعثة الأمم المتحدة، وأوروبا يريدون عبر ما يسمى بمبادرة السراج محاولة اقتسام النفوذ، وإلا فالأعمال العسكرية ظروفها قائمة بعد، وخصوصا بعدما أصبحت كل الأطراف المحلية هي ضمن حقل الاستعمال لدى الأطراف الدولية المتصارعة، فالثوار، والكتائب المسلحة لجميع المليشيات في المنطقة الغربية، جميعهم الآن في السياق الذي يخدم حكومة السراج، ومن يدعمها. أما حفتر فبعد هزيمته في غربان أصبحت حظوظه في فرض شروطه ضعيفة! وبدأت بعض القوى في إيجاد فرق يمثلون المنطقة الشرقية في عملية الحوار بعيدا عن سطوة حفتر ونفوذه من أمثال الهيئة البرقاوية، وما حصل في مجلس "طبرق" للنواب من انشقاقات، فقد انشق عن المجلس أكثر من نصفه، وحضورهم إلى طرابلس، وعقدهم لجلساتهم في طرابلس، وبياناتهم المنددة بعملية حفتر الأخيرة، ووصفها "بالمجرمة"، واتخاذهم قرارا بسحب وإلغاء قرار تعيينه قائدا عاما، وقاموا بإلغاء هذا المنصب، وأرجعوا الأمر إلى رئاسة الأركان العامة للجيش.
كل هذه التطورات قللت من فرص حفتر في البقاء على رأس الأحداث في ليبيا، وقد أصيبت قيادته، ونفوذه السياسي بالانتكاسة مع بعض التحول لدى بعض القوى الدولية في عدم اعتماده أساسا في المعادلة المحلية. ويأتي السؤال هنا عن موقف أمريكا؛ هل ما زالت تعتمده وحده في المعادلة المحلية؟ أم أنها تقبل مؤقتا منطق التقاسم مع الأوروبيين الداعمين لحكومة السراج؟ الأمر الذي لا يحتاج إلى كثير عناء لإدراكه هو أن أمريكا، ووكلاءها في المنطقة يدعمون حفتر في إحداث أكبر عملية تدمير لمقدرات البلاد، وكأني بها سياسة أمريكية في كل منطقة.
أما الكلام عن مبادرة السراج هل هي ذاتية، أم بدفع من بعض الدول الكبرى؟ فلا بد من ملاحظة التالي:
عند عرض بنودها لا نجد شيئا جديدا، فقد وردت هذه البنود في مبادرات غسان سلامة السابقة وغيرها، بل هي تكرار لما عرض على لسان السراج بداية 2018، وإنما الجديد هو الوقت الذي أعيد إنتاجها فيه في لحظة اشتداد الصراع العسكري حول طرابلس، فهي فقط تعبر عن شعور بعض أقطاب الصخيرات بالقلق على مصيرهم، ومحاولة أخذ الأنفاس.
وخلاصة القول: إنه يزداد اليقين يوما بعد يوم بأن الحرب الدائرة في طرابلس الغرب بين مليشيات حفتر وبين مجموعات الثوار والمليشيات الموجودة في الغرب الليبي هي حرب بالوكالة عن القوى الكبرى المتصارعة على النفوذ في ليبيا. وبأن العوامل المحلية المسببة لهذا التقاتل لا تزيد نسبتها فوق 25% من مجموع العوامل الفعلية التي تدفع بالأطراف المحلية للتقاتل، وقد كانت الأمور كلها تقترب من حالة الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض على إقرار حل أو شبه حل للنزاع القائم في البلاد، ولكن نظرا لأن القوى الكبرى الاستعمارية لم تتفق فيما بينها على تقاسم ما في البلاد من مقدرات وأن بعضها لا تريد له استقرارا، وإيجاد حل ما، أو حتى شبه حل، وتتربص ببعضها، وبأبناء البلاد الدوائر، بل وأصبحت القوى الموجودة في البلاد - مخلصها ومرتزقتها - أدوات تدار عن بعد، وربما مباشرة لتدمير بلادها، وقتل أبنائها من الطاقات الشابة في حرب عبثية لا تبقي ولا تذر!
كل ذلك يحدث مع حالة من انعدام الوعي الصحيح على حقيقة الدول الكبرى، وأطماعها، أو عدم إدراك لخطورة الاستعانة بالأجنبي أيا كان، والاستعانة بالكيانات العميلة في البلاد العربية.
ومن الخطورة بمكان رهن قضايانا المصيرية بيد هيئة الأمم المتحدة وبعثتها. فقد ثبت عدم نزاهة هذه البعثة، وأنها لا تعدو عن كونها ممثلا للدول الكبرى المتصارعة على بلادنا، وكل عملها أن تمهد لعملية تقاسم النفوذ بين هذه القوى العدوة لنا، والمتخاصمة علينا. فرئيس البعثة يعلن شيئا ويبطن خلافه، وهو يسير حثيثا لتنفيذ أجنداته الخفية.
وإننا بعد هذه المعاناة والعذابات التي تمتد على مسافة 8 سنوات لا بد لنا من التأكيد أنه لا حل لمشكلة البلاد خارج ما وضعه الإسلام. فالمتقاتلون هم مسلمون يجمعهم الإسلام العظيم، ولا يفرقهم سوى الدسائس والوساوس من شياطين الغرب.
فالله سبحانه وتعالى يخاطبنا بوصفنا مسلمين فيقول لنا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقد أوكل الإسلام هذا الحل إلى المسلمين، وليس لغسان سلامة ولا إلى هيئة الأمم الكافرة التي لا تضمر لنا إلا شرا، بل يجب أن يحصل الانفصال الكامل عنها، وعن وسائلها، وإهمالها بداية حتى تتمكن قوى الأمة الحية من طردها وإخراجها من البلاد. فنسأل الله تعالى أن يجعل ذلك قريبا.
بقلم: الأستاذ أحمد المهذب
رأيك في الموضوع