قال رئيس مجلس الوزراء السوداني محمد طاهر إيلا في أول مؤتمر صحفي بعد تعيينه إن حكومته ستضع نصب أعينها معالجة القضايا، وهموم المعاش والخدمات، وتابع "سنعمل على المساهمة في كل ما هو مطلوب من ترقية الحياة ومعالجة قضايا الناس، وتوفير فرص العمل الكريم للشباب"، وأشار إيلا إلى أن الفترة المقبلة، لإزالة المعوقات التي جعلت الوطن في مؤخرة دول العالم، بالرغم من أنه يتمتع بموارد كبيرة. (شبكة الشروق 25/02/2019م).
برزت قضية معاش الناس، في خطاب الرئيس البشير أمام البرلمان، كأولوية ستُعالج عبر برنامج إسعافي سريع ومباشر، ودعا المختصون إلى ضرورة اتخاذ سياسات عملية، أهمها الموجهات الرئيسية للبرنامج الخماسي لزيادة الإنتاج والإنتاجية، وطبل حينها المطبلون، واستبشر البسطاء بأن ضائقة المعيشة ستنجلي، لكن سرعان ما تكشفت الأمور واتضح أن كل القرارات والخطط التي تضعها الدولة لتخفيف الضغوط المعيشية الكارثية، وتخفيف حدة الفقر، هي خطط غير فعالة، ولا جدوى منها، وهي للاستهلاك فقط، لأن كل المسؤولين يتحدثون عن تحسين معاش الناس، ومعاش الناس كل يوم في انحدار، كما أن المشاريع التي تطرح لدعم الفقراء لا يكتمل تنفيذها، والسبب الأساس في ذلك الفساد الذي تعيشه البلاد، والذي يقدمون له كل يوم محاكمة من يسمون (القطط السمان)، وهم مسؤولون نهبوا المال العام، فزهد فيهم النظام، وسلم بعضهم ليحاكموا بدلاً عن محاكمة النظام نفسه الذي هو شريكهم، بل مديرهم في النهب المنظم والمقنن، لثروات البلد الغني بموارده.
لقد عجزت حكومة الإنقاذ عن توفير المتطلبات الأساسية لرعاياها؛ من تعليم وعلاج وغيرهما من ضروريات الحياة، كما أخفقت تماماً في تهيئة البنى التحتية، ولا تزال البلاد تقع تحت خط الفقر بشكل غير مسبوق، بالرغم من تصريحات رئيس الوزراء الحالي، والذين سبقوه مراراً وتكراراً بالاهتمام بمعاش الناس، ورغم وجود العديد من الجهات التي تدعي أنها تعمل من أجل تخفيف حدة الفقر، المتأصلة في المجتمع، مثل جنة الإنتاج ومعاش الناس في الحوار المجتمعي المزعوم، ومؤسسات التمويل الأصغر، ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، والجمعيات الخيرية، لكن معاش الناس يزداد سوءاً على سوء!!
ويعاني الوضع الحالي من غياب الإحصائيات الدقيقة لقياس الفقر، وضعف الدراسات الاقتصادية في هذا الاتجاه، وبحسب التقديرات التي قامت بها منظمة الأغذية العالمية الفاو، بالتعاون مع وزارة الزراعة، فإن معدل الفقر يزيد عن نصف عدد السكان في السودان في كل الولايات دون استثناء. والحال يغني عن السؤال، فالناظر في حالة الأسواق والمحال التجارية، يجد أن هناك العديد من أنواع التجارة التي ظهرت نتيجة حالة التقشف التي يعيشها الناس التي وصلت مرحلة شراء كل شيء يسد الرمق؛ العظام عوضاً عن اللحوم، وشراء مخلفات الذبيح من الأبقار والدواجن، وهي مخلفات غير مرغوب فيها، وشراء كل الاحتياجات بما يعرف بنظام (قدر ظروفك) أي أن تشتري حسب ما عندك من مال، حتى الدواء يتم شراء قسط منه حسبما يتوفر من مال، أما شرائح الفاكهة مثل بيع شرائح المانجو والبطيخ فإنها منتشرة حتى جوار الجامعات، مما يدل على أن أهل السودان في مرحلة متأخرة جداً من الفقر والجوع والعوز.
