يقول الدكتور إياد القنيبي: "عندما تقبل بتصنيف شيء ما من دينك على أنه شبهة فقد خسرت نصف المعركة، وعندما تحاول أن تدافع عنه بمعايير عدوك فقد خسرت النصف الآخر".
"دسّ السم في العسل" مقولة معروفة، يستشهد بها الكل تقريباً عند الحديث عن الشأن السياسي، أو العداء الغربي للإسلام، وتختلف المصطلحات والمقاييس باختلاف المتحدث المقتبس للعبارة. لكنّ الذي استدعاني في هذا المقال لاقتباسها هو صورة نشرها التلفزيون العربي على صفحته في فيسبوك عنونها بالآتي: "تُحمل على راحة يد.. مراهقة بريطانية تلد أصغر طفلة خديج في البلاد".
يمرّ الكثيرون مرور الكرام على الخبر، فشعوب تجرعت مرارة الذل والفقر والحروب والتشرد ويشغلها الحكام بالكد لتحصيل لقمة العيش، ما همّها بصبية بريطانية أنجبت؟! ما همّ المسلمين الذين يُذبحون من الوريد إلى الوريد إن كانت المولودة خداجاً أم لا؟
يمرّ القارئ مروراً عابراً على هكذا خبر، ولا يلتفت للسم المدسوس: الصبية تنجب سفاحاً. وهذا لا يعنينا لو كان الغرب لا يبث سمومه ليل نهار في بلادنا وبين أبنائنا، لا يعنينا أن تنجب بنات أوروبا بالحرام، إلا لأن بلاد الكفر تذم الزواج المبكر وتعيبه بل وتعمل على تجريمه في بلاد المسلمين، بينما تسعى لتحليل الفواحش ونشرها، وما اتفاقية سيداو عنا ببعيدة.
الفكر الغربي الذي انبثق من المبدأ الرأسمالي، يرى بلا غضاضة أن المتع الجسدية هي الغاية وأن تحصيل أكبر قدر منها هو سبيل السعادة، فلا وزن للحياة الآخرة عنده. الفرد هو الكل ونزعاته وأهواؤه هي الحاكمة وهي الفصل في توجيه تصرفاته وسلوكه. فإن رأى أن يزني أو يسرق أو يقتل لا يردعه إلا الخوف من العقوبة، وإن استطاع أن يحتال على القانون فلن يمنعه شيء، ولهذا فمقولة "القانون لا يحمي المغفلين" تعتبر عرفاً في المجتمع الرأسمالي.
لذلك فهذا المجتمع تنتشر فيه الفواحش ويكاد المرء فيه لا يعرف أباه، مقابل المجتمع المسلم الذي يُعرف بالطهر وحفظ الأنساب وحماية الأعراض. فالمرأة في الإسلام عِرض مُصان، يجب أن تُبذل لحمايته الأنفس والأرواح.
العلمانيون والغربيون عامة يُزعجهم أن يُقال إن الأصل في المرأة المسلمة أنها أم وربة بيت وعِرض يجب أن يُصان. العجيب أن هؤلاء القوم الذين تبلغ معدلات المواليد بالزنا عندهم أكثر من 60% من نسبة المواليد، ولا يجدون حرجاً في أن تلد المرأة بالزنا، لا ينظرون لمسألة كون الأنثى في الإسلام عِرضاً إلا من زاوية البكارة من عدمها، ويتخذون من هذه المواضيع حراباً يهاجمون فيها دين العفة، بكل وقاحة، وتمتلئ ندوات السيداويين والسيداويات بمواضيع كالختان وغشاء البكارة والإجهاض والزواج المبكر، مؤكدين أن كل ما يفقهون عن العِرض هو الناحية الجنسية، والإناء ينضح بما فيه!
إن الإسلام هو دين الطهر وهو المبدأ الصحيح القويم الذي يكرم كلاً من الذكر والأنثى حق التكريم، حتماً لا ظنّاً. وحين نعرض لهجوم الرأسماليين على أحكام الشريعة فلسنا في موقع الدفاع فأحكام ديننا فوق الشبهات، بل إننا نعرض الشبهات من موقع المتعجب المستنكر الفاضح.
أعجب من جرأة هؤلاء القوم وقد فشلوا في حماية نسائهم من كل أذى؛ باتت المرأة الفرنسية لا تأمن على نفسها في المواصلات العامة حسب تغريدة نشرها ماكرون على حسابه في تويتر مؤخراً. وأستنكر أن يصدر هذا الكلام بكل صفاقة ممن جعلوا نساءهم للعَرض بل وصل حالهم أن يعرضوهن على الموائد كالطعام، كيف يتطاول هؤلاء ليهاجموا أحكام الإسلام ومفاهيم الشرف والعِرض والغيرة عند المسلمين! ونفضح هذا النظام الذي هو أُسّ الداء والبلاء ووجوده في الحكم يسبب للبشرية الشقاء.
