إن الإنسانية تصرخ ألماً، والبشرية تتخبط في دياجير الظلام، نتيجة حكم الرأسمالية الظالمة وغياب العدل عن الأرض.
مد إبليس حبائله وضرب أطنابه وأرسل جنوده من شياطين الإنس والجن يمزقون المجتمات ويفسدون الأُسر والعائلات.
وإنْ علمنا أنه لا نبي بعد نبينا فإننا كذلك قد علمنا أننا نحن ورثته وحملة رسالته من بعده فقد تركنا على المحجة البيضاء التي تصلح حالنا.
وإنني في هذه المقالة، وعلى عجالة، سأقارن بين حال العالم قبل بعثة النبي محمد ﷺ وبين حال عالمنا اليوم.
بدايةً، لا بد من لفت الانتباه إلى أن كتب السيرة تحدثت عن حال العالم قبل البعثة للتأكيد على أن دعوة الرسول لم تكن دعوة كهنوتية بل كانت دعوة عملية سياسية تحمل نظاماً فيه رحمة للعالمين.
فذكرت كتب السير حال الروم ونظام حكمهم وأنه كان ملكياً لا دخل لدين النصرانية به (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) إلا أن الفكرة السائدة التي تدعمها الكنيسة هي أن الله اختار الإمبراطور لهذا المنصب، فأضحى بذلك موطن تبجيل وتقديس من رعاياه فإذا طلع الإمبراطور عليهم ركعوا أمامه جميعاً.
ومن الناحية الاقتصادية فقد أصيبت الدولة البيزنطية بانهيارات تجارية وزراعية نتيجة الضرائب والربا والاحتكار، وكما يقول المؤرخ بتلر: "إن حكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين".
أما من الناحية الفكرية والدينية فإنهم انتقلوا إلى الوثنية بعد تنصّر قسطنطين وصاروا يعبدون القديسين والصور، ووقعت بينهم خلافات كبيرة وحاول هرقل نزع الخلاف لكنه فشل.
أما من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، فقد شاع الفساد الأخلاقي والانحلال داخل البلاط وفي أوساط الشعب، وكان الإمبراطور وقادة الجيش وكبار رجال الكنيسة يعيشون في أعلى السلم المجتمعي، في حين يقبع آلاف العبيد في المزارع الضخمة حيث يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى المعيشة.
أما بلاد فارس، فلم تكن أحسن حالاً من جارتها وعدوتها، فحُكمها كسروي يعطي الحاكم صلاحيات ألوهية كما يدعي ودينُها اللادين فلم يؤمنوا بأي كتاب سماوي. وحالتها الاجتماعية منحطة؛ فقد شاع بينهم زواج المحارم، والمرأة عندهم كالرقيق حيث بإمكان الزوج أن يتنازل عنها لزوج آخر دون رضاها، وقد انتشرت الإباحية وعم الفساد الخُلُقي خاصة عندما انتشرت المزدكية التي دعا إليها مزدك الذي وُلد سنة 487م.
أما العرب قبل بعثة النبي ﷺ، فلم يكونوا كما اشتهر عنهم أصحاب أخلاق فاضلة لا ينقصها إلا الإسلام، فإنهم وإن كانوا ذوي نخوة وجود ومروءة أعطتهم سمعة حسنة، لكن بالمقابل لديهم الكثير والكثير من الأخلاق الفاسدة والمشينة، الربا، الغش، امتهان المرأة، اعتبار البنت عاراً، اعتقاد السحر والكهانة، الخمر، وفوق كل ذلك حماقة الوثنية.
وأما بلاد شرق آسيا فإنها كانت تغوص في هرطقات الفلسفة وضلالات المنطق.
بهذا الشكل نفهم أن العالم بحاجة إلى استنقاذ من دركات الجاهلية.
ولما بُعث رسول الله ﷺ كان رحمة مهداة ونعمة مسداة ونوراً أضاء العالمين، أقام وورّث لمن بعده دعوةً ودولةً بقي المسلمون عليها رغم ما اعتراهم من هزات في تاريخهم، حتى هدم الكافر المستعمر دولتَهم وحاول العبث بدعوتِهم وعقيدتهم، ولولا وعد الله بحفظ دينه لصار تاريخاً منسياً لكثرة ما لاقى من حرب أعدائه.
واليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين، هل العالم بحاجة إلى استنقاذ؟!
لو قرأنا واقعنا السياسي كما قرأه كتاب السير لوجدنا جاهلية عمياء: تبيح الشذوذ بل وتدافع عنه وتروج له وتروج للزنا والخمر والمخدرات وتسهل مواردها وتُشرع السحاق واللواط تحت ما يسمى الحرية الشخصية.
جاهلية رأسمالية: تأكل أموال الناس بالباطل بالربا والاحتكار والتجارة في أقوات الناس وتغرقهم في الديون والتضخم المالي فتزيد الفقير فقراً والغني غنى.
جاهلية علمانية: تكرس الطبقية والعنصرية وتزرعها زرعاً في سياستها وإعلامها من أمريكا (البيض والسود) إلى أصغر بلدة وقرية من قرى هذا العالم التي يفرق بين عوائلها بالطائفية والعنصرية عن طريق الأنظمة العميلة.
جاهلية ديمقراطية: تعطي مجلس البرلمان صلاحيات التشريع الإلهي. فإن كانت فارس وبيزنطة تقدس شخص الملك أو يعبدونه فإن الديمقراطية تجعل الآلهة أكثر وتجعل الظلم والعدل أمراً متعلقاً بالأكثرية.
جاهلية نتنة بالية: أثبتت عجزها عن رعاية مصالح الناس في مرض كورونا وفي إفلاس البنوك وفي غلاء الأسعار وفي انخفاض نسب المواليد وارتفاع نسب الشيخوخة وقلة اليد العاملة من جهة وكثرة البطالة من جهة أخرى.
وكل ما سبق مثبت بإحصائيات يضيق المجال عن ذكرها ويمكنك البحث عبر شبكة الإنترنت للتأكد من حجم المصيبة والحاجة الملحة لاستنقاذ البشرية من هذا الانحطاط.
أيها المسلمون: إنكم أتباع النبي محمد وحملة دعوته. ومهمة الاستنقاذ هذه تقع على عاتقكم وسيسألنا الله تعالى عن قيامنا بهذا الفرض وعن عملنا بهذا الواجب.
فمهمتنا كما قال ربعي بن عامر: "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
وقد بشرنا رسول الله بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تملأ الأرض عدلاً ويكثر فيها الخير والمال بعد الملك الجبري فقال رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». وقال في صحيح مسلم من حديث جابر عن خير يعقب ضيقاً: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْياً، لَا يَعُدُّهُ عَدَداً».
فاعملوا لعز الدنيا وكرامة الآخرة يرحمكم الله.
رأيك في الموضوع