أكثر ما لفت نظري في البيان "المانيفستو" الذي نشره مجرم نيوزيلندا كان جوابه على السؤال: هل عندك كراهة شخصية ضد المسلمين؟ وكان جوابه: "المسلم، أو المسلمة، الذين يعيشون في بلادهم؟ كلا. أما المسلم/المسلمة الذين يختارون غزو بلادنا والعيش على أرضنا فأنا لا أحبهم (استعمل لفظ لا أحبهم). المسلم الوحيد الذي أكره (وليس لا أحب) هو الذي اعتنق الإسلام من بني جلدتنا، ونبذ تراثنا وثقافتنا وبالتالي أصبحوا خونة لعرقهم. نعم هؤلاء أكرههم". وقد كرر دعوته في بيانه إلى ضرورة استئصال المسلمين "الغزاة"، أي المهاجرين و"الخونة" أي أولئك الذين اعتنقوا دين الإسلام.
في جوابه هذا نجد مفتاحا لفهم نفسية الكراهية التي عمل قادة الغرب وحكامه عبر عقود، بل قرون من الزمن، على زرعها في نفوس شعوبهم لحملهم على كراهية الإسلام والمسلمين، وكل ما يمت لهم بصلة. وحين نعلم أن الإسلام يقوم على قاعدة "لا إكراه في الدين" وأن المسلمين، عبر القرون، لم يُكرهوا أحدا على الدخول في دين الله، كما يشهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء، ويشهد بذلك الواقع التاريخي المتمثل ببقاء أقوام شتى من غير المسلمين يعيشون بين ظهراني المسلمين، فالسؤال يصبح: كيف نفسر ضخ هذه الكراهية المتجذرة في نفوس الجهلة من أبناء الغرب؟ حتى يهود الذين نُكبوا بمحاكم التفتيش سيئة الصيت التي أقامتها الكنيسة في الأندلس لم يجدوا ملاذا آمنا لهم سوى النزوح إلى ديار المسلمين.
ثم ألا يسأل هذا المجرم نفسه: لماذا يدخل الناس في الإسلام؟ لو أنه هو وأمثاله، كانوا منصفين وزعموا أن دين الحضارة الرأسمالية العلمانية يقوم على عقيدة صحيحة وفهم راسخ يسنده الدليل الدامغ على صحة معتقداتهم، إذن لماذا قرر هؤلاء نبذ تلك المعتقدات خاصة في ظل حالة الضعف التي تهيمن على المسلمين الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم وأهلهم لا من "القنابل الذكية" وصواريخ "توماهوك كروز" ولا من رجال مخابرات الحكام المجرمين الذين ينافسون حكام الغرب في التنكيل بكل من يدعو لكسر قيود التبعية للغرب والعبودية للحضارة الغربية؟ وقد سبق لجورج بوش في خطابه أمام مجلسي الكونغرس في 20/9/2001 أن أجاب على السؤال الذي طرحه بنفسه: "لماذا يكرهوننا؟ لأنهم يكرهون حضارتنا وحرياتنا وحقنا في انتخاب حكومتنا، يكرهون هذا المشهد (الديمقراطي أي في الكونغرس)".
نعم هكذا هم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته! زعم بوش وعصابته في الحكم أنه سيتخلص من نظام صدام حسين ليجعل من العراق واحة للديمقراطية ونموذجا يحتذى، بينما أزكمت فضائح سجون أبو غريب وغوانتامو وباغرام الأنوف وكشفت سوءات الحضارة الرأسمالية التي لا تشبع من دماء الشعوب المستعمرة ولا تكتفي من نهب الثروات، كما يكشف تاريخهم الأسود في إبادة الهنود الحمر، وفي قتل الشعوب وتدمير بلادها حيثما حلوا في أفريقيا وآسيا وصولا إلى الحروب العالمية فيما بينهم، وصولا إلى مباركتهم لجرائم سفاح مصر السيسي (الذي لم يستح قادة أوروبا من الجلوس في حضنه في القمة الأخيرة في شرم الشيخ بعد أيام من إعدامه لثلة من شباب الكنانة الأطهار) وتغطيتهم لجرائم بشار الكيماوي.
نعم المجرم الحقيقي وراء جريمة نيوزيلندا هو حكام الغرب الذين أشاعوا السياسات التي تشيطن الإسلام والمسلمين، وتغرس روح الكراهية والحقد على الآخرين. يستوي في ذلك ترامب الذي دعا علانية إلى منع المسلمين من دخول أمريكا حين كان مرشحا للانتخابات وقيامه بفرض حظر على دخولهم بعد وصوله إلى سدة الحكم، وقد صرح مجرم نيوزيلندا بأن ترامب قدوة له في محاربة المسلمين وليس بصفته سياسياً بارعاً، يستوي مع بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني الذي تهجم على النساء المسلمات، ومع عضو الكونغرس الأمريكي ستيف كينغ الذي حذر من "أننا لا نستطيع تجديد حضارتنا بأبناء المهاجرين"، يوافقه في ذلك لورا أنغراهام وهي إعلامية في وكالة فوكس نيوز الموالية لترامب التي قالت إن أمريكا (البيضاء) قد تلاشت بسبب طوفان المهاجرين الذين غيروا التركيبة السكانية لأمريكا.
ومن هذا القبيل التصريحات المتكررة للساسة الأوروبيين مثل فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، الذي نصب نفسه مدافعا عن الحضارة الأوروبية النصرانية متعهدا بالتصدي للخطر الداهم بانتشار المسلمين في أوروبا، ومثله وزير الداخلية الإيطالي ماثيو سالفيني المنتمي إلى المنظمة اليمينية (الرابطة الشمالية) الذي سلط الضوء على خطر المهاجرين في إيطاليا ليصرف الانتباه عن جرائم عصابات المافيا التي نهبت مليارات اليوروات من جراء طمرها لـ125 ألف متر مكعب من النفايات السامة شمال نابولي، كما كشف السيناتور بياترو غراسو في تصريحه: "للأسف فإن الحكومة الإيطالية أعطت الأولوية للتصدي للمهاجرين بتضخيم خطرهم بأنهم الخطر الداهم، بدل أن تتصدى للمشاكل الحقيقية كعصابات المافيا التي يزداد قادتها غناء وثراء". (صحيفة الغارديان البريطانية 12/2/2019).
فساسة الغرب يضخمون فزاعة خطر المهاجرين على حساب التصدي للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات الغربية، وهذا ما يجد طريقه إلى بعض النفوس المريضة التي تمتلئ حقدا وكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
في مواجهة هذا كله نجد أن الإسلام يخاطب الناس جميعا بدعوة الحق ليعيشوا في ظلاله برباط أخوة العقيدة التي لا تميز بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
اللهم ارحم ضحايا المسلمين في نيوزيلندا وتقبلهم في عليين.
رأيك في الموضوع