منذ أن أطلق الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور مشروعه المشئوم ملء الفراغ والصراع الإنجلو-أمريكي محتدم ولا يكاد يتوقف إلا كاستراحة محارب. فقد نص ذلك المشروع المشئوم على طرد نفوذ بريطانيا من مستعمراتها ليحل محلها الاستعمار الأمريكي، وقد راح ضحية ذلك الصراع الذي امتد لأكثر من نصف قرن من الزمن مئات الآلاف أغلبهم من المسلمين. إلا أن الملاحظ أن أمريكا قد نجحت في طرد بريطانيا من بعض مستعمراتها ومناطق نفوذها، وسوف نعرض مجموعة من الأمثلة على ذلك:
أولا: البلاد التي نجحت أمريكا بطرد نفوذ الإنجليز منها:
1- تركيا
لقد ظلت تركيا خاضعة لنفوذ الإنجليز منذ إسقاط الخلافة العثمانية إلى أن وصل أردوغان إلى الحكم، فقد كان للعلمانية الكمالية التي حاربت الإسلام بشكل سافر أثر كبير في كراهية الناس لها خاصة والغالبية الساحقة هم من الإسلاميين. فقد فرضت أمريكا على النظام التركي الموالي للإنجليز حينها انتخابات وتعمدت أن يظهر حزب العدالة والتنمية المشاعر الإسلامية لكسب أصوات الإسلاميين وهذا ما كان، ثم أدخلت وحدات مكافحة (الإرهاب) لكي يتكئ عليها أردوغان حتى لا ينقلب عليه الجيش الموالي للإنجليز كما انقلب على عملائها السابقين، ثم بدأت تسحب البساط عن الجيش حتى تسنى لها ذلك بعد الانقلاب الفاشل عام 2016م الذي استطاع أردوغان أن ينظف الجيش من عملاء الإنجليز. وبذلك تكون أمريكا قد طردت نفوذ بريطانيا من تركيا بعد صراع مرير ذهب ضحيته آلاف المسلمين.
2- إيران
لقد كانت إيران خلال حكم الشاة خاضعة لنفوذ الإنجليز فاستطاعت أمريكا إسقاط حكمهم وجاءت بعملائها، ولا زالت إيران منذ ثورة 1979م منطقة نفوذ لأمريكا ودائرة في فلكها.
3- سوريا
لقد كان الصراع الإنجلو-أمريكي في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي محتدما بقوة حتى إن عام 1949م شهد ثلاثة انقلابات عسكرية إلا أن أمريكا استطاعت أن تزيح نفوذ الإنجليز عام 1963م عندما جاءت أمريكا بعملائها في حزب البعث الاشتراكي الذي ظل في الحكم أكثر من نصف قرن من الزمن سام المسلمين في سوريا خلال فترة حكمه سوء العذاب حتى اشتعلت الثورة عام 2011م ضده لإسقاط نظام حكمه وإقامة الخلافة الراشدة على أنقاضه وكادت أن تنجح في ذلك فجاءت أمريكا بأوباشها إيران وأحزابها وروسيا وتركيا وذلك لمنع سقوط عميلها المجرم بشار وهي تسعى اليوم إلى تعويم نظامه لإيهام العالم أنها قد قضت على الثورة. ولكن مكرها ومكر عملائها بإذن الله إلى زوال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
4- مصر
كانت مصر خاضعة لنفوذ الإنجليز في عهد الملكية فاستطاعت أمريكا إسقاطها ثم جاءت بعملائها إلى الحكم ولا زالت مصر خاضعة لنفوذها إلى اليوم. ورغم أن ثورة 25 يناير 2011 أطاحت بعميلها مبارك إلا أنها استطاعت إجهاض الثورة وذلك بسماحها لمرسي بالصعود إلى الحكم لسحب الشارع ثم أوعزت للسيسي أن ينقلب على مرسي لكي يعود عملاؤها للحكم بوجوه جديدة كعدلي منصور ثم السيسي.
