بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
آخر المستجدات على الساحة السورية
من إعلان أردوغان خطته للهجوم شرق الفرات إلى إعلان ترامب سحب قواته من سوريا!
السؤال: توالت التصريحات من أردوغان حول الهجوم شرق الفرات، ثم تأجيل الهجوم، ثم معاودة التصريح بالهجوم...إلخ ثم المسارعة إلى روسيا بالتنسيق في العمليات بعد أن طلب الأكراد في منبج الحماية من النظام السوري... وقد تخلل ذلك إعلان ترامب أنه سيسحب الجيش الأمريكي من شرق الفرات... ثم الحديث عن سدّ الفراغ وهكذا... والسؤال هو: ما وراء تردد أردوغان في موضوع الهجوم شرق الفرات؟ وهل هذه الأعمال والتصريحات من أردوغان بالتنسيق مع أمريكا أو دون تنسيق ما يعني اختلافاً في السياسة بين ترامب وأردوغان؟ ثم ما الدافع لانسحاب الجيش الأمريكي من سوريا؟ والمعذرة عن طول السؤال وجزاك الله خيراً.
الجواب: بالتدقيق في الأحداث منذ إعلان أردوغان خطته للهجوم شرق الفرات وإلى إعلان ترامب الانسحاب من سوريا حتى اليوم... يتبين:
أولاً: سياسة أردوغان هي وفق السياسة الأمريكية لا تتجاوزها بشيء ذي بال، بل كما يقال حذو القذة بالقذة، وبيان ذلك:
1- جاء المبعوث الأمريكي لسوريا جيمس جيفري إلى أنقرة واجتمع مع المسؤولين الأتراك 7/12/2018، ورسم الخطة المرحلية الأمريكية في سوريا خاصة في منبج وإدلب، وأكد جيفري، أن التعاون حول منبج أصبح نموذجاً لإحلال السلام في سوريا، حيث ("من غير الممكن إيجاد حل نهائي هناك دون تعاون وثيق بين الولايات المتحدة وتركيا". وحول التعاون مع المسلحين الأكراد، قال: "دائما نؤكد أن عملنا مع قوات سوريا الديمقراطية ضد (داعش) مؤقت، وتكتيكي"... آر تي أون لاين في 8/12/2018)، وبعد أربعة أيام من تلك الزيارة أعلن أردوغان عن خطته الجديدة شرقي الفرات (في خطاب بثه التلفزيون، قال الرئيس التركي "سنشرع في عمليات عسكرية، خلال أيام، لإخلاء شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين"، مشيراً إلى المناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب"... بي بي سي 12/12/2018).
2- بعد الإعلان التركي عن الحملة العسكرية الجديدة شرقي الفرات بساعات صدرت تصريحات أمريكية تعارض ذلك، وكان مركزها البنتاغون (وقال "شون روبرتسون"، المتحدث باسم "البنتاغون"، في بيان، إن "القيام بعمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سوريا خاصة في ظل احتمال وجود أفراد من الجيش الأمريكي هناك أو في محيط المنطقة محل قلق بالغ". وأضاف: "أي أفعال من هذا النوع غير مقبولة بالنسبة لنا"... موقع الخليج الجديد 13/12/2018)، وبهذه المعارضة التي كان مركزها البنتاغون وأعضاء جمهوريين بارزين في مجلس الشيوخ الأمريكي فقد وجدت تركيا نفسها بين رأيين مختلفين يصدران عن واشنطن، لذلك تجمدت الخطة التركية انتظاراً للرأي النهائي في واشنطن! وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الاثنين 17/12 (إن بلاده ربما تشن في أي وقت عملية عسكرية جديدة في سوريا..." وقال أردوغان في خطاب ألقاه بإقليم قونية بوسط البلاد "أعلنا رسميا أننا سنبدأ عملية عسكرية شرقي الفرات". وأضاف "ناقشنا ذلك مع السيد ترامب وكان رده إيجابياً"... رويترز 17/12/2018).
3- أعلن الرئيس الأمريكي ترامب وبشكل مفاجئ يوم الأربعاء 19/12/2018 سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأن ذلك بناءً على إنجاز المهمة، وهي دحر "تنظيم الدولة" (قال ترامب: "بعد الانتصارات التاريخية ضد "داعش"، حان الوقت لإعادة شبابنا العظماء إلى الوطن"... وكالة سبوتنيك الروسية 20/12/2018)، وبهذا الانسحاب ظهر وكأن أمريكا تخلي ساحة شرقي الفرات لتركيا، وعلى الفور أعيدت الحياة لخطة أردوغان، فوَفق المصدر نفسه (أرسل الجيش التركي تعزيزات جديدة نحو وحداته قرب الحدود مع سوريا، جنوبي البلاد).
4- بإعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا فقد ثارت عاصفة من الاحتجاجات بين السياسيين الأمريكان في واشنطن، وعارضها أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري، وبلغ من وقعها أن أدت وبشكل مفاجئ إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي (تقدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس باستقالته من منصبه... ولمح ماتيس بقوة في رسالة استقالته إلى وجود اختلافات في السياسات مع الرئيس ترامب..." بي بي سي 21/12/2018). ومع هذا الحرج في واشنطن قال الرئيس التركي في خطاب بإسطنبول (كنا قررنا في الأسبوع الماضي القيام بتوغل عسكري شرقي نهر الفرات... تحدثنا هاتفياً مع الرئيس ترامب وحدثت اتصالات بين دبلوماسيين ومسؤولين بالأمن وأصدرت الولايات المتحدة بيانات، وقد دفعنا هذا إلى التريث لبعض الوقت. وأضاف أردوغان "أرجأنا عمليتنا العسكرية ضد "المقاتلين الأكراد" في شرقي نهر الفرات حتى نرى على الأرض نتيجة القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا"... رويترز 22/12/2018).
وبهذا يتضح بأن العملية العسكرية التركية شرقي الفرات عادت بعد يومين فقط إلى مرحلة الانتظار مجدداً، لأنها تدور مع الهبّات القادمة من واشنطن، فتنشطها أو تخمدها، وأن التصريح بالهجوم والتأجيل كانت تقتضيه اعتبارات أمريكية منذ زيارة جيفري وما تبع تلك الزيارة، أي أن تركيا لا سياسة لها في سوريا بشكل منفصل عن ما يأتيها من واشنطن بما يكاد ينزل بها من الدوران في الفلك إلى ما يقربها من العملاء، فإن النظام في تركيا كان يراعي مصالح أمريكا أكثر من مصالح تركيا في أحيان كثيرة كما كان في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"! وكانت تُلزَم بالخطوط الحمراء الأمريكية كما كان في منبج عندما اقتربت منها عملية "درع الفرات"، فتوقفت بعيداً عنها!
ثانياً: أما عن الدافع لقرار الانسحاب الذي اتخذه ترامب فيمكن فهمه من استعراض الأمور التالية:
1- بعد خيبة الأمل التي حصلت نتيجة التدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق، دافع الرئيس الأمريكي أوباما في وقت سابق عن شكل جديد من أشكال التدخل الذي استبعد أو قلل من مشاركة القوات الأمريكية فيها، واعتمد بشدة على الحلفاء لتزويدهم بالجنود في القتال. ومنذ بداية الصراع السوري، حشدت أمريكا أتباعها في المنطقة مثل تركيا وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الاتحاد الأوروبي للعب دور فاعل في إحباط الثورة ضد الأسد. وعندما لم يكن هذا كافياً، لجأت الولايات المتحدة بشكل علني إلى مساعدة روسيا لإيجاد حل دبلوماسي عن طريق اتفاقات جنيف... ومع ذلك فلم تُخلِ أمريكا الساحة السورية عسكرياً.
ولما جاء ترامب ركز على هذه المسألة فكان قرار الانسحاب في 19/12/2018 وقد دافع ترامب عن قراره، فكتب تغريدات عدة يوم 20/12/2018 على موقع تويتر: "إنه يفي بتعهد قَطَعهُ أثناء حملته الانتخابية في عام 2016 بالخروج من سوريا. وإن الولايات المتحدة تقوم بعمل دول أخرى منها روسيا وإيران دون مقابل يذكر. وقد حان الوقت أخيراً لأن يحارب آخرون... روسيا وإيران وآخرون هم العدو المحلي للدولة الإسلامية. نحن نؤدي عملهم. حان الوقت للعودة إلى الوطن وإعادة البناء" (وقال ترامب في تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل (الاجتماعي) "تويتر": "خططنا للبقاء في سوريا 3 أشهر، وكان ذلك قبل 7 سنوات، لم نغادر أبداً". وتابع: "عندما أصبحت رئيساً، كانت "داعش" تزداد شراسة، وها هو الآن قد انهزم شرَّ هزيمة، وحان الدور على الدول الأخرى مثل تركيا للقضاء على ما تبقى منه بسهولة، نحن عائدون إلى الديار"... روسيا اليوم 22/12/2018).
وفي الوقت نفسه شكر روسيا وإيران والنظام السوري وأردوغان عندما أدّوا خدمة كبيرة لأمريكا في اتفاق سوتشي حول إدلب يوم 17/9/2018 مذكّرا أنه هو الذي أراد عقد هذا الاتفاق فلبّوا طلبه... فهو يدرك أن روسيا وإيران وحزبها في لبنان وأشياعها وتركيا والسعودية وأتباعهما من التنظيمات وغيرهم مستعدون للقتال للغاية نفسها التي تقاتل من أجلها أمريكا للحيلولة دون سقوط النظام السوري والحيلولة دون عودة الإسلام، فقد تعهدوا بذلك سراً وعلناً في اتفاقيات جنيف وأستانة وسوتشي وفي الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا وخاصة قرار 2254 الذي تقدمت به أمريكا إلى المجلس ونال الإجماع وأصبحت كل هذه الأطراف وغيرها تطالب بتطبيقه. وقد ذكرنا في جواب سؤال بتاريخ 29/7/2018 أن من خطط أمريكا: ("الاعتماد على قوى إقليمية "لحفظ السلام"، وقد تستقدم قوات مصرية وسعودية وتركية لهذا الغرض. وهذا الكلام ليس جديداً... ولم ينته هذا التصور الأمريكي للحل في سوريا والقاضي باستجلاب قوات من الخارج... إن إدارة دونالد ترامب تخطط لإحلال قوات عربية محل القوات الأمريكية في سوريا لحفظ الاستقرار في شمال شرق البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية...") وقد أعلن ترامب ذلك مباشرة في تصريحاته الأخيرة.
2- إن ترامب يفكر بعقلية التاجر التي تسيطر عليها فكرة الربح والخسارة، فهو يريد توفير نفقات الجنود الأمريكيين على الخزينة الأمريكية، ومع أن السعودية والإمارات كانت تدفع معظم نفقات الجنود الأكراد وتسليحهم وكذلك تساهم في تكاليف التحالف الدولي: (المملكة العربية السعودية والإمارات، باتوا في الآونة الأخيرة أحد أهم القوى الناعمة اللاعبة داخل سوريا، على خلفية تقارير إعلامية ذكرت دعم الرياض لكرد سوريا، على الحدود التركية... مصر العربية في 4/12/2018). وكذلك أعلنت السعودية يوم 14/12/2018 تسديد مبلغ للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا. فقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت ("إن السعودية ساهمت بمئة مليون دولار في حين تعهدت الإمارات بتقديم 50 مليونا في التمويل الجديد"... الخليج أونلاين 17/12/2018) ومع ذلك فهو يريد أن تُغطّى كل نفقات جنوده وتكاليف تنقلاتهم وأسلحتهم لأنه يعدُّ تلك النفقات خسارة في عرفه كتاجر، ومن ثم يريد أن يقوم بهذا الدور غيره، وهذا ظاهر غير خفي في تصريحاته التي نقلتها رويترز 20/12/2018 عقب قراره الانسحاب من سوريا (وأضاف "هل تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، وألا تحصل على شيء سوى بذل الأرواح الغالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية آخرين لا يُقدِّرون، في معظم الأحيان، ما نقوم به؟ هل نريد أن نظل هناك للأبد؟ حان الوقت أخيراً لأن يحارب آخرون") من كل ذلك يتبين أن أمريكا تريد أن يقوم الآخرون بحروبها، فتسيل دماؤهم بدل دمائها، وتُفتح خزائنهم بدل خزائنها!
3- إن ترامب يريد أن تنشغل الأطراف بالحل السياسي كما تريد أمريكا وليس بالأعمال العسكرية على الأقل في الظروف الحالية وقد صنع ذلك بتوقيف حشود روسيا والنظام تجاه إدلب لأنه يريد تأمين الحل السياسي وفق مخططاته قبل كل شيء، وقد أشرنا إلى ذلك في جواب السؤال الذي أصدرناه في 22/9/2018: (وقد باتت روسيا تعي هذه السياسة الأمريكية... لذلك لم تستطع إكمال هجومها الذي أعدت له لإنهاء الأزمة في إدلب على طريقتها لأن تركيا بدفع من أمريكا اعترضت وإيران صمتت... وهكذا فشل اجتماع إيران 7/9/2018 في إقرار خطة روسيا لمهاجمة إدلب وإنهاء الأزمة على طريقة روسيا، ولم يمضِ سوى بضعة أيام حتى عُقد اجتماع أردوغان بوتين وحل محل الهجوم إنشاءُ منطقة منزوعة السلاح وذلك بمباركة أمريكية! فقد نقلت وكالة نوفستي يوم 18/9/2018 عن مسؤول في الخارجية الأمريكية قوله للوكالة: "نرحب ونشجع روسيا وتركيا على اتخاذ خطوات عملية لمنع الهجوم العسكري من حكومة الأسد وحلفائه على محافظة إدلب"... وهكذا أوقفت روسيا قصفها على إدلب وأعادت سفنها التي ناورت في البحر المتوسط، ولا تزال تستجدي أمريكا مباشرة أو عبر تركيا لحسم موضوع إدلب عسكرياً قبل الحل السياسي... ولكن أمريكا تريد الحل السياسي قبل أي حسم عسكري في إدلب لاستعمالها ورقة ضغط لابتزاز روسيا حول قواعدها العسكرية في سوريا ومن ثم تجعل المعارضة تعرض موضوع القواعد في الحل السياسي... أي أن اهتمام تركيا ومن ورائها أمريكا بمنع هجوم روسيا على إدلب كان في الدرجة الأولى لمصلحة أمريكا وليس لمنع النظام من الوصول لإدلب أو لحماية المدنيين، بل في الوقت الذي تُحكِم فيه أمريكا الحل الذي تريد وتُخضع له روسيا فحينها تهون عندهم دماء إدلب، مدنيين أو غير مدنيين، منزوعة السلاح أو غير منزوعة السلاح... وسيرتهم تنطق بذلك في مناطق سوريا المختلفة، وجرائمهم تتقدمهم من كل جانب...) انتهى الاقتباس. وهكذا فإن ترامب باتخاذه قرار الانسحاب فقد قرَّب الأطراف من هذا الهدف، فهو قد خدع تركيا بأن جعلها تظن أنها ستسد فراغ انسحاب القوات الأمريكية... وأدخل الرعب في قلوب الأكراد بتهديدها من قبل تركيا، فسارعت إلى النظام تطلب منه أن يحميها، وهذا ما أراده النظام، فأمام تهديدات تركيا للأكراد في منبج توجه النظام بقواته إلى منطقة منبج... ولأن روسيا تدعم النظام وفي الوقت نفسه متفقة مع تركيا، وإذن يصبح من الصعب أن تقاتل تركيا النظام في منبج إلا إذا جدَّت علاقات جديدة في المنطقة... وهكذا جعل ترامب الأطراف لا تجد ميسوراً أمامها إلا أن تبدأ في أحاديث التسوية وفق ما تريد أمريكا! وقد بدأت بعض الأطراف تتحدث بذلك علناً وآخرون يتحدثون سراً:
أ- أشارت الناطقة باسم الخارجية الروسية إلى (أن قرار واشنطن سحب القوات من سوريا عليه المساهمة في التوصل إلى تسوية شاملة للوضع، مشيرة إلى عدم وجود وضوح في الجدول الزمني للانسحاب من سوريا... سبوتنيك عربي 26/12/2018).
ب- مصادر "المدن" (أكدت أن عملية السيطرة على منبج والتي أعلن عنها منذ يومين، توقفت بطلب من الجانب التركي، وتم تأجيلها بهدف إجراء المزيد من المفاوضات التركية مع روسيا وأمريكا... المدن 27/12/2018) انتهى
وعليه فقد استطاع ترامب أن يحول جهود الأطراف إلى التسوية التي مهد لها بموضوع الانسحاب الذي صرح به... حيث أصبحت الأطراف لا تجد أمامها إلا مخطط أمريكا بالتسوية لأزمة سوريا.
4- ثم إن العامل الانتخابي هو كذلك من الأسباب المعتبرة ذات الأهمية عند ترامب، فإن لدى ترامب موقفاً شخصياً قديماً ضد الحروب الخارجية، وفقا لحملة "أمريكا أولا" التي جعلته يفوز في الانتخابات، ومن ثم فإن الدعوة إلى انسحاب القوات من سوريا وأفغانستان تعود بالنفع عليه شخصياً، من أجل الحملة الانتخابية المقبلة لعام 2020. ولذلك فهو مهتم بعودة 2000 من القوات الأمريكية من سوريا (ذي غارديان في 19/12/2018) و 7000 من أفغانستان، (npr في 21/12/2018) ومن ثم يحظى بشعبية عند الشعب الأمريكي بشكل عام تساعده في إعادة انتخابه في عام 2020:
ثالثاً: وهكذا فقد أوجد ترامب صداعاً بل فوق الصداع لعملائه والأتباع نتيجة قراره بالانسحاب حتى قبل تنفيذه البطيء الذي قد يستغرق أشهراً، هذا إذا تم بكامله... وبتدبر ما جرى ويجري يتبين أن ترامب لا يقيم وزناً للعملاء والأتباع، ولو كانوا يعقلون لانفضوا من حوله ولكنهم لا يعقلون! فاستعملهم لتنفيذ مخططاته بالإذلال والخداع ولم تسلم من ذلك روسيا وأوروبا:
1- فالأكراد الذين هم طوع بنان أمريكا ظنوا أن أمريكا تدربهم وتسلحهم لينفصلوا عن سوريا وتقيم لهم دولة تتكفل أمريكا بحمايتها، وصاروا ينفذون ما تريده أمريكا في سبيل الدولة الموعودة! ولذلك كانوا الخط الأمامي في كل قتال تريده أمريكا! وقد أشاد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك أشتون كارتر بالقوات الديمقراطية السورية، وهي المظلة التي نظمت في إطارها الفصائل الكردية من قبل الولايات المتحدة. وقال كارتر عنهم ("أثبتوا أنهم شركاء ممتازون لنا على الأرض في محاربة (داعش). ونحن ممتنون لذلك، ونعتزم الاستمرار في ذلك، مع الاعتراف بتعقيدات دورهم الإقليمي". (صحيفة حريت ديلي نيوز، 18 آذار/مارس 2016) وهكذا ظن الأكراد أن أمريكا ستَبقى داعمة لهم في السرِّ والعلن ولم يلفت نظرهم تصريح جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا المذكور آنفاً: (... وحول التعاون مع المسلحين الأكراد، قال: "دائما نؤكد أن عملنا مع قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش مؤقت، وتكتيكي"... آر تي أون لاين في 8/12/2018)، بل استمروا في عمالتهم ولهذا سهُل على أمريكا توظيفهم حيث تريد خدمة لمصالحها هي وليس لمصلحتهم! وعندما اقتضت مصلحة أمريكا إصدار قرار الانسحاب وترك ظهرهم مكشوفاً أمام تهديدات تركيا أصدرت أمريكا القرار ودون أخذ مصلحة الأكراد في الاعتبار... وهذا ما دفعهم إلى أحضان النظام وهو ما كانت تبغيه أمريكا لجعل النظام يعود إلى شمال سوريا وبطلب من الأكراد! (حث قادة