كل ما ذكرناه آنفاً ما هو إلا انعكاس لحالة الأوضاع السياسية، لأنها هي المسؤولة عن كل هذا التردي، إذن من باب أولى أن تعالج إشكالات الأزمة السياسية بما ينعكس إيجاباً على تحسين الاْوضاع الاقتصادية، أي العمل على تغيير النظام الرأسمالي، وإيجاد بديل أصيل كمخرج من هذه الأزمات الطاحنة، إنها معالجة بسيطة ولكن طريقها صعب على دويلة وظيفية تسير تحت ظل المستعمر الرأسمالي فيخط لها الخطط والمعالجات.
إن أية معالجات اقتصادية بعيداً عن معالجة الأزمة السياسية الراهنة وهي أزمة نظام تبقى معالجات ناقصة، لأن العلة لا تكمن فقط في خروج موارد البترول من دائرة الفعل الاقتصادي، كما يروج لذلك البعض، إنما في سياسات مبنية على أحكام البشر الوضعية، التي أوصلتنا إلى الاستدانة بالربا وفرض الضرائب والجمارك، فأنتجت انفصال أغنى جزء من السودان، إضافة إلى التنمية غير المتوازنة وعدم التوظيف الأفضل للموارد المتاحة وسياسات التجنيب المستقطعة من الدخل القومي، ومن عائدات البترول والذهب، وقبل كل ذلك، السياسات والتدابير الاقتصادية السالبة، بدواعي الإصلاح! كل هذه السياسات هي نتاج نظام وضعي، يستند على أعداء الأمة، ولا يتقي الله ويتصرف حسب ما يبقيه في سدة الحكم. فإذا قال لك أحدهم وأنت مريض، لا تستخدم العلاج إلا بعد الشفاء، فما هي صفة هذا الشخص؟ قطعاً هو عدو لا يريد لك الشفاء! إن هذه الوصفة المهلكة هي وصفة صندوق النقد الدولي للسودان، وهي التي أوصلته لهذا التخبط، وفقدان البوصلة.
بعض المعالجات المطروحة لعلاج الوضع الاقتصادي، من صندوق النقد الدولي، لا تتعدى زيادة الضرائب، وتقليل الإنفاق، والقروض، والخصخصة، أو تُرسم سياسات وتُوضع خطط تُستخدم فيها مصطلحات، مثل زيادة الإنتاج والإنتاجية، وتفعيل سياسات كذا، وتشجيع النهضة الزراعية، وتوجيه كذا، وهو كلام عام غير محدد، ويفتقر لوضوح الهدف وبيان المقصد، وطريقة التنفيذ، وهو الأساس في الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في السودان. فالربا والضرائب والخصخصة والجمارك، تعطل الإنتاج وتورث غضب الله لأنها محرمة شرعاً.
إن هذه الحلول المطروحة، بطريقة النظام الاقتصادي الرأسمالي، لا تحل المشكلة، وإن أثمرت فهي ثمار الزقوم لجل المجتمع ليفوز 5% فقط ببعض الثروة، وتذهب ثروات البلاد للكفار المستعمرين.
إن معالجة الأزمات الاقتصادية تبدأ بالتخلي الفوري عن النظام الاقتصادي الرأسمالي، بتمزيق روشتات صندوق النقد الدولي، والتفكير المبدئي على أساس دين أهل السودان، ولا شك أن التفكير العميق المستنير، يقود إلى الإسلام العظيم وأحكامه، بوصفها العلاج الناجع لهذه المشكلات الاقتصادية، ولجميع مشكلات الإنسان، ومن هذه الأحكام أحكام الملكيات، التي تقسم الثروات بعدالة على الناس، والدولة في الإسلام دولة رعاية، تشجّع الرعية على العمل، وحيازة الثروات، وإحياء الأرض الموات، وتذلّل الصعوبات، وتحتضن الكفاءات، وتقرض من بيت مال المسلمين من غير ربا، لتمويل الزراعة، والصناعة، والتجارة، وفوق كل ذلك تحرّم وصاية الكفار على ثروات البلاد. هذه المعالجات لا يمكن أن تقوم إلا في ظل دولة مبدئية تحكم على أساس الإسلام، فتحل كل الأزمات بشرع الله الحكيم الخبير.
حل مشكلات الناس يحتاج إلى إرادة سياسية مبدئية
بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب)
رأيك في الموضوع