هذا المبدأ الذي تنكر لوحي السماء، وأخذت أهله العزة بالإثم، فشرّعوا ما يوافق الهوى لا ما يُصلح المجتمع، وسنّوا من القوانين ما يناسب شهواتهم لا ما يحفظ فطرتهم. فلا حرج إذاً أن ترتفع نسب الإجهاض أو مواليد الزنا، أو تجد بيوت العجزة تفيض بمن تنكّر لهم بنوهم، أو بكل بساطة أن ترمي أم طفلها في القمامة فقط لأنه يزعجها ويعكر صفو يومها ببكائه أو متطلباته كما حدث مع امرأة تبلغ 18 عاماً في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية في السابع من الشهر الجاري.
حين تكون المصلحة الشخصية هي المرجعية الفكرية، والقيمة المادية هي القاعدة العقلية فلا عجب أن تنتكس الفطرة في مجتمع بأكمله. أما حين تكون القاعدة الفكرية ثابتة ومبنية على مرجع مقطوع بصحته وهو الوحي من الله سبحانه، فحينئذ تجد المجتمع مجتمعاً راقياً بفكره ناهضاً حاله. الرجل فيه والمرأة كلاهما يدوران في هذا المجتمع لبنائه والحفاظ على نهضته، كل يؤدي الدور المنوط به بتعاون وانسجام وطهر.
وقد وضع كلاً في مكانه المناسب، فحظيت الأنثى من ولادتها بكونها محط التدليل والرعاية والاهتمام من الأب والأم والإخوة وحتى الأخوال والأعمام، ولها منزلة لا تدانيها منزلة إلا منازل الأميرات من حرصهم عليها وخوفهم أن يمسّها سوء فتراهم يحرصون عليها من صغرها، يبذل أبوها كل ما يمكنه ليوفر لها حياة كريمة تسر قلبها، وتنتقل من طور لآخر وهي تتقلب في حياة ملؤها الطمأنينة والمودة بين محارمها وأقاربها، فلا يسوؤها أحد بكلمة ولا يجرؤ قليلو المروءة أن يتجاوزوا حدهم معها ولو بكلمة لأنهم يعلمون أنه حتى الكلام محرم معها، الله حرمه من فوق سبع سماوات وجعلها درة مصانة، وجعل الإنفاق عليها وتوفير العيش الكريم بل وتدليلها كله من الفرائض الواجبة بحق الرجال، يُحاسبون عنه أمام رب العالمين.
بالمقابل فالمرأة مناط بها أحد أصعب وأدق الواجبات في الدنيا، وهو بناء الأسرة والقوامة على شؤونها. فحديث رسول الله واضح بهذا الشأن من أن المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها. وفرق كبير بين الرعي والرعاية! الرأسمالي الذي تملي عليه قاعدته الفكرية أنه لا قيمة إلا للمادة، سيظن أن الراعية هي التي تُطعم وتسقي فينعق عقله قائلاً: الأم وربة البيت مُهانة لأنها لا تنتج عملاً للمجتمع ولا تتلقى أجراً على خدماتها! ولو نظر بعيني عقله لبيوت الغربيين ورأى كيف تصبح الحيوانات أفراد الأسرة رسمياً لانتشار التفكك الأسري وظاهرة الشيخوخة، لخرس لسانه قبل أن يهرف بما لا يعرف. أما المسلم الذي يستضيء بنور الله فهو يدرك جيداً أن دور الأم هو أسمى مكانة يمكن للمرأة أن تنالها، وأن دورها هذا يشبه جيداً دور الصحابة في غزوة أحد إذ هي في جهاد دون أن تجاهد، وفي موقع إن تركته انكشف ظهر الأمة وخسرت في معركتها مع عدوها. فتجد المسلمة المخلصة لربها تقف على ثغرها بقوة، وتجد الرجل المسلم يعتز بأمه وأخته وابنته ويقف سنداً لها، يتعاونان على طاعة الله وإنجاز مهمة الاستخلاف في الأرض. فلا تجد مسلمة تلقي بولدها في القمامة بل إن فضل الأمهات مما يعجز القلم أن يكتبه.
هذا التفصيل الحكيم في شأن المرأة والرجل، ووضع كل منهما في مكان له فيه صلاحياته التي تناسب ما أنيط به من مسؤوليات تؤهلهما أن يقوما بالدور الأمثل في بناء الأسرة التي هي اللبنة الأولى في المجتمع، وصحتها تعكس صحة المجتمع ونهضته. هذا التفصيل الحكيم، الذي فصله الإسلام، هو ما تحتاجه البشرية اليوم لتعود للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتستعيد النساء حياتهن الطبيعية الآمنة كجزء من المجتمع يبني لا يُهدم ولا يَهدم، شقيقة الرجل لا عدوته ولا ندّاً له ولا ضحية لشهواته.
وهذا التفصيل، وهذه الحياة الكريمة، لن تنالها النساء ولا البشرية بغير دولة تطبق هدي الإسلام كاملاً برحمته وعدله ودقة أحكامه. بغير الخلافة لا تسعد المرأة ولن تطمئن البشرية.
﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ﴾
رأيك في الموضوع