5- العراق
كان العراق خاضعاً لنفوذ الإنجليز منذ احتلاله عام 1915م إلى أن أطاحت أمريكا بحكم صدام عام 2003م. ورغم احتدام الصراع بينهما في فترات مختلفة حيث استطاعت أمريكا إيصال عملائها إلى الحكم كعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وغيرهما إلا أن وصول صدام حسين للحكم جعل قبضة الإنجليز على العراق قبضة حديدية لم تستطع أمريكا إزاحته إلا باجتياحها للعراق عام 2003م حيث أطاحت بحكم صدام وتم إعدامه في 2004م فأدخلت العراق في دوامة من العنف والفوضى العارمة والنهب المرعب للمال العام والفساد المخيف وسفك الدماء الذي لم يتوقف منذ 15 عاما، فرغم طرد نفوذ الإنجليز إلا أن أمريكا عاجزة هي وعملاؤها العبادي وإيران أن توجد السكينة في العراق لعدة أيام، وها هو ترامب يزور العراق سرا كالسارق الذي يغافل الناس ويأتي في جنح الظلام.
6- السودان
كان الصراع محتدما بين أمريكا وبريطانيا حتى جاءت أمريكا بعميلها البشير الذي ينفذ مخططاتها بدقة ومنها فصل جنوب السودان. وها هي الاحتجاجات التي أصبحت ثورة تطالب برحيله فهل سيجعلها أهل السودان من أجل قيام الخلافة التي تحكم بالإسلام أم سيتم ركوب موجتها وإجهاضها؟
7- باكستان
ظلت باكستان خاضعة لنفوذ الإنجليز منذ احتلالهم لها حتى جاءت أمريكا بعملائها ولا زالت منطقة نفوذ لها حتى اليوم.
8- السعودية
كانت السعودية خاضعة لنفوذ الإنجليز حتى صار الملك سعود مع أمريكا ومن ذلك اليوم أصبح الصراع بينهما على أشده حتى وصل سلمان إلى الحكم واستطاع هو وابنه إزاحة نفوذ الإنجليز منها أو كاد.
ثانيا: البلدان التي لا زال الصراع الإنجلو-أمريكي محتدما فيها:
1- اليمن
فالصراع في اليمن بين أمريكا وعملائها الحوثيين من جهة وبين بريطانيا وعملائها كهادي والإمارات من جهة ثانية لا زال محتدما حتى بعد المفاوضات فبعض الجبهات مشتعلة والحرب خلال الأربع سنوات الماضية وكوارثها التي خلفتها على أهل اليمن شاهدة على شدة احتدامها وعجز كل طرف عن حسم الصراع فيها لصالحه.
2- ليبيا
كانت ليبيا خاضعة لنفوذ الإنجليز منذ أن جاءت بريطانيا بعميلها معمر القذافي عام 1969م فيما عرف بثورة الفاتح من سبتمبر حتى اشتعلت ثورة 2011م ضده وبعدها احتدم الصراع فقد جاءت أمريكا بعميلها حفتر الذي ظل في أمريكا عشرين عاما هارباً من بطش القذافي وقد راح ضحية ذلك الصراع عشرات الآلاف من أهل ليبيا ولم يستطع أي طرف حسم الصراع فيها لصالحه.
3- الأردن
كانت الأردن ولا زالت خاضعة لنفوذ الإنجليز منذ نشأتها وحتى اليوم إلا أن أمريكا تعمل لإزاحة نفوذ الإنجليز من خلال منظماتها ومؤسساتها المالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والصراع اليوم بينهما محتدم بقوة، وضحية الصراع دائما هم المسلمون.
من سيحسم الصراع في اليمن!!
ليس من السهل أن يحسم أحد الطرفين الصراع في اليمن لسببين: الأول أن بريطانيا التي تفردت بحكم اليمن أكثر من 30 عاماً لم يعد بمقدورها حسم الصراع لصالحها لكنها لا زالت تملك أغلب الوسط السياسي في اليمن وتسيطر على الجنوب عن طريق الإمارات وتحاول خنق الحوثيين في الحديدة لولا ضغوطات أمريكا.
والثاني أن أمريكا تدعم الحوثي بكل ما أوتيت من قوة ولن تسمح لعملاء الإنجليز القضاء عليه أو إضعافه وهي تسعى لإلباسه ثوب الشرعية وخلع ثوب الانقلاب عنه. ولذلك سيستمر الصراع يشتد حينا ويهدأ حينا آخر فليس بمقدور أي طرف حسم الصراع لصالحه في المدى المنظور.
المخرج من هذا الصراع ومخلفاته:
إن المخرج من كل هذه الأزمات والمشاكل التي خلفها هذا الصراع المشئوم في اليمن وغيره لن يكون إلا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يدعو حزب التحرير جميع المسلمين أن يعملوا معه لإقامتها فهي التي ستقتلع كل نفوذ الكفار من جميع البلاد وتقضي على شرورهم بين العباد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع