لم يعد بإمكان بريطانيا التي ظل نفوذها متفرداً في اليمن ردحاً من الزمن أن تظل متفردة في السيطرة عليه كما كانت من قبل؛ فقد هبطت مكانتها من الناحية الدولية وارتفعت وتيرة ملاحقة أمريكا لنفوذها وتحجيم دور عملائها ومنعهم بالقوة من محاولة انتزاع ما أخذه الحوثيون من نفوذها، وعجز عملاؤها عن الحسم العسكري أمام عنجهية أمريكا وإصرارها على إشراك الحوثيين في حكم اليمن لبسط نفوذها فيه.
إن الحرب التي شارفت على انتهاء عامها الرابع والتي أهلكت الحرث والنسل وسببت الخراب والدمار والكوارث والأمراض والأزمات المستدامة والمتلاحقة، قد أوجدت قناعة عند الدول الاستعمارية المتصارعة (أمريكا وبريطانيا) أن حسم الصراع لأحد الطرفين شبه مستحيل، وإن إطالة أمد الحرب ليس في مصلحة الدولتين المتصارعتين وعملائهم؛ فبريطانيا أدركت عدم قدرتها على التفرد من جديد وأن أمريكا لن تسمح للإمارات بانتزاع الحديدة من الحوثيين ولن تسمح لهادي بالتقدم عبر جبهة نهم صوب صنعاء لانتزاعها منهم. كما أدركت أمريكا حجم الحوثيين الحقيقي وأنهم لن يصمدوا إذا استمرت الحرب طويلاً وأن قوتهم تتآكل يوماً بعد يوم. لذلك تم توافق أمريكا وبريطانيا وأجبروا عملاءهم على إيقاف الحرب في الحديدة والسير في المفاوضات لإنهاء الحرب في اليمن... وقد بدأت المفاوضات ببحث ملف النواحي الإنسانية كالمعتقلين والوضع الاقتصادي وإيصال المساعدات ودفع رواتب الموظفين والحرب في الحديدة وحصار مدينة تعز وفتح مطار صنعاء، وهذا كله من أجل التضليل السياسي بأن المفاوضات هي من أجل أهل اليمن لتخفيف معاناتهم وحل مشاكلهم ووقف نزيف دماء أبنائهم، وهذا دجل وكذب وخداع فالدول الاستعمارية لا تعرف الإنسانية ولا يوجد ذلك في قاموسها، بل تعرف مصالحها وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق ذلك ولو كان على حساب دماء الآلاف من أهل اليمن وخراب بلادهم وصناعة الكوارث والأزمات والأمراض التي تسبب معاناتهم... فالدول الاستعمارية هي التي تشعل الحرب وتسلح الطرفين لاستمرار الحرب حتى تتحقق الأهداف ثم تخفف ذلك بالمساعدات وتتظاهر بالحرص الشديد على المدنيين وتذرف دموع التماسيح عليهم وعندما يصبح استمرار الحرب في غير صالحها تسعى فوراً إلى إيقافها معلنة أن الحل الذي يخرج اليمن من أزماتها ومشاكلها التي صنعتها على عين بصيرة هو الحل السياسي!
إن بريطانيا لما أدركت تقدم عملائها في المعارك المختلفة وخاصة معركة الحديدة سارعت بالموافقة على المفاوضات لأن نصيبها فيها سيكون أكبر فهي تملك حصتين حصة الإمارات وحصة هادي، وقد رحبت أمريكا بالمفاوضات وأعلنت تأييدها لذلك، وهي وإن كانت لها حصة واحدة وهي حصة الحوثيين إلا أنها تدرك أن حصة هادي ليست خالصة للإنجليز وحدهم فعن طريق عميلهم محمد بن سلمان سيكون لهم نصيب فيها لا يقل عن نصيب الإنجليز إن لم يكن أكثر منهم، وهذا ما جعل أمريكا تؤيد المفاوضات بشدة وتعطي الضوء الأخضر للحوثيين لقبولها وأن الحل في اليمن هو حل سياسي وليس عسكريا.
ومن خلال جولات المفاوضات التي تمت في الأيام الماضية تبين أن المتفاوضين لا يملكون قرارهم وإنما هم أدوات لتنفيذ أوامر أسيادهم، فالطرفان متفقان على إشراف الأمم المتحدة على ميناء الحديدة وسائر المطارات، والدول الاستعمارية هي المتحكمة في هيئة الأمم المتحدة وخاصة أمريكا، كما أن المتفاوضين متفقون على الحكم بقوانين العلمانية التي سوقتها الدول الاستعمارية في اليمن ومحاربة الإسلام تحت كذبتهم المفضوحة محاربة (الإرهاب) ومنع عودة الخلافة الراشدة التي تضع الشريعة الإسلامية موضع التطبيق والتنفيذ.
إن المفاوضات التي يبدو أنها تسير في طريقها إلى النجاح لن تكون في صالح أهل اليمن بل في صالح الدول الاستعمارية المتصارعة التي تسعى إلى تأبيد سيطرتها على اليمن من خلال مؤسساتها الاستعمارية (التوائم الثلاثة) صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، وعمل هذه المؤسسات هو ضرب العملات وإفقار الشعوب وتخفيض المصروفات ورفع الدعم الأساسي عن السلع الضرورية وتجميد المرتبات والأجور وتقليص الوظائف وفرض الضرائب ورفع الحواجز الجمركية من أجل إدخال تجارة الدول الكبرى لضرب الصناعات المحلية وجدولة الديون لاستمرار وقوع الدول النامية في مصيدتها وتعطيل عجلة النمو الاقتصادي. يقول بيير جلان وهو أحد كبار موظفي البنك الدولي في كتاب استقالته (كنت آمل في الماضي أن البنك الدولي سيساهم في إنماء مسؤولية مشتركة تجاه مستقبل الشعوب الأقل حظا في العالم ولكنه لم يكن كذلك. الفقر يزداد... الجوع يقتل بالتأكيد أكثر من الحروب... والحلول المقترحة من البنك الدولي من أجل التنمية هي الدواء المسموم...).
فهذه المؤسسات هي هيئات سياسية استعمارية هدفها إفقار الشعوب وتجويعها. وإن تعليق أهل اليمن آمالهم على مفاوضات السويد لهو خطر كبير وشر مستطير، فهل يرجى من الشوك العنب، وهل سيأتي من الأعداء خير والله يقول: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]؟!
إن المخرج لليمن وسائر بلاد المسلمين إنما هو بالعمل الجاد لتحكيم شرع الله في كل مناحي الحياة ولن يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تقطع يد الكافر المستعمر من التدخل في شؤون المسلمين وتطبق الإسلام في الداخل فتحل به جميع مشاكل المسلمين وتزيل كل معاناتهم وتحمله رسالة نور وهدى للعالم.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع