في الخامس عشر من أيار من كل عام تمر على أمةالإسلام مأساة اغتصاب يهود لفلسطين، وإقامة كيانهمالمسخ على ثراها الطاهر. وقد احتفل كيانيهود المغتصب في الخامس من أيار بما يسمى بعيد الاستقلال حسب تقويمهم العبري، وقام رئيس الكيان بتهنئة يهود في كل الأرض بهذه المناسبة.
وبهذه المناسبة الأليمة سنقف على الحقائق التالية المتعلقة بالأرض المباركة فلسطين، وما يحاك حولها من مؤامرات هذه الأيام؛ تستهدف إنهاء قضيتها، وتثبيت كيان يهودفيها؛ بمكر من الغرب الصليبي، وتعاون من حكام المسلمين:
1- إن نكبات الأمة المتكررة إنما مرجعها لأمر واحد لا غير؛ هو غياب الحامي والراعي للأمة ومقدراتها وأرضها وعرضها ودمائها. غياب الدولة التي تطبق الإسلام، وتحمله رسالة خير وهدى للبشرية جميعا، وتحمي كل مقدرات الأمة المادية والمعنوية. وما ضاعت فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين إلا عندما فقدت الأمة هذا الراعي والحامي.
2- المؤامرة على فلسطين لم تنته فصولها بعد؛ بل إن هناك مؤامرات جديدة، ونكبات جديدة تحاك خيوطها بشكل ماكر وخبيث. وقد بدأت بداية هذه الخيوط الجديدة بمعاهدة كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة؛ بعد سايكس بيكو ووعد بلفور، واحتلال الإنجليز لفلسطين، والإتيان بيهود إلى أرضها المباركة، تمهيدا لما يسمى بصفقة القرن. وقد أعلن كبير المستشارين في البيت الأبيض كوشنير قبل أيام قليلة؛ بأنهسيعلنعنها بعد شهر رمضان. وقد سربت الصحافة بعض الأمور المتعلقة بهذه المؤامرة؛ حيث ذكرت وكالة (معا الإخبارية) نقلا عن بعض الصحف اليهودية المقربة من الحكومة بتاريخ 7/5/2019 بعضا من بنودها: امتداد الكتل الاستيطانية الكبيرة، لتضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في المغتصبات اليهودية؛ بحيث تضاف إليها أراض واسعة من مناطق (ج)، وتصبح كتلة واحدة متواصلة. وبقاء جيشيهود على غور الأردن؛ ليكون أمن الحدود الخارجية هو ليهود. وتولي مصر عملية تفكيك القوة العسكرية للمقاومة في غزة؛ كمقدمة لتنفيذ الأمور الأخرى؛ ومنها إقامة مناطق صناعية وتجارية وميناء ومطار في مناطق سيناء القريبة من غزة. الأمن الداخلي والخارجي يكون من مسئولية يهود، وتدفع الحكومة الفلسطينية الجديدة لكيانيهود مقابل هذه الحماية. وهناك بنود تتعلق بالقدس القديمة وكيفية السيادة عليها.
3- إن اغتصاب يهود لأرض فلسطين لا يغير واقعها الشرعي أبدا. وإن كل المعاهدات التي يوقعها يهود برعاية دولية إنما تجري من حكام المسلمين الذين لا يمثلونهم، ولا يقبلونهم، وقد ثاروا عليهم أكثر من مرة للخلاص من شرورهم؛ ومنها تضييع فلسطين. وقد عبر عن هذا الأمر بشكل صريح رئيس وزراء كيانيهود أمام الكنيست اليهودي 22/11/2017 بمناسبة مرور أربعين عاما على توقيع كامب ديفيد سنة 1978 فقال: (العقبة الكبرى أمام توسيع السلام؛ لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي... إن الشارع العربي تعرض خلال سنوات طويلة لغسل دماغ؛ تمثل بعرض صورة خاطئة ومنحازة لدولة "إسرائيل". وإنه يصعب التحرر من تلك الصورة وعرض "إسرائيل" على حقيقتها..).
