يتساءل الكثيرون عما وراء الجلبة المتصاعدة بشأن الخلاف المعلن بين نتنياهو وأوباما على خلفية المفاوضات الدائرة بين مجموعة 5+1 (الدول الكبرى + ألمانيا) مع إيران للتوصل إلى اتفاق يعالج الملف النووي الإيراني. ويدور السؤال حول حقيقة المصلحة الأمريكية الكبرى في الإصرار على التوصل إلى اتفاق مع إيران صاحبة شعار "الشيطان الأكبر" على حساب التحالف التاريخي الاستراتيجي مع كيان يهود الذي احتل دوما مركزا أساسيا في صلب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط... وهل يشير هذا الحرص الأمريكي على الاتفاق مع إيران على تبدل في أولويات السياسة الأمريكية فيصبح نظام الملالي في إيران الخمينية صاحب الحظوة في البيت الأبيض ولو تطلب هذا إغضاب اليهود والدخول في صراع بين البيت الأبيض واللوبي اليهودي! حتى وصل الأمر بسوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي بأن وصفت الخلاف الناتج عن إصرار نتنياهو على إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأمريكي بأنه "مدمر لنسيج العلاقة مع إسرائيل". وكانت جريدة الجريدة الكويتية نقلت (في 28 شباط 2015) عن مصدر مطلع "بأن تدريبات استمرت أسابيع من أجل التأكد من نجاح المهمة (شن غارات على المواقع النووية الإيرانية في 2014)، مضيفاً أن «مقاتلات إسرائيلية وطائرات بدون طيار حلقت أكثر من مرة في الأجواء الإيرانية انطلاقاً من قواعد سرية في دول مختلفة حيث استطاعت اختراق الرادارات الإيرانية، وكانت الأهداف مرسومة والخطة جاهزة،... مما حدا بأوباما الاتصال بنتنياهو مهدداً بإسقاط الطائرات الإسرائيلية قبل وصولها إلى الأجواء الإيرانية». وأضاف المصدر أن «أوباما شدد على أن الولايات المتحدة سترى في خطوة كهذه كسر كل الخطوط الحمراء فما كان من نتنياهو إلا إلغاء العملية وبدأت الأمور تسوء بين الطرفين». ويبدو أن أوباما أخذ بنصيحة زبيغنيو بريجنسكي الذي صرح في مقابلة مع موقع (دايلي بيست) في 17/9/2009 بأن على أوباما أن يبلغ قادة (إسرائيل) بأن الطيران الأمريكي في العراق سيسقط أي طائرة إسرائيلية تريد مهاجمة إيران.
وكانت وكالة كونا الكويتية نقلت في 12/8/2013 خبر زيارة قام بها رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي لكيان يهود بعد أيام من زيارة مماثلة سرية استمرت أسبوعا كاملا قام بها قائد سلاح الجو الأمريكي مارك ويلتش لدولة يهود لتوصيل رسالة شديدة اللهجة لثنيها عن شن هجوم على المواقع الإيرانية.
وقد نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، ومواقع أمريكية أخرى، تصريح نائب مستشار الأمن القومي لأوباما (بن رودس) في لقاء له في كانون الثاني 2014 (وتم الكشف عن تصريحه هذا في 31 تشرين الأول 2014 إبان احتدام المواجهة مع الكونغرس على خلفية اقتراب الموعد المضروب لانتهاء المفاوضات مع إيران في 24 تشرين الثاني 2014) "أن التوصل إلى اتفاق مع إيران سيكون أكبر إنجاز في السياسة الخارجية للرئيس أوباما في ولايته الثانية... والاتفاق مع إيران يوازي في أهميته مشروع الضمان الصحي أوباماكير ObamaCare (والذي يعد أكبر إنجاز داخلي لأوباما)... وسنعمل على منع الكونغرس من إسقاط الاتفاق (عبر وضع قيود وشروط عليه)".
ومع أن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر في ساعة متأخرة من مساء الجمعة 27/2/2015 "قانون مراجعة اتفاق إيران النووي" يلزم بمراجعة الكونغرس لأي اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. ويلزم القانون أوباما بأن "يقدم إلى الكونغرس نص أي اتفاق في غضون 5 أيام من التوصل لاتفاق نهائي مع إيران"، إلا أن أوباما سبق أن أعلن أكثر من مرة أنه سيستخدم حق النقض ضد القانون حين يعرض عليه للتوقيع. ثم إن الدستور الأمريكي يخول الرئيس صلاحيات تمكنه من تعطيل أية عقوبات يشرعها الكونغرس، في حال تمكن الكونغرس من تخطي حق الفيتو الرئاسي. (يحتاج الجمهوريون لكسب 12 صوتا من أصوات الديمقراطيين لتخطي الفيتو الرئاسي).
في سياق فهمنا لهذا الإصرار الأمريكي على الاتفاق مع إيران وتكثيف الاتصالات واللقاءات بين كبار المسؤولين الأمريكان والإيرانيين (وآخرها الاجتماع المفترض عقده بين جون كيري ومحمد ظريف في 1/3/2015 قبل الجولة القادمة من المباحثات يوم الخميس في 5/3/2015) فلا بد من ربطه مع المجريات الأخيرة في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث قامت أمريكا بفتح الباب واسعاً أمام النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فبينما تراود قادة إيران أحلام القيام بدور شرطي المنطقة (وهذه المرة تحت الخيمة الأمريكية وليس كما جرى على عهد الشاه المخلوع)، فإن أمريكا تسخّر إيران لتحقيق مصالحها السياسية في التصدي لمشروع الأمة في إقامة دولة الخلافة، وأخطر ما في هذه السياسة الإيرانية قصيرة النظر أنها تصب الزيت على نار فتنة الاقتتال الداخلي بين المسلمين... ولو كان قادة إيران مخلصين لمبادئ ثورة الإمام الحسين، كما يزعمون، لوقفوا صفا واحدا مع بقية المسلمين لطرد النفوذ الأمريكي والغربي عموما من المنطقة كلها، بدلا من الوقوف إلى جانب النظام البعثي العلماني في دمشق، وتأييد السياسات الطائفية لحكام العراق، وتشجيع الحوثيين على سفك الدماء في اليمن. أما سراب "شرطي المنطقة" فليس أكثر من أوهام تعشعش في أذهان قادة إيران لن تصمد في الواقع أمام عزيمة الأمة وإصرارها على التحرر من القبضة الغربية وهدم النظم التي أوجدها الغرب واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة التي هي لكل المسلمين بل لكل البشرية التي تحتاج رحمة الإسلام وعدله حاجة الأرض العطشى لماء المطر، و﴿عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
رأيك في الموضوع