أحداث سياسية متزاحمة على شاشات التلفزيون وماكينة إعلامية لا تفتر عن نقل الحدث وتحليله بل وتصنع الأحداث كذلك، يضاف إليها شعور الأمة بظلام المصير تحت طغمة الحكم الجبري، كل هذا وذاك جعل كثيراً من المسلمين يتابعون بنَهَمٍ ما يحدث من أخطار وما يستجد من أخبار. إلا أنهم في متابعتهم قد لا يميزون بين الحقائق والمغالطات فينهلون مما يسمعون غثه وسمينه، وتتشبث بآذانهم أفكار الغرب المستعمر وثقافته وتتسرب إليهم ضلالاته وافتراءاته وتنتشر في أوساطهم مغالطات وأوهام، حتى بات الكثير منهم يضعون الحقائق السياسية موضع النقاش وإبداء الرأي، فكل خبر يسمعونه أو حدث يعيشونه تراهم بين مؤيد له ومعارض، وكل موقف دولي يراه البعض يصب في مصلحتهم بينما البعض الآخر يراه مهلكة.
فبالحديث عن الأمم المتحدة وانتظار الحل والخلاص منها يضيع الكثير في مغالطة: أن الأمم المتحدة تحرص على حفظ السلام والأمان وأنها لا تريد لبلادنا الأزمات والشر، متغافلين عن حقيقة أقرها الله في كتابه غير قابلة للنقاش ولا لإبداء الرأي قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: 105]
وبالحديث عن نظام الأسد وقوة الدول التي تسانده يذهب البعض إلى أنه لا يمكن لأهل الشام أن يقفوا في وجه العالم بأسره فلن تكون لأهل الشام غلبة على أعدائهم ضمن هذه المعطيات، متجاهلين حقيقة أقرها الله في كتابه غير قابلة للنقاش قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: 12]
وبالنظر لفارق القوة المادية بين المسلمين المستضعفين وبين حكومات الطغيان تتردد كلمات اليأس والقنوط؛ أنى للعين أن تقاوم المخرز وأنى للسلاح الخفيف أن يفعل مع الطائرات والصواريخ والبوارج والمدرعات، متناسين حقيقة قرآنية كذلك قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ [الأنفال: 59]
ليس هذا فحسب بل وتتعالى صرخات الاستغاثة وطلب الدعم من دول الديمقراطية والحريات كما يسميها أصحابها ومنظمات العالم حتى يفيضوا على بلادنا المنكوبة بالأموال، والله عز وجل يحذرنا في حقيقة قرآنية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: 36-37]
وبسماع خبر هدنة أو اتفاق خفض تصعيد يستبشر كثيرون بحقن الدماء وقلة الدمار وأن الهدنة خير ورحمة، ولو رجعنا إلى قرآننا لوجدنا الحقيقة ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8]
فالفهم السياسي لأي خبر والتعامل مع أي حدث يجب أن يكون مبنياً على ثوابت وحقائق حتى يكون صحيحاً لا يعتريه الوهم والحذر من المغالطات التي تصرف عن الحقائق، وهذه المغالطات تحصل بإيجاد أعمال تصرف عن الحقائق أو إيجاد أفكار تصرف عن الحقائق؛ فمثلاً كون الأمة لا عز لها ولا تمكين إلا بدولة من جنس عقيدتها هذه حقيقة، ولكن لصرف المسلمين عن هذه الحقيقة أوجدت أفكار (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرض الواقع) وشغلت المسلمين بالوعظ والإرشاد وكثرة حفظة القرآن والقربات الفردية...
ومثلاً كون حكام المسلمين يتبعون للمنظومة الدولية التي تقوم بكل رموزها وأركانها وجنودها على مبدأ إبعاد حكم الله عن الأرض وفصل الدين عن الحياة هذه حقيقة، ولكن لصرف المسلمين عن هذه الحقيقة أوجدت لهم حكاماً كذبة يدعون الدفاع عن مصالح الأمة وراحت عدسات الإعلام تلاحقهم عند دخولهم المسجد أو حملهم لطفل مشرد أو قراءتهم لآية من القرآن بصوت رخيم بينما تعتّم على جرائمهم وانتهاكهم لحدود الله.
وهكذا تجري المغالطات لصرف الناس عن الوصول إلى الحقائق.
ولذلك لا بد من الانتباه للمغالطات ولا بد من التمسك بالحقائق والقبض على الحقيقة بيد من حديد، ولا بد من العمق في الفكر والإخلاص في التفكير للوصول إلى الحقائق.
ومن أخطر ما يحصل لعدم الانتفاع بالحقائق هو إهمال حقائق التاريخ؛
فالتاريخ يقول: إنه عندما كان للمسلمين دولة كانوا في منعة من أعدائهم ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله.
والتاريخ يقول أيضاً: إن المسلمين ما غلبوا أعداءهم يوماً بكثرة عدد أو قوة عدة إنما النصر يكون لهم دائماً بدين الله كما قال الشيخ أبو النصر البخاري للقائد ألب أرسلان: يا بني إنك تقاتل عن دينٍ وَعَدَ الله بنصره فامض على بركة الله.
والتاريخ يقول: إن ملة الكفر واحدة لا عهد لهم ولا ميثاق... وما جرى بين تيمورلنك والقاضي ابن مفلح يوضح ذلك كله.
فمن لم يعتبر بحقائق التاريخ لن ينجو من مهالك الواقع أو المستقبل...
وكما يقول الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتابه التفكير: "حقائق التاريخ هي أغلى ما لدى الإنسان، وأعلى أنواع الأفكار".
والله عز وجل يذكرنا بحقائق التاريخ كما ذكّر الصحابة والمؤمنين يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]
فالعين تكسر المخرز إذا كانت بمعية الله.
بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد
رأيك في الموضوع