ولو خلي بين الأمة وبين الجهاد لتحرير فلسطين لرأيت الملايين من أبنائها على أبواب القدس يهتفون بتحرير فلسطين ويكبرون ويهللون. وقد عبر عن ذلك أحد حاخامات كيانيهود سنة 2011؛ خلال لقاء مع عدد من طلاب المدارس الدينية في تل أبيب، والقدس المحتلة فقال: (من منكم يذكر عندما قلت لكم: ماذا سنفعل إذا قررت الملايين أن تزحف إلى "إسرائيل"؟!.. طبعاً من المعروف أن حوالي نصف مليار مسلم يعيشون حولنا في المنطقة العربية، ورأيتم أن الجيش "الإسرائيلي" يعجز عن كبح أقل من نصف مليون. فماذا سنفعل إذن؟"
4- لقد أراد الغرب من إيجاد كيانيهود في قلب العالم الإسلامي أن يكون هذا الكيان في مقدمة الجيوش الغربية في الحرب على الإسلام؛ ولمنع عودته مرة أخرى. فكان التمهيد لزرع هذا الكيان مباشرة بعد هدم الخلافة، وتوج ذلك سنة 1948 بإقامته.
5- لقد كان اغتصاب الأقصى وما حوله من أرض مباركة على مدار التاريخ بشارة الفرج والنصر لأمة الإسلام. فقد عاث الصليبيون فسادا في الأرض، واغتصبوا معظم بلاد المسلمين. وعندما اغتصبوا الأقصى وأرضه المباركة تداعت الأمة، وتنبهت لما يجري بها من مصائب، وبحثت عن سبب ذلك؛ فأرشدها العلماء المخلصون في ذلك الوقت: أن سبب انتكاستها ونكبتها؛ هو تفرقها وبعدها عن دينها وخيانة بعض حكامها (مثل الفاطميين) لأرض الأقصى ومسجده. فكان اغتصاب عباد الصليب للأقصى، وأرضه المباركة سببا في القضاء عليهم، وسببا في عودة الأمة مرة أخرى إلى عزتها وتاريخها المشرف؛ فجاء آل زنكي وصلاح الدين الأيوبي؛ ووحدوا الأمة تحت راية الإسلام في مصر والشام؛ استعدادا للقاء عباد الصليب؛ وكانت معركة حطين الفاصلة بعد مئتي عام من احتلال واغتصاب معظم بلاد المسلمين، وبعد واحد وتسعين عاما من اغتصاب الأقصى. لم يرفع فيه أذان، ولم تقم فيه صلاة. والأمر نفسه تكرر في عهد المغول؛ حيث وحّد اغتصاب المغول لأرض فلسطين المسلمين مرة أخرى وجاؤوا زاحفين بقيادة المماليك، وقضوا على هذا الشر الذي نشر الفساد العريض في ربوع المسلمين.
6- أمة الإسلام هي أمة حية؛ وليس كما يصفها حكامها أمثال السيسي والسبسي وحكام آل سعود ومشيخات الخليج. فقد انتصرت على الصليبيين والمغول، وانتصرت على الحملات الصليبية في بلاد الأندلس تحت إمرة القائد العظيم يوسف بن تاشفين، وانتفضت في وجه الاستعمار الأول بعد هدم الخلافة، وأخرجته من أرضها. وانتفضت في وجه حكامها مرات عديدة؛ بسبب بعدهم عن دينها وبسبب ضياع فلسطين. وبسبب التحالفات الصليبية مع أمريكا ضد العراق وأفغانستان، وما زالت الأمة تنتفض في وجه حكامها حتى اللحظة تريد التخلص من الظلم والذل والتبعية الاستعمارية والفقر والتمزق والتردي في ذيل الأمم. وهذا مصداقا لقول ربها: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110] ومصداقا لقول رسولها e: «مِثْل أُمَّتِي كَمَثَلِ الْغَيْث لَا يَدْرِي أَوَّله خَيْر أَوْ آخِره» رواه أحمد في مسنده.
وفي الختام نقول بهذه المناسبة الأليمة: إن اغتصاب الأقصى قد أعاد للأمة عزتها مرتين (في عهد الصليبيين والمغول)، وسوف يعيدها أيضا في هذه المرة، وسيكون بإذن الله سببا في انتفاضة الأمة في وجه حكامها لإسقاطهم، تماما كما أسقطوا من خانوا الأقصى في عهد الفاطميين. وبإذن الله عز وجل سيكون مكر الغرب بحق هذه الأمة؛ وخاصة الأقصى المبارك؛ سببا في مكر الله بهم؛ فتعود هذه الأمة وتقضي على ما حاكوه من مؤامرة تضييع فلسطين، وبدل أن يكون يهود سببا في إبعاد الأمة عن دينها يكون ذلك سببا في عزتها ووحدتها.
فنسأله تعالى ونحن في هذا الشهر المبارك أن يكرمنا بالوحدة تحت راية الإسلام في ظل خلافة الإسلام، وأن يكون رمضان هذا فاتحة خير علينا؛ بعودة العزة والانتصارات. اللهم آمين.
رأيك في الموضوع