الأكراد، الذين يسيطرون على معظم شمال سوريا والذين أزعجهم قرار الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة، روسيا وحليفتها دمشق على إرسال قوات لحماية الحدود من خطر هجوم تركي... وتكشف دعوة الأكراد لعودة قوات الحكومة السورية إلى الحدود، التي خضعت لإدارة المسلحين الأكراد لسنوات، عن عمق أزمتهم في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ سحب القوات... سبوتنيك عربي 27/12/2018) وقد اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية قرار الانسحاب الأمريكي المفاجئ من شرقي سوريا ("طعنة في الظهر وخيانة لدماء آلاف المقاتلين"، في أول تعليق لها على القرار، الأربعاء. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن جهات قيادية في قوات سوريا الديمقراطية "اعتبرت انسحاب القوات الأمريكية في حال جرى، خنجراً في ظهر قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي"، التي سيطرت خلال الأشهر والسنوات الفائتة على أكبر بقعة جغرافية خاضعة لسيطرة تنظيم "داعش"، وهي منطقة شرق الفرات مع منبج. موقع التحرير نيوز في 19/12/2018) انتهى
2- وكذلك تركيا فقد أصبحت في حرج، فقد كانت تظن أن انسحاب أمريكا سيجعلها هي التي تسد الفراغ وبخاصة أن قرار الانسحاب كان بعد اتصال ترامب وأردوغان من خلال تلك المكالمة... فقد ذكرت روسيا اليوم 19/12/2018 (كشف مسؤول أمريكي مطلع أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتخذ قرار سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا نتيجة محادثاته الأخيرة مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان. وأوضح المسؤول الأمريكي، في حديث لوكالة "رويترز"، اليوم الأربعاء، أن القرار تم اتخاذه بعد مكالمة هاتفية جرت بين ترامب وأردوغان الجمعة الماضي. وقال المصدر ذاته مبيِّناً: "كل ما حدث لاحقاً يجري تطبيقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال هذه المكالمة الهاتفية".) وعن المكالمة الهاتفية بين أردوغان وترامب فقد نقلت وكالة الأناضول التركية 21/12/2018 (وقال الرئيس التركي "ترامب سألنا: هل بوسعكم القضاء على (داعش)؟" واستطرد أردوغان: "نحن قضينا عليهم، ويمكننا مواصلة ذلك مستقبلا... يكفي أن تقدّموا لنا الدعم اللازم من الناحية اللوجستية... في النهاية بدأوا "الأمريكيون" بالانسحاب. والآن هدفنا مواصلة علاقاتنا الدبلوماسية معهم بشكل سليم"). هكذا كانت تركيا تظن بأنها هي التي تملأ الفراغ... لكن الذي حدث هو تحرك النظام إلى منبج بطلب من الأكراد! (وتجمّع نحو ألف عنصر من قوات النظام، برفقة دبابات وعربات دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة، في نقطة معبر التايهة. ودخل نحو 40 عنصراً من قوات النظام إلى نقطة مشتركة مع "قسد" في قرية اليالني شمال شرقي العريمة. وهي النقطة الأولى التي تتمركز فيها قوات النظام بعد الاتفاق مع "قسد" على نشر قوات مشتركة مقابل نقاط سيطرة الجيش الحر والقوات التركية... موقع المدن 27/12/2018).
ومن ثم توجه وفد تركي في 29/12/2018 وهو مكون من وزير الدفاع التركي والخارجية ورئيس الأركان لمناقشة الموضوع... ولكن تصريحات بعض المسئولين الروس كانت مستفزة لتركيا: فالمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت الأربعاء 27/12، (إنه "يجب أن تسيطر السلطات السورية على الأراضي التي سيخرج منها الأمريكيون". وتابعت زاخاروفا: "بطبيعة الحال يظهر سؤال أساسي: من سيسيطر على المناطق التي سيتركها الأمريكيون؟ من الواضح أن هذا يجب أن يكون من قبل الحكومة السورية بموجب القانون الدولي..." وأعلنت زاخاروفا: "نقوم بتنسيق وجهات النظر عن كثب وننفذ سياسات محددة على المسار السوري مع الزملاء الأتراك، سواء باتجاه السياسة الخارجية أو في مجال العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب على الأرض"... موقع المدن 27/12/2018) وقال السيناتور الجمهوري الأمريكي البارز لينزي غراهام أيضاً (إن ترامب ملتزم بالتأكد من عدم اشتباك تركيا مع قوات وحدات حماية الشعب عقب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وأكد لتركيا حليفة بلاده في حلف شمال الأطلسي إقامة منطقة عازلة في المنطقة للمساعدة في حماية مصالحها. وتَعتبِر تركيا وحدات حماية الشعب فرعاً للحركة الانفصالية الكردية في أراضيها وتهدد بشن هجوم على هذا الفصيل... عربي بوست في 31/12/2018).
ثم أعاد الجيش الروسي، العمل بـ"مركز التنسيق الروسي للمصالحة في سوريا" ("في بلدة العريمة بريف منبج، بعد انسحابه منها قبل فترة"... موقع المدن 27/12/2018)، وكل ذلك أوجد ويوجِد عقبات أمام تركيا في ملء الفراغ!
3- وحتى روسيا الدولة القوية نسبياً فإن أمريكا تنتقل بها من أزمة إلى أخرى... وروسيا تدرك أنها غرقت في مأزق سوريا منذ تدخلها العسكري في سوريا بعد اجتماع أوباما وبوتين في 29/9/2015 فكان بوتين يأمل في مقابل ذلك رفع العقوبات نتيجة القرم ولكنها لم تُرفع... ثم كانت روسيا تريد حسم موضوع إدلب عسكرياً لتتحلل من عبء سوريا وتخرج من ذلك المأزق وليأخذ الحل السياسي بعد ذلك الوقت الطويل، فلا يضرها ما دامت تحللت من العمل العسكري في سوريا... لكن أمريكا حالت دون ذلك إلا أن يكون الحل السياسي أولاً... وقد ذكرنا هذا الأمر في جواب السؤال الذي أصدرناه في 22/9/2018 المذكور آنفاً (وهكذا أوقفت روسيا قصفها على إدلب وأعادت سفنها التي ناورت في البحر المتوسط، ولا تزال تستجدي أمريكا مباشرة أو عبر تركيا لحسم موضوع إدلب عسكرياً قبل الحل السياسي... ولكن أمريكا تريد الحل السياسي قبل أي حسم عسكري في إدلب لاستعمالها ورقة ضغط لابتزاز روسيا حول قواعدها العسكرية في سوريا ومن ثم تجعل المعارضة تعرض موضوع القواعد في الحل السياسي...).
رأيك في الموضوع